إن الإدارة الأمريكية "الحريصة" جدا على نشر الديمقراطية في المنطقة العربية وضمان حقوق الإنسان والمراءاة فيها، لم تشعر بأي حرج وهي تضمن مذكرة الإملاءات التي قدمتها الى البلدان العربية طلبا للفلسطينيين المحتلة أرضهم، والمعرضين كل يوم لأبشع الجرائم، بأن يوقفوا الإرهاب، وطلبا الى العرب والجامعة العربية لدعم هذا الطلب الأمريكي بينما اكتفت بمطالبة الإسرائيليين "بتخفيف الآثار النفسية للجدار على الفلسطينيين" نعم هكذا الآثار النفسية، وهكذا فإن أحد الأهداف الخبيثة لما تضمنه مشروع الشرق الأوسط الكبير ومذكرة الإملاءات الأمريكية الأخيرة المقدمة الى البلدان العربية وقتها هو محاولة تجميل الصورة البشعة للإدارة الأمريكية التي فتحت بممارستها "أبواب جهنم لكراهية في العالم ضد بلدها" كما صرح أخيرا ليزلي كلارك المرشح لرئاسة الجمهورية، وبالتالي فإدارة بوش تستهدف تقديم نفسها على أنها حاملة راية الديمقراطية والتنوير الى المنطقة ولكن لعبة الإدارة هذه مكشوفة ولا تنطلي على شعوبنا التي تعرفها جيدا والتي لسان حالها يقول "روحي خيطي بغير هذه السلة"·
لذلك يكون من الخطأ الفادح التعامل مع شعارات الإصلاح والديمقراطية والتنوير على أنها مطالب أمريكية فنناصبها العداء على هذا الأساس، وعلينا بالتالي أن نميز بين ما تتطلبه شعوبنا من ديمقراطية وتنوير وعلمانية وتحديث وتنمية وإطلاق لطاقات المرأة، وضمان لمساواتها بالرجل، وبين ما يستهدفه المشروع الأمريكي، فالديمقراطية والتنوير والتحديث والتقدم الاجتماعي هي رؤية شعوبنا، والمهم العمل بجدية للسير بخطى سديدة ومتوازية ومتواصلة لتجد سبيلها في الحياة، بما يخدم مصالح وطننا ويتوافق مع ظروف بلادنا، فذلك لا يشكل استجابة للإملاءات الأمريكية، وعلى العكس من ذلك فإن إطلاق طاقات شعبنا الكامنة تحصين للوطن وتعزيز لقدراته في مواجهة هذه الضغوط والإملاءات نفسها وما يرافقها من تهديدات وأخيرا·
على الرغم مما خلفه تأجيل القمة العربية من إحباط وتداعيات سلبية على النطاق العربي فإنه لا بد من متابعة الجهود التي تبذل لتطويق هذه التداعيات ولعقد القمة في أقرب وقت ممكن مع الأخذ في الحسبان في أثناء التحضير الجيد لها وخلال انعقادها، العبر والدروس مما يجري والسعي ما أمكن لتوفير مستلزمات نجاحها في اتخاذ قرارات تخدم المصالح الوطنية والقومية العليا، وبما يشكل رسالة واضحة الى الولايات المتحدة بأنها هي - وقبل غيرها - مدعوة لإعادة النظر في سياساتها المعادية لشعوب المنطقة والكف عن دعم دولة العدوان الإسرائيلي، وعليها أن تتحمل مسؤولياتها كدولة عظمى تجاه قضية السلام في المنطقة فتلزم حليفتها الاستراتيجية في تل أبيب بالاستجابة لإرادة المجتمع الدولي وتنفيذ قراراته· |