رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 16 مايو 2007
العدد 1774

قصة قصيرة

يوم أمطرت السماء

 

                           

 

لطيفة بطي

كان الصخب والضجيج يسود الشارع والأصوات المرتفعة تتسلل عبر النوافذ والجدران إلى منازلنا، استطعنا التقاط بعض الأصوات التي كانت تحوقل وتستعين الله··

الله يعينه ويعين أهله، يا مثبت العقل والدين، لا حول ولا قوة الا بالله··

طلبت إليّ جدتي تقصي الأمر، أطلقت ساقي للريح وعدت إليها بجعبة أخبار··

المهري

ماذا عنه؟!

أصيب بالخبل!

دهشت جدتي- "المهري تخبل" لا حول ولا قوة إلا بالله··

لعشرات السنين كان المهري يجوب الفرجان ببقشته المملوءة بأنواع وألوان الأقمشة وهو يزعق مروجا لبضاعته مدللا عليها "خام، خام··" توقف عند البقالة، وطلب مشروبا غازياً يروي عطشه ويبلل ريقه الظامئ، عن له أن يمزق قطعة المطاط التي كانت تخبئ أسفلها ختم الحظ مرصعا علبة الغطاء المعدنية، وكانت المفاجأة التي لم يحتملها عقله، كان الختم صورة سيارة "فلوكس" لم يصدق عينه ولا عقله، ألقى بقشته على الأرض وراح يجري ويجري في الحي حتى خف عقله··

علقت جدتي -خفة عقل وخبال أم جائزة تلك التي كانت تختبئ في ذلك الغطاء يا مثبت العقل والدين أمطرت السماء··

راحت جدتي تروي حكايتها،·· كانت امرأة طيبة وفقيرة الحال، أينما يوجهها زوجها كانت تتجه وإن كان في الأمر مضرتها أو سوء عاقبتها، لا تملك أن تعارضه أو تجادله، كان سيء السيرة والسريرة يترصد القوافل المحملة في ذهابها وإيابها حتى رصد إحداها ورصد مكان استراحتها في رحيلها وعودتها، دبر أمره على أن يستولي على ما فيها بطريقة لا تثير الشك والريبة، اصطنع شجارا مع زوجه المسكينة وانكب على شعرها يقصه ويحلقه حتى لم يبق على رأسها سوى صلعة ملساء لامعة، وسار بها على طريق القافلة، قام بحفر الأرض ودفنها مبقيا على رأسها·· عادت القافلة من سفرها محملة بالخيرات والنعم، وطلب أهلها الاستراحة من وعثاء السفر بعد أن هبط الليل عليهم وقرصهم الجوع بلسعاته·· حطوا ركابهم وراحوا يجمعون بعض الأعشاب والأعواد ويلتقطون الحجارة لصنع المناصب التي سيقيمون فوقها قدور الطهي، من بعيد لاحت لهم الصلعة الملساء وكأنها إحدى الحصوات فانتقلوا بمناصبهم الى قربها، أشعلوا النيران، لم تكد صاحبتنا تشعر بحر اللظى حتى قفزت صارخة من حفرتها هاجمة على القوم الذين تولوا هاربين فزعين متصايحين "أبوك الجن، أبوك الجن··"

عادت بالأحمال الوفيرة إلى زوجها الذي كان فطناً إلى طيب سريرتها وعظيم غفلتها، وخشية افتضاح أمره، قام من جديد بحبسها بين أروقة البيت، وبدهائه ومكره قام بنحر أحد الخراف مستخرجا كرشه ومقطعا إياها إلى شرائح صغيرة ملقيا بها على صاحبتنا من ثقوب سقف المنزل معلنا أن السماء تمطر كروشا··

جاء المنادي يستعلم عن القافلة، فهتفت به منادية أن لديها أخبارا وعلما، استبشر الرجل واقترب من أستار البيت متسائلاعن عهدها بها، فأجابته، يوم أمطرت السماء كروش··

تولي الرجل ضاحكا آسفا معتقدا بخبل مناديته··

طباعة  

شاعر باحث عن الحقيقة وهادئ حدّ السكينة
محمد النبهان: أنتمي للشعر وحده بعيداً عن المسميات والمصطلحات

 
جملة مفيدة
 
يناقش علاقة الإبداع بالتكنولوجيا وثورة المعلومات
"الصناعات الإبداعية" عنوان ملتبس لفكرة أكثر التباساً