ضمن سلسلة منارات ثقافية كويتية التي يقيمها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في كل سنة، للاحتفاء بالريادات المؤسسة للثقافة والفن في الكويت، أقيمت على مسرح رابطة الأدباء منارة الأديب خالد سعود الزيد·
وقد قدّم ورقتي بحث كل من الباحثين الأكاديميين د· عباس يوسف الحداد، ود· سالم عباس خدادة، وقد قرأ الباحث د· الحداد بالإنابة عنه د· علي عاشور·
أدار الندوة وقدم لها أمين عام رابطة الأدباء عبدالله خلف، وقد جاء في ورقة الباحث د· عباس الحداد ما يلي:
لم يدع الزيد لأحد من فسحة للكتابة عن سيرة حياته أومسيرة تجربته الفكرية، فقد دونها بلغة تستمد من القرآن معناها ومبناها، ومن الشعر العربي القديم جرسها وإيقاعها، إذ أقصى الآخرين في التعبير عن تجربته وراح يسطرها منجمة في محاضرات يلقيها، أو مقابلات يجريها، موثقاً حياته الأسرية منذ طفولته حتى استوى على عوده، ومدشنا حياته الفكرية والثقافية في تطوافه بتلك العوالم الرحبة في الشعر والتفسير والحديث وعلوم القرآن والمذاهب الدينية والمذاهب الفكرية على شتى تعددها وتنوعها، سائحا بين دفتيها باحثا عن سفينة النجاة، التي ربما لا يتاح له أن يصعدها مرتين في حياته، حريصا كل الحرص على أن لا تفوته منها فائتة، واقفاً على شاطىء الحياة مرتقباً مجيئها، راغباً أن يكون من الناجين من طوفان التطواف في خضم هذه الحياة الدنيا، متطلعاً نحو الحياة الأسمى:
فاصبري بعض لحظة سوف يأتي
نوح هذا السفين غير جزوع
كلٌّ ميسر لما خلق له، وقد يسر الله خالدا ليكون مؤرخاً للحركة الأدبية والفكرية في الكويت، فقد شب على حب القراءة والمطالعة، والنهم في تحصيل المعرفة، لا يركن الى مجال دون آخر، يقرأ كل ما يقع تحت يديه، وربما كانت قراءاته في صباه المهاد الذي قام عليه ببنيانه الفكري·
وقد أعانته مكتبة والده - رحمه الله - التي كانت في منزلهم على القراءة، كما ساهمت المكتبة العامة في ذلك أيضا، لقد أخذ الزيد يهتم بإعداد نفسه وتكريس وقته للقراءة، والتأمل والتفكير فيما يقرأ، كما كان يهيم في اللغة العربية، وكان ذلك واضحا على لغته في الكتابة، وعلى طريقته في الخطابة، فله لغة خاصة تتميز بمفرداتها الشعرية والنثرية وإيقاعها الموسيقي، الشعر هو الغالب عليها، ومن أولئك الذين تأثر الزيد بلغتهم وطرائق كتابتهم قديما وحديثاً: الزمخشري، والقاضي الفاضل، والتوحيدي، والحريري، والهمداني في مقاماتهما، وكذلك طه حسين والرافعي·
المضامين الشعرية
ومن جانبه قدم الباحث د· عباس سالم خدادة ورقة بحث بعنوان: "شعر خالد سعود الزيد قراءة في أهم المضامين" جاء فيها: خالد سعود الزيد (1937-2001) روح متوثبة مشرئبة الى القمم دائما، فهو ما إن يصل الى قمة حتى يمضي حثيثا الى أخرى·· إن هذا الرجل كان متميزا بكل ما تحمل كلمة التميز من دلالة، ولذا لم تستقر به الحال لما أنجز في مرحلة من مراحل حياته الثرية بالعطاء، لأن طموحه كان عظيما، ولأن كونه كان مكتنزا بالقلق الروحي والإبداعي، وبتوتر التجاوز الى ما هو أكثر تألقا وإشراقا·· إن ما أقوله ليس إنشاء يقتضيه المقام بمناسبة الاحتفاء بهذه المنارة الثقافية وإنما هو رأي مبني على حقائق تتلألأ في السفر المشرق لحياة هذا الشاعر الأديب المؤرخ، صحيح أنه لم يقطع شوطا مرموقا في دراسته الرسمية، ولكنه بجهوده الذاتية أصبح مصدرا ومرجعا لكل الدارسين والباحثين في الأدب الكويتي·· وإذا كان الشعر الجميل يزداد جمالات بالإلقاء، فإن للزيد نكهة خاصة محببة في هذا المجال تتزين بها فصاحته التي قل مثيلها في هذه الأيام·
أما عن الشعر نفسه فتجربته مضت بتنوعاتها الرائعة، حتى إذا ما دخل شاعرنا محراب التصوف توشحت قصائده بهذه الأجواء فأصبح علما على التجربة الشعرية الصوفية في الكويت، وهذا تفرد يحسب له بين أقرانه من الشعراء الذين تألقوا منذ الستينات من القرن الماضي·
يستطيع الدارس للشعر الكويتي والناظر في نقده أن يضع يده على تجارب شعرية ذات صلة بالاتجاه الصوفي، وهي صلة قد تكون ضعيفة في تجربة أحد الشعراء، وقد تبدو غير واضحة المعالم حيث تلوح في جزء من القصيدة لدى آخر، ولكنها تتبدى ناضحة تهيمن على القصيدة وتشكل جانبا متميزا في التجربة الشعرية لبعضهم·
ويضيف د· خدادة: عند النظر في مجموعة القصائد التي ضمنها الديوان الأول لخالد سعود الزيد "صلوات في معبد مهجور" نلحظ في هذه النصوص، وبعضها يشوبه ما يشوب المستوى الفني المتواضع لشعر البدايات، مما دفع الشاعر فيما بعد الى حذف عدد منها ربما بتأثير من بعض النقاد، نلحظ في مجمل هذه النصوص بعض الإشارات الواضحة التي تمثل مقدمات لما تفجر في أفق الشاعر وهيمن على نتاجه الشعري فيما بعد·
"صلوات في معبد مهجور" يتضمن قصائد مؤرّخة في الفترة ما بين نهاية الخمسينيات وأواخر الستينيات، وهي بذلك تحمل هموم التجارب الأولى والرؤية الشعرية الأولى للحياة في جوانبها المختلفة، ولئن كانت البداية - تاريخيا - هي قصيدة (ألحان وأقداح) فإن النهاية كانت قصيدة (تبارك الله): لأنها من آخر ما كتب الشاعر في هذه المرحلة إن لم تكن هي بالفعل آخر قصيدة لاشتراكها مع قصيدة (ولدي) في التاريخ نفسه تقريبا، وبين القصيدة الأولى (ألحان وأقداح) والأخيرة (تبارك الله) تقع القصائد الأخرى التي يغلب عليها الشعور بالفقد والقلق والحزن والغربة، وهو شعور يكشف عن الرهافة والحساسية المفرطة، مما يقرب هذا النتاج من الاتجاه الرومانسي، وهو اتجاه تؤكده قصيدته الأولى (ألحان وأقداح)·