· حين يلوذ بي أحفادي يتوقف الزمـــن·· أو هكذا أتمنى!
· للقرصنة اتحاد عربي·· فلماذا لا يكون اتحاد لمكافحة الحرمنة؟
· آباء الأحفاد هم آباء بالوكالة لا آباء بالأصالة
بقلم: سليمان الفهد
" إذا شئت قياس حجم عدد المواطنين المتواجدين في البلاد خلال عيد الفطر، لن تجد عينة عشوائىة مثالية مثل فضاء المسجد الجامع الذي تقام فيه صلاة العيد! حسبك - وأنت في الجامع صبيحة العيد - (البحلقة) في الأزياء الوطنية التقليدية، ومقارنتها بعدد أزياء الوافدين الأجانب من الشغيلة الذين يعملون في البيوت وغيرها، وحينها ستدرك أن ربع أو ثلث المواطنين معيدون خارج حدود الوطن! وإذا (بحلقت) مليا في جموع المصلين بصلاة العيد، وأمعنت النظر فيه بالسرعة الإملائية البطيئة، فقد يروعك أن "الدشداشة والغترة والعقال" لا تشكل الزي الأكثر حضورا في المسجد الجامع!
ولو عن لك اليوم، وطوال شهر رمضان، البحث عن مقعد وحيد فريد يوحد الله، في أي طائرة متوجهة الى العواصم والحواضر التي ألف القوم السفر إليها فلن تجد المقعد المنشود البتة! الأمر الذي يشي بأن عدد المسافرين المواطنين الهاجين من التعييد في حضن الوطن كثر، وأنهم يتكاثرون ويزيد عددهم سنة تلو أخرى، وفي سبيلهم - في قادم السنوات - الى أن يكونوا هم الأغلبية، فلا تجد في البلاد صبيحة العيد سوى العواجيز والشياب والمقعدين وأصحاب الدخول "المحدودة" ومن لف لفهم!
وقد جربت الصيام، وتمضيةُ إجازة العيد خارج حدود الوطن، فشعرت أني فقدت ظلي، وأغرد خارج سربي، والإحساس بالغربة يكتنفني من كل صوب! بخاصة إذا يمم المسافر نحو بلاد أجنبية لا تعرف رمضننا ولا تخبر عيدنا! وقد صار من "المألوف" أن تصلك التهاني بالعيد السعيد من خارج الحدود بواسطة "الموبايل" والفاكس والإيميل "الحمام الزاجل للألفية الثالثة! إن ظاهرة الهاربين من العيد، داخل حضن الوطن، تستأهل الدراسة والتشخيص والعلاج، لكونها ظاهرة غير سوية ولا صحية، وتنطوي على أضرار شتى للبلاد والعباد! أعرف سلفا (وإخوانا إن شئت) أن "موعظتي" السالفة الذكر لن يبلعها، فضلا عن أن يهضمها، الكثيرون من مريدي السفر بعيدي الفطر والأضحى وغيرهما! وبخاصة أولئك الشباب المسكونين بـ "دودة" اسمها دبي! فقد صارت محجة الشباب بامتياز· ربما لأنهم مغرمون بالتزلج على الجليد في عز الظهيرة، وقت القيظ صيفا! بينما مشتى "فاريا" في لبنان هذه الأيام: أجرد أمرد أقرع لا يتشح بالثلج المتبدى كالقطن المندوف! أيا كانت الأسباب المحرضة العديد من المواطنين على الهروب من البلاد أثناء العطل الدينية والوطنية، فإنها ظاهرة تثير الأسى·· والتساؤل وعلامات التعجب!
ساعاتنا بلا عقارب
" حين يلوذ بي أحفادي (من الجنسين) أو أحدهم: أشعر أن الزمن يتوقف، وأن الساعة بدون عقارب! أو هكذا كنت أتمنى وأرغب! وأحس أن هذا الشعور ليس بدعا يخص العبدالله وحده، بل إنه ينسحب - بالضرورة - على الأجداد كافة، بخاصة أولئك الذين يصدقون بحق بمقولة: (ما أعز من الولد، سوى: ولد الولد!) والمقولة: حقيقة تدب على الأرض، وتتجلى بأبهى صورها حين يكون الأجداد في حضرة الأحفاد! فالجلسة مع الحفيد: عيد ريّان بشتى أنواع الترويح التي يحظى بها الحفيد حين يكون بمعية الجدين أو أحدهما! وكل ما ذكرته زين وتمام وعال العال، لكن المسألة ليست هنا· ذلك أن آباء الأحفاد هم آباء بالوكالة لا آباء بالأصالة! نعم إنهم آباء بيوليوجيون لأولادهم فقط لا غير، ولأن الوالدين كليهما يشتغلان فإن الوليد الحفيد يكون بمعية الشغالة التي ينعتونها - مجازا ومزاجا - بـ "المربية" بجرة قلم! وإذا كان محظوظا كان في رعاية جدته! من هنا فإن والديه لا يريانه سوى في الإجازات، والمناسبات، حسب التساهيل، والجدان لا يربيان الحفيد·· لأن وسيلتهما الى التواصل مع الحفيد تكمن في فيض الحنان والدلال اللذين يغمران بهما حياة الطفل، حيث تغيب الممنوعات، وتنقلع عبارات وعدة الردع والقمع، وتشيع ثقافة التكسير والفوضى المموسقة بالقهقهة الصافية الطالعة من جوه القلب سمعت مرة الفنان "دريد لحام" يقول: بأن الجد مغرم صبابة بالأحفاد بوالديهم قد يكون ذلك صحيحا في بلاد الشام، لأن تربية العيال في ديار الخليج تقوم لها الشغالات أو المربيات لا فرق!
حاميها حراميها!
" الاتحاد الغربي لمكافحة القرصنة هو أحدث اتحاد أسمع عنه مؤخرا، وأشاهد إعلاناته المكرسة ضد القرصنة التي تتعرض لها المحطات الفضائية المشفرة! وقد دأبت هذه المحطات المشفرة على اللعلعة بالمواعظ المحذرة من عواقب السرقة، والمنذرة بالويل والثبور وعواقب الأمور! وقرصنة المصنفات الفنية والأدبية: ظاهرة عالمية، تكلف أصحابها أموالا طائلة، ذات أرقام فلكية تصل الى مئات ملايين الدولارات! وعلى الرغم من أنه من حق وواجب ملاك الفضائيات المشفرة المحافظة على حقوقهم المادية، إلا أنني أزعم بأن مواعظها المتلفزة إياها لا طائل منها، ولن تقنع "المقرنصين" بالتوبة عن القرصنة لظني أن الفضائىات المشفرة، لا تفطن الى أن أجورها المرتفعة، غير المناسبة لعامة المشاهدين ذوي الدخول المحدودة المهدودة، "المكلبشة" بأصفاد الاستقطاعات، والأقساط والديون، فضلا عن غول الغلاء: ملتهم الأخضر واليابس على الدوام، من هنا تكمن أهمية أن تكون أجور مشاهدة القنوات المشفرة متاحة للعامة لا للخاصة! لست أبرر القرصنة·· والعياذ بالله·
فالحلال باين والحرام باين، كما هو معروف ولكننا في زمن اختلفت فيه القيم والممارسات واختلطت· فالرشوة صار اسمها الحركي: هدية، وصوغة، وحلوان، و"كومشين" الى آخر مرادفات الحرمنة التي باتت "ديمقراطية شعبية" حينا و"بورجوازية" حينا آخر! ولن ينجو منها إلا من رحم ربي سبحانه! وما دامت القرصنة صار لها اتحاد عربي، لمَ لا يكون هناك اتحاد عربي لمكافحة حرمنة المال العام، لا سيما وأن الفعلة النكراء حاضرة في جل الأقطار العربية والإسلامية·· ولله الحمد! حسبك دليلاً على ماذهبت إليه هو تصفح طيات الصحف والمجلات العربية لتجدها ملطخة "بمانشيتات" أخبار السلب، والنهب، والحرمنة التي تبدو أنها مسلسل عربي طويل جدا بدون حد ولا عد·· ولا "حدود!"!
وكنت أتمنى لو أن الغيرة على المال الخاص التي يتمتع بها أصحاب هذا المال أن تنتقل عدواها الى القيمين على المال العام، ليكون بمنأى عن السطو، كما هو حادث لمال القطاع الخاص! إن الأقوال المأثورة التي ننسبها الى الماضي، ونظن أنها لا تحدث بين ضهرانينا مثل قولة "حاميها حراميها" باتت واقعة حقيقية تجلت في فعلة السطو على أموال التبرعات التي يخبرها الجميع! صدق من قال: من أمن العقوبة أساء الأدب!
صافح·· لا تبوس!
" سألني حفيدي الملسون، ونحن متربعون بالديوانية، "ليش الرجال الكبار يبوسون بعضهم بعضا؟! قلت له وأنا أحاوره: لعل القبلة: دلالة حب، وعلامة تواصل، وإشهار للصداقة الحميمة·· والله أعلم! قال - لا فض فوك وعاش أمه وأبوه - مادام الأمر كذلك، لم لا تقبل جدتي - جهارا نهارا - مثلما تفعل مع رواد الديوانية؟! قلت لنفسي "صادوه!" وحرت في الجواب وحرنت به، فلذت بالصمت لا أريم! وطفقت أبلع ريقي، وأجفف عرق الورطة الذي داهمني علني أجد إجابة لهذا المخلوق الذي ولد رجلا·· مثل بقية أترابه! أحفاد الألفية الثالثة! قلت له - بعد لأي - لعلها الآن تجد لذة في تقبيلكم أنتم معشر أحفادها، عوضا عن قبلات الجد·
إثر هذا الحوار تداعى الى ذهني النداء الذي لعلع في مقر عزاء سمو الأمير الراحل رحم الله، نادى المنادي: صافح بس، لا تبوس· وراح يردده طوال فترة العزاء، بصراحة: راقني النداء "صافح لا تبوس" ولبيته فورا من دون تردد، وهكذا فعل الكثيرون، لكن البعض لم يصيخوا السمع للنداء البتة، وطاحوا في "الشيوخ" بوس وقبلات شتى! ولعل هذه الفئة بحاجة الى وضع كمامات تمنعها من تقبيل الآخرين عنوة وقسرا، مدهونين بسير التزلف، علهم يوفرون قبلاتهم لأهل بيوتهم!
إن نداء "صافح لا تبوس" حري بنا كافة أن نحيله الى فعل اجتماعي يدب في فضاء الدواوين كافة، فضلا عن جميع الأماكن التي نختلف إليها، فمن - ياترى - يعلق الجرس أولا؟! أي يصافح ولا يبوس! بالتحديد قبلات الفم! والأنكى منها قبلات الأنف! وزارة الصحة مدعوة الى تبني نداء: صافح لا تبوس بصيغة حملة توجيه وتوعية تحرض الذكور على توفير قبلاتهم لزوجاتهم اللواتي ينتظرنها من عيد الى عيد!
أسلحة الدمار بالمسجد!
" تكون في المسجد الجامع لأداء صلاتي العشاء والتراويح· تقف محتشدا لأداء الصلاة بخشوع كما يجب أن يكون، وفجأة يتكرع أحد المصلين المجاورين لك، "فتعبق" من تكريعته روائح أسلحة الدمار الشامل الخارجة من المتبدية في الثوم والفجل والكراث والبصل و"المعبوج" الذي يطعمه المصلي في فطوره كل أمسية، قلنا خلصنا من إزعاج الموبايلات والبيجرات، وها هي وسائل الاتصال الآدمية العلوية والسفلية تطلق العنان لسمومها وعوادمها المثيرتين للروائح النتنة التي لاتزيلها العطور ولا البخور·· والعياذ بالله· مطلوب إعلان في كل مسجد جامع يقضي بسد البيجرات والموبايلات وكل المنافذ الموجودة في البني آدم!