رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 6 ديسمبر 2006
العدد 1753

في حوار أجرته "الطليعة" خلال زيارته الأخيرة للكويت(1)
د. شعبان: مقابرنا الجماعية غير المعلنة سابقا أصبحت اليوم علنية في الطرقات وفي المزابل

 

 

·         إذا كانت الحكومة لا تستطيع حماية نفسها، كيف إذاً ستحمي الدولة والمجتمع؟!

·         محاكمة صدام لم تستوفِ الشروط القانونية ومحاور تحقيق العدالة

·       إيران تريد من العالم أن يعترف  بها كدولة إقليمية كبرى

·       في الولايات المتحدة ديمقراطية  لكنها لم تجلبها للعراق وأفغانستان

·       المعضلة الرئيسية هي: كيف ومتى  سيتم الانسحاب من العراق؟

·       قد تكون الحكومة شرعية ووطنية  لكنها غير جديرة وغير كفؤة

·         المشهد العراقي يشعرني باكتئاب كمثقف وكرجل قانون أحمل المسؤولية لقوات الاحتلال

 

أجرى الحوار فراس حسين:

ضمن زيارة قصيرة استغرقت ثلاثة أيام· استطاعت "الطليعة" أن تجري حواراً مطولا مع المفكر والباحث في القضايا الاستراتيجية العربية و الدولية د· عبد الحسين شعبان·

وتنوعت ميادين الحوار مع المفكر العراقي بناء على فقهه الكبير بكثير من الجوانب الثقافية بجانب تحليلاته السياسية والتي وضعناها كبوابة رئيسية لمحور المقابلة·

د· عبد الحسين شعبان أديب وناقد يدعو للحداثة و التجديد قبل أن يكون قانونياً وسياسياً ومحللاً استراتيجياً معروفاً، وحائزا على وسام وجائزة أبرز مناضل لحقوق الإنسان في العالم العربي لعام 2003، كما ساهم بفكره الغزير بترك ثروة كبيرة من المؤلفات والبحوث في المكتبات العربية·

وفي حوارنا مع المفكر العراقي تطرقنا لرؤيته المستقبلية لأحوال المنطقة بدءا من العراق وقضاياه الثقيلة وانتهاءاً إلى حال المنطقة في ظل الملف النووي الإيراني· كما استوضحنا منه مصطلحاته الحديثة التي أثمرت من شجرته النقدية للتطرف الديني·

 واستقصينا رأيه الصريح كمناضل في حقوق الإنسان حول حكم إعدام الطاغية الصادر مؤخرا· لنخرج في نهاية المطاف من الميدان السياسي إلى الميدان الفكري و الأدبي بأسئلة متنوعة حاولنا أن نكتشف بها سر مفاتيحه الفكرية والثقافية، لنضع هذا الحوار بين أيديكم على حلقتان نبدأها بالجانب السياسي الإستراتيجي أولا·

 

 

·     إلى أي نقطة وصل العراق الآن بعد تشكيل الحكومة الحالية؟

- في الواقع الصورة لا تزال قاتمة· شاهدنا بعد الاحتلال الانتقال من نظام شمولي استبدادي تسلطي -  نظام الحزب الواحد أو دولة الرجل الواحد - إلى فوضى تعددية شمولية مصغرة - أحيانا- وكل اكتسب شكلا من أشكال الماضي، وذلك إن كان حزبا أو طائفة أو مجموعة إثنية· ولذلك أصبحنا أمام نوع من أنواع الشمولية المتعددة، وهذه الصورة الغربية هي صورة ملتبسة متشابكة معقدة·

وكان العراق قد عانى من غياب الثقافة الديمقراطية والثقافة الحقوقية لسنوات طويلة· الدولة ابتلعت المجتمع المدني - أكلت المجتمع المدني -  ومثلتها وجعلتها تدور في فلكها، ثم عاد المجتمع بعد إلغاء الدولة العراقية الى مرجعيات تقليدية -  دينية -  مذهبية -  عشائرية - جهوية، ولذلك تحولت الهوية المجتمعية العراقية - الجامعة المانعة - إلى هويات تجزيئية تقسيمية مصغرة، أطلقت عليها منذ زمن "الهويات المجهرية"، وهذه الصورة إذا ما استمرت ستنحر العراق - من دون تشاؤم·

 

في صناديق الموز

 

·     بناء على أعداد القتلى اليومية، هل يمكننا وصف ما في العراق بالحرب الأهلية؟

- بالفعل هي حرب أهلية بكل ما تحمل الكلمة من معنى - ولا علاقه لها دائما بعدد القتلى - وليست تقليدية بين الشيعة والسنة أو بين الكرد والعرب أو التركمان كما يتصور البعض، إنها حرب الجميع ضد الجميع· حرب أمراء الطوائف بالنيابة· تخاض بأشكال همجية ووحشية ودموية لا حدود لها، كانت بالمفرق - أو بالمفرد - وأصبحت بالجملة· كانت سرية - أو شبه معلنة -  وأصبحت معلنة، وأصبح هناك دعوة للاستئصال والإلغاء والتهميش· وكانت المقابر الجماعية في الماضي سرية، وأصبحت اليوم علنية على قارعة الطرق، ترمى في المزابل - في الأكياس وفي صناديق الموز·

وهذه المشاهد تجعلني كمثقف أن أشعر باكتئاب شديد، وكرجل قانون أن أحمل المسؤولية الى قوات الاحتلال المسؤولة عن ضبط الأمن العام وحماية أرواح وممتلكات المواطنين طبقا لاتفاقيات جنيف لعام 1949 وملحقها، وبالطبع الحكومة العراقية تتحمل مسؤولية كبيرة أيضا في ما وصلت إليه الأمور، كما تتحمله القوى السياسية بسبب قبولها بصيغة بول بريمر السحرية التي قسمت المجتمع العراقي الى طوائف وإثنيات·

وظيفة أي حكومة هي ضبط النظام العام وحماية أرواح ووممتلكات المواطنين· إذا كانت هذه الحكومة والحكومات التي سبقتها غير قادرة على تنفيذ هذه المهمة الرئيسة للدولة فلماذا إذا هي حكومة! إذا كانت لا تستطيع أن تحمي نفسها - وهي محمية من القوات الأجنبية والأمريكية - كيف ستستطيع حماية الدولة والمجتمع، وبسط سلطه القانون والنظام العام؟! وذلك كله في ظل وجود الميليشيات والإرهابيين والتكفيريين والسفاحين·

هيبة الدولة مفتقدة هنا ولابد من استعادتها، قد تكون الحكومة هذه شرعية، منتخبة، وطنية· لكنها غير جديرة وغير كفؤة وغير قادرة على القيام بالمهمات الموكولة إليها كحكومة·

لايمكن أن نكابر، فقد كابر النظام السابق بما فيه الكفاية، رفض كل الإصلاحات ودخل حربا دمر بها العراق وأدخله في حصار دولي لمدة ثلاثة عشر عاما، وخلال تلك الفترة تلاعب واحتال على المجتمع الدولي، والأنكى من ذلك اتضح أنه لا يملك أسلحة دمار شامل ولاعلاقة تربطه بتنظيم القاعدة، كل ذلك بسبب مراوغته واحتياله وممارسته للعبة غبية وسمجة دفعت بأعناق العراقيين - مليون ونصف توفوا بسبب الحصار·

هنا تأتي مسؤولية المجتمع الدولي والقوى المتنفذة في المجتمع الدولي - أعني بها الولايات المتحدة - التي مارست نوعا من أنواع تشريع القسوة بسادية وبتلذذ ضد الشعب العراقي وليس ضد النظام السابق، بهذا المعنى انتقمت الولايات المتحدة من الدولة العراقية والشعب العراقي، حتى بعض أركان النظام السابق انتقلوا إليها الآن، والذين وافقوا للعمل مع الولايات المتحدة نسي كل ما فعلوه في السابق، وغالبية الشعب العراقي كان قد استبشرت بزوال النظام السابق وعبادة الفرد لكنها في الوقت نفسه لم ترض بوجود قوات محتلة في العراق - هذا ما ذكره بول بريمر في كتابه "عام قضيته في العراق"·

 

الجميع يمارس العنف والفساد

 

·     من هي الأطراف التي تقف وراء عمليات القتل والتطرف في العراق برأيك؟

- الجميع يمارس عمليات العنف بشكل أو بآخر· قوات الاحتلال تمارس العنف والقتل العلني والسري· الحكومة العراقية وأطراف متنفذة بها تمارس هذه الأعمال أيضا تحت باب ملاحقة التكفيريين والإرهابيين والصداميين· الميليشيا المتعاونة مع الحكومة العراقية تمارس الدور ذاته أيضا· والجماعات التكفيرية والإرهابية تمارسه كما هو معروف·

وبذلك أصبح العنف من داخل السلطة ومن خارجها، العنف أصبح عاما شاملا، وعندما تضعف الدولة وتسقط هيبتها بعد حل مؤسساتها وحل المؤسسة العسكرية، يصبح العنف وظيفة يمارسها رجال خارج نطاق القانون والقضاء·

وظيفة الدولة هي تنظيم ممارسة العنف باعتباره حقا مقتصرا عليها فقط· أما إن مارسته جماعات خارج نطاق الدولة والقانون، فسنصبح أمام دول - ودوقيات - وإقليميات وليس أمام دولة·

 

·     عرض في "البي بي سي" ما يؤكد سرقة مليارات الدولارات من المداخيل النفطية، هل هناك فساد واضح في القطاع النفطي الآن؟

- عانت الدولة العراقية من فساد مزمن طيلة السنوات السابقة في ظل النظام السابق، وعانى العراق من السرية في الميزانية ولم يكن هناك ميزانية للعراق منذ 1976، كان خمسة في المئة من حصة "كولبنكيان" من النفط تذهب الى حسابات خاصة منذ تأميم النفط عام 1972·

وكان الجهاز - البيروقراطي - المالي العراقي يعاني من الفساد خصوصا في فترة الحصار، كما كانت في السابق الدولة هي من تمارسه، لكن بعد عام 1991 وبعد فرض الحصار عليه انتشر الفساد والرشوى بشكل أكبر داخل جسد الدولة بسبب تدني الرواتب أولا وبسبب انشغال مؤسسات الدولة عن هذه القضية وانشغالها بقضايا تأمين السلطة السياسية· وبعد الاحتلال حلت جميع أجهزة الدولة· والمال السائب يغري بالسرقة·

وكان بريمر لوحده قد بدد ثمانية مليارات وثمانمئة مليون دولار، والحكومات التي أعقبت بريمر بددت أكثر من عشرين مليار دولار· ووزارة النفط لوحدها - كما أشارت هي عبر تقرير عنها - أنه تم تبديد أربعة وعشرين مليار دولار من الثروة النفطية· وعمليات التهريب كانت مستمرة من داخل العراق ومن خارج العراق·

وهناك شركات لحماية المنشآت النفطية والكهربائية هي من تقوم بالسرقة أيضا - قسم منها - وهذا ما تؤكده تقارير منظمة الشفافية الدولية ومنظمة الأزمات الدولية كما تؤكده منظمة النزاهة في العراق، وكان الأخير قد وجه اتهامات لخمسة عشر وزيرا وإلى حوالي ثلاثة وتسعين مسؤولا من الدرجة الأولى، متهمة إياهم بالتلاعب بالمال العام وبالرشوة وبالفساد والعقود الوهمية·

كما أن المدير العام لمفوضية النزاهة اتهمته بعض الأحزاب بالتلاعب والرشوة حتى لا يوجه اتهامات الى أعضائها، وهكذا تداخل المشهد الذي أراه سرياليا·

 

·     نتائج انتخابات التجديد النصفي لانتخابات الكونغرس ما مدى تأثيرها على السياسات الأمريكية في العراق؟

- السياسة الأمريكية قبل الانتخابات كانت في مأزق وصرحت كوندليزا رايس: بأننا ارتكبنا آلاف الأخطاء - وتلك الأخطاء بالتأكيد ستشكل خطأ استراتيجيا كبيرا، ولعل أكبر خطأ وقعت به الولايات المتحدة الأمريكية عندما حلت المؤسسة العسكرية والأمنية وتركت العراق لفوضى ضربت أطنابها في المجتمع العراقي·

والتفكير بصوت عال - للخروج من المأزق- دفع لجنة بيكر هاميلتون لتقديم بعض المقترحات ومنها إشراك سورية وإيران في المساهمة لوضع حلول لقضية العنف الطائفي في العراق، أي أن الولايات المتحدة تراجعت عن فكرة اعتبار إيران وسورية مساهمتين أساسيتين في العنف إلى اعتبارهما شريكتين في الحل - صحيح أن الرئيس بوش قال في خطابه الأسبوعي بعد الانتخابات : لن نغير أهدافنا، ولكننا سنعيد النظر في جوانب كبيرة من استراتيجياتنا - وتغير الاستراتيجية سيؤدي إلى تغيير جزء من الأهداف أوبالتالي سيوجه الأهداف الى اتجاه آخر·

وأعتقد أن المعضلة الرئيسية هو متى سيتم الانسحاب - متى سيحصل، وكيف سيحصل؟

وأرادت الولايات المتحدة من إشراك إيران وسورية كمؤشر لتقول بأنه لابد من إشراك الدول المعتدلة· والمقصود بهم السعودية والأردن ومصر، كذلك تركيا التي لها تأثير في المعادلة الإيرانية التركيه، وللكويت دور إيجابي أيضا في المشاركة في إيجاد تسوية لحل القضية العراقية على أساس جلوس جميع الفرقاء في مؤتمر موحد طبقا لما طرحه السيد كوفي أنان·

 

ولو كان من الشيطان

 

·     يرى البعض أن تطبيق الديمقراطية السليمة التي تدعو إليه وتدعيه قوى الاحتلال في العراق هو اعتراف بالاحتلال ومن هذا المبدأ ترفضه، كيف تفسر ذلك؟

- لو جاءت الديمقراطية والإصلاح من أي كان فأهلا وسهلا بها - ولو كانت من الشيطان - بالمقابل ليس المهم أن تجري الانتخابات فقط· وليس من المهم أن نطلق فضائيات وصحافة فقط· هذه مجرد وسائل الديمقراطية - أو آليات الديمقراطية - لابد أن نوفر الأرضية السليمة وهي الأمن والأمان وحماية أرواح وممتلكات المواطنين· وأن يمارس المواطن حقه في الحياة والعيش دون خوف·

ثم نأتي بعد ذلك لحرية التعبير وحرية الاعتقاد والمشاركة السياسية وتولي الوظائف العليا، وهذا الأمر جرى تثبيته في الدستور وهو تطور دستوري مهم على صعيد الدساتير العراقية السابقة·

لو كانت الولايات المتحدة العراقية تفكر حقا بديمقراطية حقيقة في العراق، لقامت بإزاحة النظام وأبقت على الدولة العراقية وتركت العراقيين يمارسون حقوقهم الديمقراطية دون محاولة لإذلالهم وإكراههم وتقسيمهم على أساس مذهبي وإثني وطائفي·

فالديمقراطية مسار كوني ومشترك إنساني وحق من حقوق الإنسان، فيمكنني القول إن في الولايات المتحدة يوجد ديمقراطية، لكن لايمكنني القول إنها جلبت لأفغانستان والعراق الديمقراطية·

 

·     كيف ترى مستقبل المنطقة في الخليج تحت ظل الملف النووي الإيراني؟

- الموضوع شائك ومعقد، ويجب أن نأخذه في منطقة الشرق الأوسط ككل· إيران تريد أن تكون دولة إقليمية كبرى في المنطقة وتريد من العالم أن يعترف بهذه النفوذ، وضعف العراق حاليا يسمح لها باستعراض العضلات، كما أن عدم حل القضية الفلسطينة يسمح لإيران أيضا للتضامن معها في هذا الملف· علما أن التسوية المبدئية لهذا الملف هي تلبية حقوق الفلسطينيين وإنهاء الاحتلال والاعتراف بوجود الدولة، وإنهاء الاحتلال العراقي والأفغانستاني·

 

حين كانوا يصفقون

 

·     ما تعليقك على محاكمة صدام حسين في ظل نبذك لعقوبة الإعدام بشكل جذري؟

- ربما تعرف أنني من أول من دعا لمحاكمة النظام العراقي من 1980و نشرت مقالات في بيروت فيها دعوة لمحاكمة النظام العراقي، وكان الشرق والغرب يؤيد ويصفق للنظام العراقي آنذاك، ثم أصدرت كتاباً بعنوان "النزاع العراقي الايراني" فيه فصل خاص عن إحالة النظام العراقي الى المحاكم الدولية، ودعوة الى نورمبيرغ عربية - على غرار نورمبيرغ الدولية - وقمت بكتابة كتاب جديد بعد غزو القوات العراقية للكويت أسميته "المحاكمة المشهد المحذوف من دراما الخليج" وأحلت النظام العراقي الى القضاء الدولي بموجب أربع تهم وبموجب خمس وعشرين وثيقة دولية·

أنا مؤمن بضرورة محاكمة مرتكبين الجرائم خصوصا القيادات العليا على أن لا يكون ذلك كيديا أو انتقاميا وعلى أن يأخذ القانون مجراه· ولكنني مثل الكثير من العاملين في المنظمات الدولية بما فيها الأمم المتحدة ومنظمة رقابة حقوق الإنسان والمنظمة العربية لحقوق الإنسان، أقول إن هذه المحاكمة لم تستوف الشروط القانونية وشروط تحقيق العدالة، وهناك الكثير من الملاحظات والاعتراضات القانونية والإجرائية· تم استبدال القضاة عدة مرات، وتمت تدخلات من السلطة التنفيذية، حتى أن رئيس الوزراء العراقي قد صرح بأن صدام سيعدم قبل النطق بحكم الإعدام!

كما لم تتحدث المحكمة عن المسائل الكبرى، واكتفت فقط بقضيتين بسيطتين قياسا بالقضايا الكبرى، مثل الحرب العراقية الإيرانية: ماذا حصل بها؟ لماذا لم يستدع رامسفيلد للشهادة؟ ماذا قال له صدام في مقابلاتهم المتكررة ومن مول صدام بالأسلحة؟

كنت أتمنى أن تطول المحكمة وأن تكون محكمة العصر، أن نستمع لجميع الشهود، لتكون سابقة لردع كل من تسول له نفسه من الحكام لهدر حقوق الإنسان·

طباعة  

قدمه النائب صالح عاشور
في جواب وزاري على سؤال برلماني حول "تجارة الإقامات": 146 شركة مخالفة

 
ديوان المحاسبة
 
رأي مهني
 
أسئلة برلمانية