رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الاربعاء 18 ا كتوبر 2006
العدد 1747

التوازي وخاصية التكرار في مقاطع من شعر دخيل الخليفة
قراءة في المستوى المعجمي والإرث التاريخي للعبارة الدالة

                                                                                     

 

·         القصائد قفزة في أسلوب الشاعر وتحول في العبارة والمضمون

كتب آدم يوسف:

أصدر الشاعر دخيل الخليفة ديوانه الأول "عيون على بوابة المنفى" عام 1993 وبعد توقف دام سنوات أصدر ديوانه الثاني "بحر يجلس القرفصاء" وبالنظر الى هذا الامتداد الزمني منذ عام 1999 وحتى اللحظة فإن الخليفة يعتبر من الشعراء القليلين أو هو غير معني إلى درجة كبيرة بإرسال نتاجه الشعري الى المطابع ودور النشر، ومن الملاحظ أن تجربة الخليفة الإبداعية تشكل زخما وحضورا مكثفا على المستوى المحلي والخليجي، سواء في الصحافة الأدبية أو عبر مواقع الإنترنت·

وقد نشرت له كثير من القصائد غير المطبوعة في ديوانه، وبالنظر الى ما ينشر له مفرقا هنا وهناك وعبر متابعتنا للصحافة الأدبية فإنه يتضح لنا أن تجربة الخليفة الأدبية غنية ومثمرة للغاية، وهو واحد من أبرز شعراء القصيدة الجديدة في الكويت ومنطقة الخليج، ولذا فإنه يصعب كثيرا اختزال هذه التجربة في إصدارين شعريين، دون متابعة وملاحقة ما ينشر على الهامش أحيانا·

جرح ينتظر

وقد قرأنا مؤخرا للخليفة في الصفحة الثقافية لـ "القبس" مجموعة من القصائد القصيرة التي تستدعي بلا شك اهتمام أي إنسان متابع أو راصد لشكل القصيدة الجديدة وتنوعها، وهي ذاتها القصائد التي شارك بها في أمسية نظمها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ضمن مهرجان صيفي 2006م وقد وضع الخليفة للقصائد عنوانا هو "جرح ينتظر يدا تمسح الألم"·

وقد جاءت عناوين المقاطع الشعرية متوالية على النحو الآتي: (لو، صورتي، على الأقل، في اتجاهين، غدر، عاشقان، شيطان، تعريف، حمامة) وسنتوقف عند بعض هذه المقاطع في قراءة أدبية تستجلي نواحي الجمال والزوايا تكشف عن شعرية العبارة، مستفيدة من بعض المصطلحات التي شاعت مؤخرا في الدراسات الأدبية مثل التوازي والتكرار، وكذلك المستوى النحوي للعبارة وما يراه الأسلوبيون من تبدل واضح في محوري (الاختيار والتركيب)، وسنتوقف بكل تأكيد عند المستوى المعجمي الذي يقودنا الى استقصاء المضمون الشعري والمعنى المضمر للعبارة·

التوازي والتكرار

يجيد دخيل الخليفة استخدام تقنيتي التوازي والتكرار، وذلك على المستوى التركيبي  والنحوي للعبارة، فالمبتدأ يقابله الخبر بشكل شبه ثابت، أو يمكننا القول إن المسند إليه والمسند يتكرران بطريقة متوازية في كل عبارة، شعرية، يظهر ذلك بوضوح في قصائد "لو"، "صورتي"، و"في اتجاهين"·

يقول في قصيدة "لو"!

لو أن ظلاً مرّ

قرب نبضاتي المتعثرة هناااك

لأكتشف جثتي

قبل أن أهرب منها

لو أن قدما سهت عن أختها قليلا

لداست دمعتي المتخشبة·

فعملية التكرار هنا واضحة بجلاء من خلال ملاحظة طرفي عملية الإسناد·

(اسم الحرف الناسخ وخبره)·

- لو أن ظلا - مرّ

- لو أن قدما - سهت

- لو أن كلبا - نبح·

تحليل وقراءة النسق التركيبي للعبارة يقود بلا شك الى اكتشاف المضمون المعنوي للعبارة وهو مضمون - كما يبدو - لا يخلو من مرارة وألم، ويمكن استخلاص نتيجة التركيب النسقي للعبارة في المقطع ذاته على النحو الآتي:

- الظل حين يمر - نكتشف الجنة

- القدم حين تسهو - ندوس على الدمعة·

- الكلب حين ينبح - نجر الشارع·

فالعبارة المعجمية المدرجة ضمن سياق المرارة والألم تسيطر بشكل واضح على المقطع، ولنتأمل كلمات من مثل : (جثة، دمعة، هروب، شارع، كلب، تعثر، السهو) إن كل واحدة من الكلمات السابقة تحمل في جعبتها إرثا طويلا من الدلالة على الحزن، وكما يؤكد بعض اللغويين، فإن كلمات اللغة، أية لغة تأتي مكبلة بإرث تاريخي يشبه امتداد النسب الذي يقود الى ولادة الكلمة الأولى وبالتالي حذرها اللغوي، ولنا أن نقول أصولها العرقية، أجل بكل تأكيد الكلمات لها أصل ونسب وجذر وفروع، ولا يمكن استكشاف دلالة الكلمة دون تقصي جذرها المعرفي، وبالنظر الى الكلمات المستخلصة من القصيدة السابقة يصعب أن نجد ما يدل منها على حالة الفرح والرضا باستثناء كلمة (كلب) التي لها في استخداماتها التركيبية عبر (نسبها) اللغوي ما يدل على الوفاء، ونحن هنا لا نأتي بذكر شيء عن الوفاء·

في اتجاهين

المقطع الآخر الذي سنتحدث عنه في وقفتنا التحليلية هذه هو بعنوان: (في اتجاهين) يقول فيه:

هذه المرة

لن نكون شجرتين تحت ضلع

لن تخرج أغصاننا ليقتطف

ضحكاتها الناس

ولن تتخذر كثيرا في القلب

هذه المرة

سنتجاذب اتجاهين مختلفين

لم تكن خساراتنا سوى دمعتين ونصف

أول ما يشدنا في هذا المقطع خاصية التكرار في عبارة (هذه المرة) حيث تأتي بشكل متواز خلف ثلاث وحدات شعرية (الوحدة هنا السطر الشعري) وكذلك تكرار الحرف الناصب (لن) الدال في بعض جوانبه على النفي في أربع وحدات شعرية تأتي متقاربة أو متباعدة: (لن نكون شجرتين - لن تخرج أغصاننا - لن تتجذر - لن تزعج)·

فالشاعر هنا يتخذ من "الشجرة" الدالة على التفرع والانقسام والتجذر، وسيلة للتعبير عن حالة المرارة والحزن المتجذرة في أعماقه، فالمستوى المعجمي لهذا المقطع لا يختلف كثيرا عن المقطع السابق من حيث دلالة العبارة فالكلمات ذات الدلالة المحورية هي: (خسارات، دمعة، حزن، وهم، جرح، مزهرية ميتة، تزعج)·

دلالة النفي

إلا أن اللافت استخدام الشاعر تقنية النفي المؤكد للحزن والشجرة السالبة، وكذلك نفي الخسارة ونفي الموت، والسؤال هنا هل آتت هذه الثمرة نفعها؟

بكل تأكيد لا، إن كلمات المقطعين السابقين تقطر حزنا يتجذر في الشاعر نفسه، تماما مثل الشجرة التي يتحدث عنها·

ومن الملاحظ في المقطع السابق تكرار الفعل المضارع الذي يمنح القصيدة دينامية وحركة، ويعكس في الوقت ذاته الواقع الذي يعيشه الشاعر وربما مستقبله·

على الأقل

المقطعان الآخران اللذان سنتحدث عنهما هي: "على الأقل" و"غدر" يقول في قصيدة على الأقل:

على الأقل

انتظرت وداعا يليق بجندي مجهول تخيلتني أمتلك عينا واسعة

وذراعا تقاوم أخطبوط

على الأقل

تخيلتني كذلك،

إن خاصية التكرار تأتي جلية في عبارة (على الأقل) التي تتكرر في وحدتين شعريتين·

وكذلك التركيبة اللغوية (كان على) التي تتكرر في ثلاث وحدات شعرية، فعبارة (على الأقل) تدخل بكل بساطة على طلب أقل القليل من الشيء، فما هو هذا القليل الذي يبحث عنه الشاعر هل هو: القليل من التقدير (وداع يليق بجندي)، القليل من القوة والجبروت (ذراع تقاوم الأخطبوط)، القليل من الراحة (ظل يؤدي التحية) وفي مقابل هذا القليل الذي يبحث عنه الشاعر يأتي دور المتخيل وهو المفترض لما لم يكن واقعا، كان على الناس أن يتذكروا هذا المهرج الذي يمسح الحزن عنهم، وكان على الناس أن يتذكروا أن المهرج الشاعر بساق واحدة ولن يستطيع القفز بما فيه الكفاية·

المقطع الأخير الذي نشير اليه هو تحت عنوان غدر، ولا يختلف كثيرا عن المقاطع السابقة من حيث الدلالة والمضمون، وإن لم تكن خاصية التكرار واضحة فيه:

··أما بعد فإن هذه المقاطع التي نشرت مؤخرا من شعر الخليفة تشكل مرحلة مهمة من تجدد التجربة الشعرية، وقفزتها نحو فضاءات جديرة بالاهتمام والمتابعة، وما قمنا به محاولة إضاءة لبعض هذه الجوانب المتعلقة بنواحي تركيب العبارة والمستوى المعجمي·

 

جرح ينتظر يداً تمسح الألـــم

لو

لو أن ظلا مر

قرب نبضاتي المتعثرة هنااااك

لأكتشف جثتي

قبل أن أهرب منها·

لو أن قدما سهت عن أختها قليلا

لداست دمعتي المتخشبة

لو أن كلبا نبح

لنهضت

أجر الشارع على نصفي الأسفل

صورتي

هذه الصورة المعلقة لا تشبهني

عينان غائرتان كقبر

أنف كقنطرة حطمها فلاحون

لحية زارها ضيوف كثر

يرتدون دشاديش بيضاء

شعر تساقط كثيراً قرب نقاط التفتيش!

شيء واحد سرقته الصورة مني شيء يسمونه الحزن··!

على الأقل

على الأقل

انتظرت وداعا يليق بجندي مجهول

تخليتني أمتلك عينا واسعة

وذراعا تقاوم أخطبوط

على الأقل

تخيلتني كذلك!

كان على الظل أن يؤدي التحية

لفقير أعطاه قيمة الجلوس تحت جدار ميت

كان على الناس

أن يتذكروا مهرجا يمسح الألم

عن ملامحهم

كان عليّ أن أتذكرني بساق واحدة

لا تصلح للقفز على بقايا جدار!

في اتجاهين

هذه المرةُ

لن نكون شجرتين تحت ضلع

لن تخرج أغصاننا ليقتطف ضحكاتها الناس

ولن نتجذر كثيرا في القلب

هذه المرةُ

سنتجاذب اتجاهين مختلفين

لم تكن خساراتنا سوى دمعتين ونصف

وحزنٍ غسلناه في الصباح الباكر

ما تبقى كان محض وهم

حكايا قديمة عن شجرتين تستظلان بجرح

لم تكن خساراتنا أكبر منا

الأوراق الخضر من نصيب الهواء

القصائد نخبئها في مزهرية ميتة

ولن تزعج الضلع

يد تبحث عن شجرتين

غدر

لم تكن شهقة يتيمة

ولا انحناءة غصن مثقل بغبار السنوات

حينما سرقوك من أعين الطيور النائمة

أدركوا

أن البياض لن يموت برصاصة··!

تعريف

الحب ليس مكالمة عاجلة

ولا غرفة بسريرين يستوعبان ضحكة مؤجلة

إنه اعتذار متأخر

لشارع يسهر وحيدا··!

طباعة  

شعراء مصريون يفتحون النار على مؤتمر الشعر الأول في القاهرة
لجنة الشعر تتحدث عن افتراءات ··وأدباء يتهمونها بالانغلاق والنفعية

 
حاصلة على جائزة سعاد الصباح للقصة في عام 2001م
زهرة بوسكين: المثقف أطول عمرا وأبقى من السياسي

 
استراحة رمضانية
الهاربون بعيداًعن ومن العيد!

 
البصرة مدينة لا مرئية