رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 14 مارس 2007
العدد 1765

آداب عالمية

قصائده تحمل في طياتها متاهات وجودية

بوريس ريجي الشاعر الجميل الذي انتحر شاباً

 

                                                                

 

بقلم فوزي محيدلي:

يحدث أحياناً أن تؤدي فترات الاضطراب وكذلك الفترات الانتقالية في حياة الشعوب الى صنع الشعراء المميزين، وبوريس ريجي الذي انتحر عن عمر يناهز السادسة والعشرين، قد يكون مثالاً جيداً، فالشاعر الروسي الشاب عاش فترتي البيروسترويكا وحكم يلتسين وما انطوتا عليه من تغيرات متلاحقة·

في السابع من أيار/مايو لعام 2001 شنق ريجي نفسه، كان الرجل شاباً جميلاً وناجحاً وحتى أنه حقق شهرة أدبية  لافتة، لم يكن القمع السياسي أو الاجتماعي سبباً في انتحاره، هو يحمل شهادة  هندسة  في التعدين بيد أن ولعه كان الأدب·

أمضى ريجي معظم أوقات حياته في منطقة الأورال التي تقع في وسط روسيا وتشتهر بالتعدين وبصناعاتها الثقيلة،  وقد برزت منطقة الأورال خلال أيام غورباتشوف ويلتسين كأحد المراكز  الأهم لإنتاج الأدب الروسي المعاصر، ففرق الروك والتجمعات الأدبية التي غطت شهرتها البلاد انطلقت من هناك وقد أدت البيئة الفقيرة وعنصر الإجرام الذي ساد المدن الصناعية للأورال الى تعزيز الجنوح نحو الكحول والمخدرات والانتحار كل هذا جعل بالمقابل جماليات المدرسة الشعرية الشابة للمنطقة تتميز بالانفصامية·

شخصيات شعر ريجي من النوع اليائس وكذلك التي ضلت الطريق وهو لا يحاول الاحتفاظ بمسافة عنها بل يشعر بالحب والشفقة عليها محاولاً أيضا خلق مشاعر كهذه تجاهها لدى القارئ، لم يسع هذا الشاعر كما يتراءى للبعض وراء الكلمات أو المفردات الرنانة الخاصة بعالم الإجرام واللصوص التي تطفو على السطح لبعض القراء الشباب، بل ثمة متاهة وجودية تكمن تحت سطح التعابير، وأكثر من ذلك يبني عمله على التقاليد العظيمة للشعر الروسي، والى ذلك آمن أن الشعر لا يقسم بين أجيال، بل الشعر عالي الانتماء أيضا· لقد أحب ريجي الشعر الأصيل لبوشكين وبلوك ومانديلستام وبرودسكي كان طيف اهتماماته الشعرية عريضا، أحب شعراء المدرسة الرومانسية الروسية، وكان ريجي شاعراً تقليديا من حيث اهتمامه بشعر التفعيلة وهذا في روسيا الحديثة لا ينم عن أي نزعة محافظة ولعل من مميزات اللغة الروسية توفيرها إمكانات واحتمالات جمة على صعيد الأوزان والقافية·

وما تقدم يدعو الى التركيز على اهتمام ريجي بالموسيقى في القصيدة اهتمامه "بأصوات" النص، لقد عرف هذا الشاعر أكثر من غيره من أبناء جيله، بل ربما أكثر من غيره من شعراء روسيا مع نهاية القرن أهمية التعقيد بل التداخل الصوتي بدلالاته الضمنية·

تظهر كلمة موسيقى تكرارا في شعر ريجي فالشاعر بالنسبة إليه هو الشخص الذي يعمل بمساعدة "كلمات فانية" على غسل الألحان العادية من سخامها ليرفعها الى رحاب السماء، وفي شعره إحياء لفكرة الثنائية الوجودية مصفاة عبر عدسة السيريالية·

لم يصدر لهذا الشاعر سوى ثلاثة دواوين كما كل شعر عظيم يسبر ثنائية الحب والموت، أو الحياة والموت، كان لابد لشعر ريجي أن يسبر خيار الفرد ومفهوم البعثية والقلق وكأنه كان يتحضر  بذلك لفراقه عن العالم ومن قصائده نختار:

لم أتمش فوق الأوراق اليابسة

ممسكا طفلي من يده

لم ألاحق السحاب في سعيه وراء السكينة

عدت من جديد الى الأزقة غير المدروزة بالأشجار

لم أعان وأعشق سوى في الأغاني

ويا إيرينا، الأرجح أنك على حق

لطالما كنت أقرأ كتب أحدهم أشرب كثيراً

وأنقطع لأسابيع عن رؤية ابني

إذن لم، اللعنة على كل شيء، منحت

بيد كريمة مجهولة

أحلاماً تطير من الغيم

مع ضحكات الأولاد، مع الأوراق المتساقطة؟

يبدو أنه لم يكن هناك حرب

يبدو أنه لم يكن هناك حرب

لكن لماذا يحدث اسمك صوتاً ارتجاجياً

وسط أشعة ربيع كهذا

فيما تحدق في عيني زوجتك

بعينيك الجسورتين المفعمتين بالحياة؟

يبدو أنه لم تكن هناك أبواق تعزف

ولا أحد عانق أو بكى

لم يكن ثمة منح جوائز، أطراف اصطناعية، ترقيات، ميداليات

ولكن أكانت الحياة التي عيشت مليئة بالعار؟

* * *

سأعرف للريح ليلاً

داخل قوس أسود فوق كيس السفر

يقوم عازف الساكسفون بالعزف طوال الليل

ثمة سكران نائم على مقعد الحديقة

ممدد فوق أوراق الصحيفة

سأصبح أنا أيضا عازفاً

وإذا لم أمت

سأعزف للريح ليلاً

بقيمص أبيض وربطة عنق أشبه بالفراشة

هذا ليبتسم السكران في نومه

تحت الكأس الفارغة للسماء

اخلد للنوم ولا تقلق على شيء

وحدها الموسيقى تحيا وتستمر

* * *

منطقة صخر الحمام

ولدت - وهذا أمر لا يصدق -

داخل متاهة من باحات المصانع

في منطقة صخر الحمام تلك، المأهولة، لألف سنة

سواسية بالشرطة واللصوص

لهذا السبب لا أحب صغائر الأمور

وحين يقرع الأصحاب الباب، ويطلبون مبتسمين

الخل، أمنحهم ما يريدون

أثواب البيت النسائية، رفوف الكتب، صورة الوالد

هذه الأشياء تخلق ردة فعل مفاجئة داخل أولئك

الذين أثناء جلوسهم القرفصاء لا يتزحزحون الى ما لا نهاية·

طباعة  

ملامح جديدة للكتابة النسائية في الخليج
مبدعات شابات يكسرن النمط الاجتماعي ويحققن شهرة واسعة

 
إشراقة
 
طيور من كل الأرجاء
 
لنا ما لنا في أعوام الرمادة