رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 16 مايو 2007
العدد 1774

شاعر باحث عن الحقيقة وهادئ حدّ السكينة
محمد النبهان: أنتمي للشعر وحده بعيداً عن المسميات والمصطلحات

                                                                              

 

·         الطريقة التي تعلمها شعراء الحداثة  لا تستطيع أن تلامس حقيقة الأشياء

·         فترة غيابي طويلة ولا أزال في مرحلة اكتشاف الوضع الثقافي

 

حاوره المحرر الثقافي:

ارتبط بالشعر منذ نعومة أظافره، هادئ حد السكينة والوقار، ممتلئ بالقراءة وباحث عن الحقيقة والمعرفة، لم يشأ السفر، ولم يكن الرحيل اختياره، وإنما كان مثل قدر يلاحقه أنّى حل، ولد محمد النبهان في الكويت سنة 1971م، وغادرها متوجها إلى كندا عام 1999م، إن تجربة الرحيل لشاعر لا يتجاوز العشرين من عمره والهجره إلى عالم مختلف، ولغة وثقافة أخرى لا يمكن إلا أن تكون مثمرة، لاسيما إذا كان هذا الشاعر الإنسان مرهف الإحساس واسع الأفق، متنوع الثقافة، بكل تأكيد كشاعرنا النبهان، الذي استقر مؤخرا في الكويت، من زاوية العمل في المجال الثقافي، حيث انضم إلى أسرة تحرير الزميلة "القبس" أصدر النبهان ديوانه الأول "غربة أخرى" عام 2003 وديوانه الثاني "دمي حجر على صمت بابك" عام 2005م نلتقيه في هذه اللحظات وحديث حول الشعر·· والنثر الصحافة الأدبية وحياة الاغتراب

 

·    في العام 1995 حملت حقائبك وغادرت الكويت إلى غربة تجهلها، ماذا تعني لك هذه التجربة؟

- إذا أردت شعريا، فهذه التجربة كانت مثل مفصل بين ما كتبته قبل 1995 وبين ما كتبته في مجموعتي الأولى، وانتهى مع السطر الأخير من القصيدة الأخيرة في المجموعة· لا أعني انتهاء التجربة لأن تجربة الشاعر تراكمية ولا تنتهي، إنما يضاف إليها، لكن أقصد أن المجموعة الأولى ترجمت هذه التجربة بتفاصيلها الأولى إن صح لي أن أقول ذلك· فيها تجربة الاغتراب الأول في الداخل وتجربة الغربة الأخرى بمستوياتها العديدة· الغريب في الأمر أنني كنت أكتب مستحضرا بشدة المكان الأول من مكان آخر، ربما لأنني لبست دور المتفرج على شريط سينمائي أمثل فيه وأتفرج على حياتي السابقة عن بعد وأعيد اكتشاف أو ترجمة الحالة·

أما إذا كنت تسأل إنسانيا، وهذا أولى بالسؤال عنه، فبالتأكيد أن هذه التجربة فتحت أسئلة إنسانية كثيرة أولها هذه العلاقة مع الآخر بكل مستوياته، الآخر ابن اللغة والتاريخ والعقيدة الواحدة، والآخر المختلف بمستوياته المتعددة· هذه الأسئلة التي تعيد صياغة الإنسان أو تعيده إلى فكرته الأولى، هكذا بلا لغة مشتركة ولا خلفيات تكون عبئا عليه، فكرة تعيده إلى ولادته الأولى في تلمس الأشياء من حوله·

 

·    تأتي قراءة النقاد دائما للشعراء "البدون" من زاوية الاغتراب والوطن، إلى أي مدى يمكن أن تصح هذه الرؤية؟

- عندما تقول قراءة النقاد فكأنك تؤكد وجود دراسات نقدية فعلا حول الشعر والشعراء هنا، وهذا غير موجود بشكل القراءة النقدية المركزة، ولا حول تصنيف هذا الشعر الذي يكتبه شعراء لا يحملون ورقة الجنسية وتعارف بتسميتهم شعراء "البدون"·

الأمر الآخر هو أن الشعراء على امتداد الوطن العربي تناولوا كثيرا مسألة الغربة والاغتراب والوطن في كثير من نتاجهم الشعري ومن زوايا مختلفة ومتعددة، وكان لكل منهم رؤيته الخاصة التي تختلف عن رؤية الآخر، وبهذا قد تكون لقصيدة ما ميزة لا تتوفر في قصائد الآخرين بسبب تناولها الجديد· الشعراء "البدون" لديهم مادة جيدة لكتابة قصيدة مغايرة لكنني لست مع تصنيفٍ كهذا لأنه قد يشكل عبئا على الشاعر مثل توجيه القصيدة نحو قضية فكرية أو سياسية أو اجتماعية بحته دون مراعاة جانب الشعر الذي هو أولى بالعناية به·

الفكرة الوحيدة التي أستطيع أن أركز عليها هنا والتي سبق أن ذكرتها بشكل سريع في مقال نشر مؤخرا أن ثمة فترة أنجبت شعراء أغلبهم من "البدون" شكلوا نفسا خاصا لم ينتبه له النقاد أو لنقل المهتمين بالشعر· كان لهؤلاء الشعراء ملامح شعرية متشابهه إلى حد كبير في طرحهم الشعري ومناخ وبيئة القصائد التي أنتجوها مع وجود نكهة خاصة مميزة لكل منهم وكانوا في شكلهم العام يمثلون ظاهرة شعرية جديدة وتيارا شعريا كان يمكن أن يتحقق لولا أن أغلبهم غاب وترك فراغا أثّر بشكل أو بآخر على الجيل الذي بعده في أن يبدأ أيضا من هوة كبيرة بين أجيال شعرية ليس بينها أي وسائط·

 

·    في رأيك إذا، هل الشعر هموم ذاتية ووجدانية خاصة، أم هو قضية إنسانية كبرى؟

- هذا السؤال يدخلنا في تعريف الشعر، الأمر الذي أحاول أن أتجنبه هنا، لكن لا بأس أن نعيد اكتشاف هذا العصي عن التعريف في داخلنا·· بالنسبة للشاعر فإن الشعر موجود في كل شيء، في هذه الهموم الذاتية والوجدانية التي ذكرت، وموجود في هموم ووجدان الآخر الذي تتصل به اتصالا إنسانيا مباشرا، هو موجود في الشارع، في نبض الشارع، وفي التفاصيل اليومية الصغيرة، كما هو موجود في القضايا الإنسانية الكبرى·

لكن السؤال الحقيقي هو كيف تقبض على هذا المتمرد، الواضح جدا والأكثر من غامض، هذا الذي يقاوم بتحدٍّ كبير كل محاولة للإمساك به، والذي يمكن أن يكون منتحلا بحيث تظنه حقيقيا، وحقيقيا جدا بحيث يشبهك أنت لا أحد غيرك·

 

·    كانت لك تجربة مميزة عبر مشاركتك في مهرجان الشعر العالمي في "مديين" الصيف الماضي، ماذا تعني لك هذه التجربة؟

- تعني الكثير، كل تجربة جديدة تضاف لرصيد الشاعر، المشاركة وحدها في أي مهرجان قد لا تعني أي شيء إن لم يكن هناك ما تضيفه للشاعر شعريا وإنسانيا· هذه المشاركة مكنتني بأن ألتقي بشعراء من حوالي 40 دولة حضروا ليحتفوا بالشعر في مدينة تحتفي بالشعر في كل زاوية فيها· الجمهور كان الشعر، تخيل أن تقف لتلقي قصيدتك أمام جمهور لا يقل عن خمسة آلاف شخص وبلغة أخرى لا يعرفون عنها سوى روح الشعر التي تصل قبل وصول الترجمة·

أجمل ما حملته التجربة هو هذه العلاقة الإنسانية مع الشعراء، والناس في المهرجان والشارع· قلت لصديقي محسن الرملي الذي التقيته هناك إن الناس هنا تحتفي بالشعر وأنا أشعر أنني قادم لأحتفي بهم، هم يبحثون عن الشعر في قصائد الشعراء ونحن نبحث عن القصيدة فيهم، وفي حضورهم وفي السهرات التي تمتد لساعات الصباح الأولى·

"مديين" مدينة تحب الشعر فعلا، أجمل أمسية حضرتها كانت في الشارع، شارع رئيسي في قلب المدينة شارك فيها الجميل بسام حجار مع شعراء آخرين، جلسنا على الرصيف وعلى خلفية مشهد محلات ومطاعم وأكشاك الباعة الثابته والباعة المتجولين، منظر خرافي للشعر وسط عبور الناس والسيارات الذين توفقوا ووقفوا إجلالا للشعر·

 

·    هل كنت تمثل الكويت أم كانت الدعوة شخصية لا علاقة لها بالوطن؟

- كانت الدعوة شخصية، فهذا المهرجان يحتفي بالشعراء ومنجزهم ولا يقدم الدعوات بناء على مراسلات رسمية مع قطاعات الدول الثقافية، إلا أنك في تواجدك تمثل البلد والثقافة التي أتيت منها· وصلتني الدعوة عندما كنت في كندا كشاعر كويتي·

 

·    القصيدة العربية المعاصرة فقدت صلتها بالمتلقي "القارئ" وأصبحت تدور في حلقة مفرغة، هل تؤيدني في ذلك؟

- المسألة أكبر من تأييد ومعارضة فكرة· قبل عدة أشهر قرأت مقالا مهما نشر في مجلة شعر أمريكية وأثار بعض ردود الفعل المؤيدة والمعارضة حول انقطاع الجمهور عن الشعر والسؤال عن مدى أهمية الشعر وتفاعله مع الحياة اليومية عرض فيه الكاتب جون بار العديد من المحاور في أن الشعر المعاصر، لاحظ أنه يتكلم عن الشعر الأمريكي المعاصر، شبه غائب أو مغيب عن حوارات الجمهور اليومية وملامسته الناس بكل طبقاتهم· إذا المسألة ليست عربية فقط، هناك سؤال عالمي حول هذه المسألة وتساؤلات كثيرة فيما إذا كان هذا الزمن زمن رواية بسبب انتشارها الكبير وتصدرها واجهات المكتبات في حين يكون الشعر في الأرفف الداخلية المهملة·

في المقال نفسه يعرض الكاتب نقطتين مهمتين أجد أنهما جديرتان بأن أذكرهما هنا كنقاط تفتح عدد من تساؤلات ومعارضات ولا بأس من ذلك· النقطة الأولى أن كل ما يكتب اليوم يقع تحت مظلة الحداثة، المحرك الذي يقود كل نتاج الشعراء وهو محرك متعب، فالطريقة التي تعلمها الشعراء في الكتابة الشعرية لا تستطيع أن تلامس حقيقة الأشياء ولا تغيراتها· والنقطة الثانية هي أن قصور الشعر اليوم لا يأتي من إخفاقه كفن، ولكن هو ناتج عن بؤس أو ابتئاس الروح وهروبها·

 

·    على الرغم من أن بعض قصائدك تحمل سمات النثرية، إلا أنك لم تعلن صراحة انتماءك إلى كتّاب قصيدة النثر··

- ما أؤمن به هو إما أن يكون هناك شعر أو لا شعر· قد تجد في قصائدي بعض السمات النثرية، ولا أعرف حقيقة ما المقصود بهذه السمات، هل تقصد قصيدة النثر بمفهومها الغربي أو مفهومها العربي الملتبس، أم تقصد خللا ما بالقصيدة جعلها تتأرجح ما بين الشعر والنثر، أم تقصد معالجتها، أو التفافها على العروض واللغة· المسألة معقدة جدا وتحتاج إلى الكثير من إعادة النظر في المصطلحات التي نستخدمها اليوم·

في مقدمة محسن الرملي لمجموعتي الثانية ذكر أنها تتجاوز التفعيلة وتلتف عليها عروضيا، المسألة أنني كنت أبحث عن روح الشعر حتى لو أضطررت لكسر القالب الجامد والتلاعب على التفعيلة، وهذا ما لم أتجرأ كثيرا على فعله، لكنني لعبت لعبة أخرى شخصية في التنقل من أوزان مختلفة بغير قصدية في أول الأمر تاركا للقصيدة أن تعلن هي عن ذاتها بذاتها· كيف يمكنني أن أعلن انتمائي لشكل ما لا أؤمن بثباته، أنتمي للشعر وحده بعيدا عن مسميات ومصطلحات أنهكت الشعر كثيرا من غير أن يكون لها فائدة تذكر· لست ضد أي شكل· الشعر فوق هذه الأشكال بالرغم من أهمية الشكل·

 

·    بعد انضمامك إلى أسرة تحرير القبس (الصفحة الثقافية) كيف تجد واقع الصفحات الأدبية في الكويت؟

- هذا سؤال مراوغ أرجو ألا تعتبر إجابتي عليه مراوغة أيضا· أنا لا أزال في محاولة اكتشاف الوضع الثقافي في البلد بالرغم من أنني لست غريبا جدا عليه، لكن فترة الغياب الطويلة تحتاج إلى حضور وحفر في واقع الثقافة هنا كي أضع رجلي أرضية ثابتة من دون أن أطلق استنتاجات أولية انطباعية·

أعتقد أننا بحاجة أولا إلى صفحات ثقافية يومية ثابتة في الصحف الخمس الكبرى تهتم بالثقافة بشكل أساسي ثم نستطيع أن نحاكمها· الميزة التي وجدتها في القبس أن صفحتها ثابته يوميا ومهتمة بعرض أسئلة وملفات عن واقع الثقافة الكويتية وهذا شجعني كثيرا بوجود شاعرة ومثقفة وصحافية تمتلك خبرة مثل سعدية مفرح أن أعمل إلى جانبها وأطرق بعض القضايا عن المشهد الثقافي في البلد·

طباعة  

جملة مفيدة
 
يناقش علاقة الإبداع بالتكنولوجيا وثورة المعلومات
"الصناعات الإبداعية" عنوان ملتبس لفكرة أكثر التباساً

 
قصة قصيرة