رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 14 فبراير 2007
العدد 1762

داء الفتنة ...والعياذ بالله
علي حصيّن الأحبابي
ali_alahbabi@hotmail.com

ليس من قبيل المبالغة القول إن المشهد السياسي في كثيرٍ من أقطار العالم العربي اليوم هومشهد حزين كل الحزن بامتياز· ليس هذا فحسب، بل إن الأوضاع السياسية والأمنية مضطربة وغير مستقرة في عددٍ من البلدان العربية· وذلك يعود لكثيرٍ من الأسباب الداخلية والخارجية المتشابكة مع بعضها البعض، ولا يتسع المجال هنا لذكرها· وتجدر الإشارة هنا إلى أن الفتنة تقع في مقدمة الصف الأول من قائمة هذه الأسباب·

فالفتنة نراها اليوم تستشري في أجساد ثلاثة بلدان عربية هي لبنان والعراق وفلسطين· وتعرض أكثر المشاهد السياسية مأساويةً في عالمنا العربي· وهي اليوم تسبب دماراً وخراباً لا يمكن تصور شكله بين أبناء الشعب الواحد في الدولة الواحدة· فكثيرٌ مما نراه اليوم من مشاهد سياسية أوغير سياسية متدهورة في تلك البلدان ترجع إلى الفتنة التي لا تفرق بين أي أحد ولا ترى في نظرها سوى الخراب وتغذية الاختلافات بشتى صورها مستغلةً بذلك أي صدع في جدار أخوة أبناء الشعب وتحويلهم من الأشقاء إلى الفرقاء·

 

المشهد السياسي في لبنان

 

انطلقت شرارة الحرب الأهلية في لبنان منذ عام 1975 وانطفأت في  1990 من القرن المنصرم·

 وقد كانت الفتنة الطائفية هي محور انطلاق هذه الحرب الطاحنة· ولكن رغم انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية في بداية التسعينات وزوال تلك السحابة السوداء التي كانت تجثم على لبنان فإن الفتنة قد أطلت برأسها تحت قناعها السياسي· وما إن تنفس لبنان الصعداء بعد تلك السنوات الطويلة والصعبة من الاقتتال بين اللبنانيين وبدأت بعدها تظهر عليه بعض ملامح التحسن والشفاء من هذا الجرح الدامي حتى عادت الفتنة الطائفية تعود إلى الحياة من جديد·

ففي السنوات الأخيرة من عمر لبنان السياسي اتصف المشهد السياسي اللبناني بالمشهد الدموي نتيجة سلسلة الاغتيالات السياسية التي أطلت برأسها البغيض على الساحة اللبنانية· والفتنة بطبيعتها ترغب وبشدة في تقطيع أوصال لبنان ووتقسيمه من خلال استغلال الاختلافات السياسية والعقائدية بين أبناء الشعب اللبناني التي تحوله إلى حطب يوقد نار طائفيتها المقيتة·

 إن الفتنة اليوم آخذةٌ بالظهور في ثوبها السياسي وضاربةٌ بجذورها في عمق الاختلافات السياسية وغير السياسية التي تشكل لها منبعاً ترتوي منه· لكن ما هوأخطر من هذا وذاك هوخروج الفتنة من نطاقها السياسي إلى نطاقها الطائفي الذي يعتبر أكثر إجراماً ودموية·

كل من يعرف لبنان يدرك تماماً كيف تحولت بيروت الحبيبة من مدينة جميلة ورائعة إلى مدينة أشباح وكل ذلك من جراء الحرب الأهلية التي روجت لها الطائفية بين سكان البلد الواحد· وإن ما يجري اليوم على الساحة السياسية اللبنانية يرسم لنا مقاربات الرجوع إلى الحرب الأهلية، ونتمنى من أعماقنا أن لا يحدث ذلك أبداً وأن لا تؤول الأحداث إلى ما كانت عليه في السابق، ولا نريد اللبنانيين أن ينبشوا في أوراق الماضي، فلبنان ليس في حاجةٍ إلى ذلك·

 

المشهد السياسي في العراق

 

إذا نظرنا إلى شعبٍ يرزح تحت وطأة الاحتلال الأجنبي، فليس من المستغرب أبداً وجود مشهد سياسي مأساوي في هذا البلد المحتل· وفي هذا الزمن الغادر نجد أن عراق الحضارة والأصالة أصبح اليوم عراق الفتنة والطائفية· فعندما قامت الولايات المتحدة الأمريكية باحتلال العراق عسكرياً زعمت أنها تنوي الإطاحة بالنظام العراقي السابق، وحينها سارعت الولايات المتحدة إلى تفكيك الدولة العراقية كي تصنع منها دولة ديمقراطية تعد نموذجاً يحتذى به في منطقة الشرق الأوسط بكاملها·

والظاهر أن الولايات المتحدة لم تتمكن من إعادة تركيب الدولة العراقية مرةً أخرى في القالب الديمقراطي بنجاح· وفي ظل عدم تمكن أمريكا من إعادة تركيب قطع الأحجية العراقية (الدولة العراقية) برزت فجوة سياسية أدت بدورها إلى تثليم وزعزعة الاستقرار السياسي في العراق وهذا بسبب اشتعال شرارة الفتنة الطائفية بين العراقيين التي ساهمت بشكل خطير في جعل العراقيين يقتلون بعضهم البعض في وطنهم الواحد، وهذا هوالمعدن الخبيث والحقيقي لفعل الفتنة الطائفية وما يحدث اليوم في العراق ما هوإلا غيضٌ من فيض وما خفي أعظم·

إن الفتنة في بلاد الرافدين هي التي ولدت بجدارة العنف الطائفي بالرغم من أن تغذية هذا العنف يقع على عاتق أطراف أخرى من مصلحتها حدوث مثل هذا الشيء· والعنف الطائفي بجميع أشكاله المختلفة المتمثلة في الجرائم المنظمة والإعدام الجماعي والقتل على أساس الهوية كلها تهدم ولا تخدم العراق وشعبه بل تقسمه وتجزئة كل مجزأ·

لقد مرت قرابة أربع سنين، والعراق ما زال قابعاً تحت الغزوالخارجي فماذا جنى العراق من كل هذا سوى هدر الأرواح والخسائر البشرية الجسيمة؟ حيث إن عدد القتلى في اليوم يصل إلى 100 قتيل على الأقل· إن هذا رقم فلكي مخيف لكنه أصبح أمراً معتاداً في العراق، وحسب إحصاءات الأمم المتحدة فإن حصيلة القتلى المدنيين لعام 2006 قد بلغت 34.452 ألف قتيل عراقي· الجثث ترمى مفصولة الرأس على قارعة الطريق، أشلاء البشر هنا وهناك، تفجيراتٌ لا تتوقف بين الحين والآخر، صور مأساوية لا يمكن لعقلٍ تصورها· فعلاً إن الإنسان العراقي يعيش جحيم القتل اليومي·

 إن الفتنه لا تخرج من فراغٍ أينما كانت وأينما وجدت، بل إن هناك ما يغذيها ويعزز وجودها ويزيد من سعير جحيمها المشتعل، فوجود المحتل الأجنبي في العراق يزيد من أعمال الفتنة الطائفية فذلك من شأنه تكوين الفوضى الخلاقة التي تمثل للمحتل ورقة سياسية يستخدمها لتسيير مصالحه الخاصة هناك·

لقد شكل سقوط النظام العراقي السابق (سقوط بغداد) فجوة وفراغاً سياسياً· وحينها لم يبادر القادة العراقيون إلى المحافظة على وحدة الصف العراقي أكثر من سعيهم إلى اختيار نظام المحاصصة والنظر في تقسيم ثروات العراق (النفط··) على أساسٍ طائفي، الأمر الذي ساعد على ظهور الطائفية وتناميها بين صفوف الشعب العراقي·

إن العراق اليوم بجميع أطيافه وألوانه منقسمٌ على نفسه أكثر من أي يومٍ مضى فالأكراد ما زالوا ينادون باستقلال الإقليم الكردي في شمال العراق، وبالمقابل فإن الشيعة كذلك يطالبون بإقليم شيعي مستقل في جنوب العراق· وعلى هذا المنوال فكلٌ سيطالب بنصيبه من العراق لكن أين ستذهب وحدة العراق؟ ··· في مهب الريح!!·

 

المشهد السياسي في فلسطين

 

كي تؤدي الفتنة بطبيعتها الخبيثة أداءها بصورةٍ فعالة ومؤثرة يجب أن تتوافر التربة المناسبة لهذه النبتة الشيطانية· وهذه التربة تتمثل في وجود الاختلافات بين أبناء الأرض الواحدة· ولا يشترط لنموالفتنة أن تكون الاختلافات طائفية أومذهبية أوعرقية، فهي لا تتصف بشكلٍ محدد بل إنها تأتي بأشكالٍ عدة على حسب طبيعة الثوب المناسب الذي تجده· ففي فلسطين نجد أن الفتنة قد بدأت بالنموبين أبناء الشعب الفلسطيني· لكنها هذه المرة لم تنطلق من أساس طائفي كما حدث في لبنان والعراق، بل إنها استغلت في هذا المشهد الفروقات والاختلافات السياسية والأيديولوجية بين الفلسطينيين· 

 وبشكلٍ أدق نرى أن الفتنة ظهرت بين حركتي فتح وحماس اللتين لا توجد بينهما أي اختلافات كبيرة من حيث الطائفة أوالعرق، بل بدأت ظهورها من اختلاف المواقف السياسية في التعامل مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي· فلكل طرف وجهة نظر مختلفة عن الآخر بشأن هذه القضية· وهذا أمر شرعي ومباح ولا جدال فيه فكلهم فلسطينيون واختلاف الأفكار والأيديولوجيات يبيح مثل هذا التباين في المواقف كما يقال (الاختلاف لا يفسد للود قضية)· إلا أن الفتنة عندما بدأت بالظهور بين صفوف الفلسطينيين نرى أنها من خلال تعميق الاختلافات ووجهات النظر بين الفريقين الفلسطينيين كادت أن تفسد القضية بأكملها وتقدم فلسطين على طبقٍ من ذهب إلى إسرائيل·

فالأعمال التي قام بها الطرفان الفلسطينيان جراء الفتنة غير مقبولة بتاتاً مهما كانت الأسباب والمبررات التي صيغت دفاعاً عن هذه الفعلة· ولا أدري ما هي الكفارة التي يتوجب على الفلسطينيين فعلها كي يكفروا عن مثل هذه الخطيئة الكبيرة في حق أنفسهم وشعبهم وبلدهم؟ إن نظرة العدوالصهيوني منذ قيامه لم تتغير بالنسبة للفلسطينيين، فهوينظر إلى فتح وحماس دونما أي فوارق كلهم فلسطينيون، والفلسطينيون بدورهم منقسمون أشد الانقسام على أنفسهم وهذا لا يخدم القضية الفلسطينية بأي شكلٍ كان·

أوضاع القضية الفلسطينية متدهورة، ولم يتحقق فيها أي تقدم يذكر، وعجلة عملية السلام أصابها الصدأ ولم تتحرك منذ سنين، والعدوالصهيوني ما زال يستبيح حرمات أرض فلسطين ببناء المستوطنات الإسرائيلية، ومشكلة اللاجئين الفلسطينيين لم تحل إلى الآن، ··· وغيرها من الأمور والمشكلات الكثيرة كلها تساعد على ظهور وترعرع الفتنة وخلق الحساسية وتنشر ثقافة الكراهية بين الفلسطينيين، وهذا ما انعكس بشكلٍ جلي في المناوشات والمشادات بين حماس وفتح، وإن الأوضاع في هذه المنطقة المحتقنة سياسياً وأمنياً لا تحتاج إلى زيادة الطين بله ولا تحتاج إلى تصعيد أكثر بين الفريقين الفلسطينيين، لأن صراعهما يشكل هدية سياسية ثمينة تقدم إلى إسرائيل·       

وخلاصة القول إن هذه الدول تعيش حالةً سياسية خطيرة من جراء الفتنة وأخواتها (العنف والطائفية) قد تؤدي إذا ما تنامت إلى نشوب حرب أهلية كما حدث في لبنان عام  1975 وها هي ملامح صورة الحرب الأهلية تظهر في العراق ولا سبيل لقمع هذه الفتنة سوى وحدة الصف العراقي· وعليه فإن هذه الدول اليوم تقف في مفترق طرق حقيقي، أوبالأحرى يضعها بين خيارين لا ثالث لهما إما أن تهتم باستئصال الفتنة وهذا المرض العضال وتتماثل للشفاء أوأنها سوف تدفع ضريبة باهظة الثمن تحمل في طياتها خسائر بشرية ومادية لمصلحة الفتنة الضريبية·

كاتب وباحث في العلوم السياسية

 ali_alahbabi@hotmail.com

�����
   

مبادرة في الوقت الضائع!!:
سعاد المعجل
هل من ناصر ينصر قدسنا:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
حكاية شاعر عاشق لمصر:
سليمان صالح الفهد
الكويتية أسرع من السيارة!!:
سعود راشد العنزي
ما فهمت:
على محمود خاجه
مالكم والسيد المهري :
فيصل عبدالله عبدالنبي
داء الفتنة ...والعياذ بالله:
علي حصيّن الأحبابي
ماذا اكتشفت ناسا؟:
الدكتور محمد سلمان العبودي
كفى تقريعاً لأمريكا:
خلف أحمد الحبتور
تهديد متدرج ينبئ بكارثة عظيمة:
عبدالله عيسى الموسوي
دفاعاً عن نائبنا "الصعلوك"
مسلم واللئام.. ونحن وأربعينية صدام:
خالد عيد العنزي*
عن الرياضة والثقافة:
د. لطيفة النجار
بعد الإعدام:
يوسف الكندري