رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 13 يونيو 2007
العدد 1778

مصطلحات

ما بعد الحداثة

 

                             

 

كتب المحرر الثقافي:

غالبا ما يصطلح مصطلح ما بعد الحداثة على الفنون والآداب التي ظهرتر بعد الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، ومعها تأثير الحرب على المعنويات الغربية وتجربة القنبلة الذرية، والموت الجماعي والدمار الشامل وتجربة النازية وكلها أمور أثرتر على المعنويات الغربية وظهرت في الآداب والفنون، فليست ما بعد الحداثة استمرارية للحداثة، بل هي محاولة للقضاء على مقولات الحداثة، على ثقافة النخبة واستبدالها بقوالب وثقافة شعبية عامة تظهر في مجالات الأفلام والتلفزة والموسيقا· وقد اتبع أدباء ما بعد الحداثة أساليب عدة، منها أنهم دمجوا الأصناف الأدبية، ومستويات الأساليب الأدبية، دمجوا الهزلي والجاد، كما أنهم عملوا على تدمير مبادىء وقوالب التفكير والتجربة الجاهزة هذا التدمير يكشف عن الفراغ واللامعنى وهم من تداعيات ما بعد الحرب·

 

أصول المصطلح

 

على الرغم من أن مصطلح ما بعد الحداثة قد أصبح شائعا في الكتب والدراسات الحديثة، وتم ربطه بمرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، إلا أن أحد لم يستطع أن يصل إلى تحديد مصدره أو تاريخ ظهوره تأريخا دقيقا، فهناك من يعيد المفردة إلى المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي عام 1945، وهناك من يربطها بالشاعر والناقد الأمريكي تشارلس أولسون في الخمسينات الميلادية، وهناك من يحيلها إلى ناقد الثقافة ليزلي فيدلر ويحدد زمانها بعام 1965·

وعلى أية حال هذه الظاهرة موضع سجال منذ أكثر من نصف قرن، أي منذ بدأ يثمر ذلك اللقاح المديد بين المدن الكبرى والاختلاط الإثني الواسع، مع تعاظم وسائل النقل والانتقال والتعرف والتعارف· وبإيضاح أكثر من تحدد مي غصوب بداية ظهور ما بعد الحداثة بالفترة التي تلت الحرب الثانية، حين ساد الاستقرار وبدأ توافد الشعوب من أبناء الدول الأخرى في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية·

ويرى دكتور محمد عبدالرحمن أن المصطلح قد ظهر لأول مرة في كتابات الأدب الأسباني الأمريكي في ثلاثينيات هذا القرن، حين استخدم دي أونيس كلمة ما بعد الحداثة Postmodernesmo في سياق حديثه عن أدب يحمل بعض الملامح السلبية· ولكن في مجال التاريخ وجد المصطلح في صيغة الصفة Postmodern، وقد أطلق الاسم على حقبة واسعة تبدأ منذ أواخر القرن التاسع عشر·

 

فروق ومميزات

 

في كتابه "النقد الثقافي" يقدم لنا دكتور عبدالله الغذامي مجموعة من الأسباب التي جعلت العالم ينتقل من مرحلة الحداثة إلى ما بعد الحداثة منها: ان الحداثة في أساسها خطاب مركزي مضاد للتعدد غير الأوروبي وللآخر الملون، وحمل وعودا بالمساواة والحرية لم تتحقق، كما أن الحداثة أوقعت نفسها في مأزق الإيمان المبي على أساس وهمي والذي يدعى أن العلم قادر على حل كل المشاكل، وهذا فتح بابا عريضا للتحدي ظهر العلم الحديث فيه في حالة إخفاق واضح وعجز تام عن حل المعضلات العويصة التي ظهرت في القرن العشرين، فماذا بيد العلم لمواجهة خطر القنبلة الذرية والأسلحة الجرثومية؟ وماذا سقول عن الفقر والجوع والتفسخ البيئي وما تتعرض له الأرض من تدمير وخراب مشهود، ولقد أظهر العلم الحديث اهتماما ضئيلا بالأبعاد الروحية والميتافيزيقية للوجدو البشري بل لقد أظهر هذه الأمور وكأنها أمور تافهة لا تستحق التأمل·

ومن هذه الأسباب يخلص دكتور عبدالله الغذامي "نقلا عن روزينو" إلى أن ما بعد الحداثة هي ردة فعل على إخفاقات المشروع الحداثي في العلم الحديث، وهذا ما يجعل أسئلة ما بعد الحداثة تنصب على مسلمات الحداثة· ومنها تساؤل ما بعد الحداثيين عن وجاهة تعالي الحاضر على الماضي، والكلام على ما قبل الحديث، ويرفضون تفضل الحداثة للمقعد ولأسلوب الحياة المدنية والفكري، والإعلاء من هذه كلها مع تحقير الريفي والفطري، ولهذا فإن مابعد الحداثيين يعيدون الاعتبار لما هو عرفي وما هو خصوصي ولا عقلاني·

كانت الحداثة تهل ذلك كله، وجاءت ما بعد الحداثة لتأخذه بالاعتبار، بما في ذلك مجموعة الانطباعات البشرية كالعواطف الأساسية والانفعالات والحدس والانعكاسات النفسية والتأمل والتجربة الذاتية والعادات الخاصة وما إلى ذلك كالعنف الذاتي والولع الروحي وكل ما هو ميتافيزيقي أو سحري، مع تقدير للوجدان الديني والتجربة الروحانية، كل ذلك يأخذ اهتماما يتجدد في مرحلة ما بعد الحداثة·

وفي زمن الحداثة كان المطلوب الخروج على المعايير السابقة بوضع معايير جديدة، أما ما بعد الحداثة فتعبر عن تخبط المعايير أو افتقادها بعد انقشاع سحابة الأوهام الإنسانية السابقة المبنية على صرامة العلم، ولذا فإن ما بعد الحداثة ليست لدعوى أو تمردا أو موقفا محددا مثلما كانت الحداثة، بل هي استسلام لحالة افتقاد المعايير الناتجة عن افتقاد اليقين بوجود أسس ثابتة، كما أنها ترفض الأوهام في وجود عالم موحد منسجم، والوضع الذي تواجهه هو حالة من السيولة والتضارب والفوضى·

وفي حين تدعو الحداثة إلى استقلال الفن وخصوصيته تؤكد ما بعد الحداثة أن الفن سلعة والسلعة فن، وبذلك يشارك الفن ما بعد الحداثي في الامتداد مع الحياة اليومية المعتادة، المصطبغة بالطابع السلعي، كما أن أدب ما بعد الحداثة يسقط من جابنه كل الأطر المرجعية التي توحد المنظور، ويبدأ من نقطة الصفر المعرفية، كتجريب مستمر مقياسه وأدواته الحواس، وموضوعه الطاهر الخارجي المتعدد والنسبي وغير المنطقي أو الحتمي، فليس ثمة يقين أو إجابات مسبقة بل تخبط واكتشاف وإثارة للدهشة·

 

أسس وقواعد

 

وبإمكاننا أن تستخلص مجموعة من الأسس والقواعد التي تتركز عليها توجهات ما بعد الحداثة وترسم مسارات اختلافها عن مرحلة الحداثة ومن هذه الأسس:

- الدعوة إلى التعددية والاهتمام بالثقافة الشفهية·

- ضد النخبوية وتدعو إلى الشعوبية·

- تميل الى العبثية والنظرة الساخرة إلى الحياة·

- لا تؤمن بالعقلانية الصارمة التي يتمسك بها دعاة الحداثة·

- تهتم بثقافة الأقليات وتدعم الحركة النسوية·

- تدعو الى تجاوز الثقافات واختلاط الشعوب من خلال هندسة العمارة، مع تمسك كل شعب بعاداته وقيمه·

- تحترم الذاكرة الثقافية لكل شعب من الشعوب·

- تحترم الأذواق الشعبية لسائر الأقليات المتعايشة في المدنية الحديثة·

- تعيد الاعتبار للطبعية وحياة الأرياف·

- تعيد الاعتبار للبسطاء والمهمشين في المجتمع·

وبالنظر إلى هذه الأسس وربطها بما تحتويه قصيدة التفاصيل اليومية من مضامين تنزع نحو السخرية والاستهزاء والنظرة العبثية إلى الكون، ندرك أن ثمة علاقة وطيدة بين هذا النوع من الشعر وتوجهات ما بعد الحداثة كما أن هناك نقادا عديدين يربطون بعض المدارس النقدية التي ظهرت مؤخرا بحركة ما بعد الحداثة من أشهرها (التقويضية) وهي مدرسة تقوم على قراءة تقليدية للنص لإصابة معانيه الصرحية ثم تسعى إلى "تقويض" ما تصل إليه في قراءة معاكسة تعتمد على ما ينطوي عليه النص من معان تتناقض مع ما يصرح به·

طباعة  

في حياة صغيرة خالية من الأحداث
باسمة العنزي ترتكز على الحدث وتداعيات الوجدان

 
اشراقة
 
وجهة نظر
 
اصدارات
 
أشياء صغيرة