رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 4 اكتوبر 2006
العدد 1745

غياب للفكر الفلسفي وسجالات ثقافية غير مجدية أحيانا
بنية العقل العربي وتقصي أسباب التخلف والجمود

    

 

·         طرابيشي أمضى خمسة عشر عاما في الرد على الجابري فأين مشروعه الخاص؟

·       البغدادي: الإنسان العربي مازال يعتقد أنه "خير من ركب المطايا"

·         الأنصاري: من أخطاء أدونيس قوله بأن كل ما هو ثوري تقدمي وما سوى ذلك تخلف

·       الجابري: العقل العربي لا تاريخي ذو زمان راكد ويقدم الحلول الجاهزة

·       المثقف منتج أسئلة بينما  الفقيه مطالب بالأجوبة القطعية

 

كتب آدم يوسف:

إن أية جلسة حوار هادئة في المشرق أو المغرب لا يمكن أن تخلو من التعرض لحال الأمة العربية، وما تعانيه من ضعف وهزال على جميع المستويات السياسية، والاقتصادية والفكرية، ونظرة تأمل بسيطة توصلنا الى أن العالم العربي يعاني تخلفا مزمنا على المستوى الصناعي والتقني، وكذلك ضعفا واضحا في القدرات العسكرية، ناهيك عن التردي الفكري وضعف مخرجات التعليم، والقيود الكثيرة التي تكبل الإبداع والبحث العلمي، يضاف الى ذلك غياب شبه تام للحرية والاستقلالية الشخصية·

إن معطيات التردي والهزيمة التي نشاهدها أمامنا في كل يوم تجعلنا في حالة انبهار واندهاش بالمنجز الصناعي والتقني الغربي وتعمق فينا روح الهزيمة والانكسار، سواء اعترفنا بذلك أم لم نعترف، إن غياب المثل الإنسانية العليا، من قبيل الديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، وتكافؤ فرص العمل، والنزاهة في أداء الواجب الوظيفي والوطني، كان سببا في تعميق هوّة التخلف هذه·

يضاف الى ذلك عدم نزاهة القضاء في كثير من البلدان العربية وكذلك تشريع القوانين التي تكرس الظلم، وتخدم فئة دون أخرى·

 

مادة الفلسفة

 

للخروج من المأزق الذي وقعنا فيه لابدّ من حل جذري ينطلق من إعادة النظر في بنية العقل العربي وطريقة التفكير التي تحكمنا، وكذلك إعادة قراءة التراث والواقع والمستقبل، لعلنا نستطيع التحرر من الأنساق الاجتماعية والثقافية التي تحكمنا منذ أكثر من ألف عام، إن الأسئلة المتعلقة ببنية العقل العربي، تحال بلا شك إلى مادة الفلسفة، التي يفترض أن تقرر على طلبة المدارس في مراحل متقدمة، لأن التجرد العقلي الذي تدعو إليه الفلسفة هو الحل الوحيد الذي يخلصنا من الانفعال العاطفي الذي يسوقنا، والظاهرة الصوتية التي باتت سمة ميزة لنا·

ولم يكن أستاذ الفلسفة في جامعة محمد الخامس بالرباط محمد عابد الجابري يدعو لأكثر من ذلك - إعمال العقل العربي - وهو الذي أغنى المكتبة العربية بأكثر من ثلاثين كتابا·

وقد بدأ د· الجابري بطرح نظريته منذ مطلع الثمانينات - حسب ما جاء في موسوعة "ويكبيديا" حين أصدر كتابه "نحن والتراث" عام 1980م، وأعلن فيه صراحة أن العقل العربي قام بإلغاء الزمان والتطور عن رؤية الحاضر والمستقبل من خلال الماضي، فهو فكر لا تاريخي ذو زمان "راكد" لا يتحرك، كذلك كانت قراءته للتراث قراءة سلفية تنره الماضي وتقدسه، وتستمد منه الحلول الجاهزة لمشاكل الحاضر والمستقبل·

وفي كتابه الثاني "الخطاب العربي المعاصر" 1983م الذي يعتبر مدخلا ثانيا لـ "نقد العقل العربي" يشكك الجابري من أن العرب تمكنوا من تحقيق شيء يذكر من نهضتهم المأمولة، ويتساءل في مقدمته: "هل هم يغالبون بدون أمل الخطى التي تنزلق بهم الى الوراء" ويواصل د· الجابري مشروعه النقدي المهم بإصدار كتابيه: العقل السياسي العربي (1990)، والعقل الأخلاقي العربي 2001 م لم يخل مشروع د· الجابري - على أهميته - من انتقادات وتجريح من قبل بعض أساتذة الفكر والفلسفة·

 

أسباب التخلف

 

أستاذ العلوم السياسية، الكاتب والمفكر د· أحمد البغدادي يسرد في مقال له نشر سابقا أسباب التخلف العربي، وهي أسباب تتعلق في مجملها ببنية العقل العربي، وطريقة التفكير، ومن هذه الأسباب اعتقاد الإنسان العربي بأنه يمتلك الحقيقة المطلقة، وكذلك تقديسه لفكره القومي والتاريخي والديني، وتحليلاته غير المنطقية لكثير من القضايا، مثل الوحدة العربية والإرث التاريخي، وحالة الاستعلاء الفكري الزائف التي يعيشها الإنسان العربي بأنه "خير من ركب المطايا"، يضاف الى ذلك اعتقاد العربي بأنه أكثر الناس كرما وشرفا، وعجزه عن التحليل المنطقي لعدم امتلاكه عقلية التفاصيل، حيث يفضل العموميات، وكذلك عدم امتلاكه للمنطق والتفكير المركب، وانسياقه وراء رجل الشارع ورجل الدين دون تفكير·

 

نقد الجابري

 

أصدر المفكر السوري جورج طرابيشي سلسلة كتب للرد على الدكتور الجابري ومناقشة مشروعه الفكري والنقدي وهي " نظرية العقل العربي" و"إشكالية العقل العربي" و"وحدة العقل العربي"، وأما كتابه الأخير والأكثر أهمية فهو بعنوان "العقل المستقيل في الإسلام" وقد أمضى طرابيشي خمسة عشر عاما في قراءة وتفكيك ونقد مشروع الجابري، وفي كتابه الأخير يشرح طرابيشي مسوغات عمله هذا، بعد أن واجه كثيرا من الانتقادات من أصدقائه وقرائه يقول: "لامني أكثر من صديق وقارىء على كوني وضعت نفسي في مأزق عندما كرست كل هذا الوقت (15 عاما) وكل هذا المجهود (أربعة مجلدات) حتى الآن، للرد على مشروع الجابري "نقد العقل العربي"، بدلا من أنصرف الى إنجاز مشروع شخصي في قراءة التراث العربي الإسلامي·

ويؤكد طرابيشي أن مشروعه لنقد العقل العربي تحول الى إعادة قراءة وإعادة تأسيس، ولم يتوقف فقط عند الرد الجدلي المفترض، حسب ما جاء في مقال للكاتب سيد مرحوم في "شبكة العراق الثقافية"

 

الفلسفة في المشرق

 

الكاتب والمفكر البحريني د· محمد جابر الأنصاري يحيل مسألة التخلف هذه الى غياب الفكر الفلسفي في المشرق، ففي كثير من بلدان المشرق لم تكن مادة الفلسفة متضمنة في المناهج المدرسية، وكان ولا يزال أحيانا ثمة حظر عليها، بعكس حال مثقفي المغرب العربي الذين درسوا الفسلفة منذ نعومة أظفارهم، ووجدوا في عمل الجابري إضافات هامشية مهمة، وينتقد د· الأنصاري بشدة في حوار صحافي لجريدة الحياة اللندنية مثقفي المشرق العربي، ويصف غالبيتهم بالأمية الفلسفية، فهم ما إن قرؤوا تبسيطات الجابري حتى توهموا أنهم أمسكوا بناصية الفلسفة، وأصبحوا من روادها·

 

تنظيرات أدونيس

 

وينتقل د· جابر الأنصاري من انتقاده للمفكرين والفلاسفة المشارقة إلى الحديث عن فكر أدونيس وتنظيراته التي يصفها بالمهزوزة، في كتابه "الثابت والمتحول" ويقول، من أخطاء أدونيس أنه يعتقد أن كل ما هو "ثوري" و"رفضي" تقدمي وكل ما سوى ذلك تخلفي، وهذا خطأ وتزييف للتاريخ، حسب ما يرى الأنصاري، لأنه بذلك يحق لنا أن نعتقد أن ثورة القرامطة ضد الخلافة العباسية التي رعت العلوم والحكمة· تقدمية، وهذا خطأ·

وعن المثقفين ودورهم في المجمل يرى المفكر د· محمد جابر الأنصاري أنهم يشكلون نسبة ضئيلة من قوى التعبير والمواجهة، فلماذا نحملهم أسباب التخلف والتراجع، ولماذا نتهمهم بالخيانة والصمت، ولماذا نعد المثقف وحده بطلا، ونطلب منه أن يكون شهيدا في تاريخنا، وبعدما تراجع دور الكتاب والمفكرين والفلاسفة في اللاشعور الجمعي أوكل بعضهم الى المثقف القيام بدور الفقيه، وهذا عين الخطأ، لأن المثقف منتج أسئلة قد لا تكون مرغوبة، بينما الفقيه مطالب بالأجوبة القطعية فحسب·

 

تيارات الحداثة

 

وفيما يتعلق بتيارات الحداثة العربية ودورها في النهضة المرجوّة، فإن د· محمد جابر الأنصاري يرى أن هذه التيارات من ناصريين ويساريين وليبراليين، ارتكبت خطأ فادحا أدى الى النتيجة التي نشاهدها اليوم، تمثل في أنّهم لم يجذروا أفكارهم اجتماعيا في أوساط الجماهير التي طالما تغنوا بها، وكانت استفادتهم من إمكانات التجديد الإسلامي ضئيلة للغاية، وكان من الممكن العبور من خلالها عن طريق تبني مدرسة محمد عبده، بل إن بعض تلك التيارات عاكس العقائد العميقة للجماهير، فخلق ريبة حيالها وتصدعا، ومن السخف تحريك الجماهير بما يتناقض وإيمانها، لذلك انحازت قطاعات عميقة منها الى الأصوليات التي تدغدغ مشاعرها الإيمانية، لكنها للأسف تجرها للوراء·

وبعيدا عن انتقادات المثقفين وسجالاتهم المتبادلة فإن الحاجة الملحة الى النهضة وإعادة بناء مقدرات الأمة في المشرق والمغرب العربيين يتطلب منا إعادة قراءة جادة للتراث الفكري والديني، وكذلك منح مادة الفلسفة فرصة أكبر في المقررات التعليمية، بالإضافة إتاحة حرية التعبير والإبداع دون قيود أو وصاية سياسية ومذهبية ضيقة·

طباعة  

إصدارات
 
المجلس الوطني يحذر من تعديات صارخة على آثار فيلكا
 
قصة قصيرة
 
استراحة رمضانية
خذ رفة صايم.. بين الصاحي والنايم!

 
ثرثرة وذكريات من أنطق الحجر...
الذكرى الثامنة لرحيل الشاعر علي عبدالقيوم