رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 10 مايو 2006
العدد 1727

مقال

لأنني حزين وليس لدي نقود

 

                                                                           

 

حسين عجيب

ربما لحسن حظي يتصادف حدوث الكسوف، وأنا على قيد الحياة(يا إلهي ما أغبى هذه العبارة) بلا بديل، تلك مشكلة الشعر· لم أتملّك بعد كلامي الخاص، أكثر الأشياء التي أعيشها لا أعرف أسماءها ومعانيها·بعض أصدقائي في اللاذقية، بيننا شيء من المودة، نتشارك الشراب وتبديد الملل،اليوم غادرنا إلى يوسف أبو بشار، انتهى الكسوف قبل أن نصل· تبعنا معن وهيثم ولا حقا جميل، ثم وصلت مرام، تجدد الشراب وكان منظر البحيرة والربيع حولها بأقل ّمقدار من القبح·

قرأت بعض مقاطع كراكيب الكلام بمتعة، وشربنا نخب الشعر، تحدثت مع دارين وتبادلنا بعض الرسائل مع سوزان وهيا، مصعب لم يكن سعيدا كعادته·

الطريق إلى اللاذقية موحش وطويل، لكنه يمرّ بفرع الإسكان العسكري، حيث كانت أجمل امرأة في سورية تعمل ذات يوم، لكنها غادرت وتركت البلد للعتمة·

بعد لقائنا بمدحت قندلفت و كمال شاهين (المدير العام ورئيس مجلس إدارته) شعرت بأنني زائد عن الحاجة، والأنسب توجهي إلى حظيرتي وأنترنيتي ·

أنا الآن أمام الشاشة البيضاء وأحاول تسلية نفسي·

كالعادة فريدة السعيدة أمام التلفزيون، وأنا في الغرفة المجاورة، أعرف أنني كما الستة مليار آخر يشاركونني هذا الوجود البائس والموحش للغاية، ويتوجب على كل منا أن يخلق ويختلق متعته، لكن كيف؟مللت وضجرت من الكتابة عن الشأن السوري العام والخاص، وليس في حياتي ما يستحق الانتباه أو الاكتراث·

كل يوم أخوّض في معارك ومتاهات لا تنتهي، حتى فنجان القهوة وتحضير الفطور عمليات شاقة، يضاف لأهوالها حلاقة الذقن والتهيؤ لمقابلة الناس· يا إلهي!

قبل العاشرة دخلت فريدة إلى النوم وأغلقت غرفتها· لو كان لدي زجاجة ويسكي، لأحببت هذه البلاد، وربما كنت سأكتب أشعارا لا تعني سواي· المهم، وحدي أمام الجهاز العجيب(على اسم جدي)، يمكنني الآن أن أفتح وأتواصل مع الكثيرين في أوربا والخليج وفي أماكن أخرى مختلفة في سورية، لكنني أكرهكم جميعا·

سأفتح زجاجة البيرة المتبقية (شكرا لك يا نظير الصيفي ويا فرقد) كسلي بلا حد·

من المؤكد أنني سأموت خلال الخمسين سنة القادمة· ومن المرجّح أن ذلك سيحدث خلال 25 سنة، إذن كل ما تبقى لي بشكل فعلي لا يتجاوز عشر سنين، ومع ذلك أفكر جديا بالانتحار، نعم الصعود لأعلى مبنى في اللاذقية ثم أرمي نفسي، أو لأن تلك الطريقة عنيفة ووحشية أشرب الكحول الفاخر ومعه الكثير من حبوب المتعة· أو كما سيحدث غالبا أمضي ما تبقى من بقية عمري، بين الصحو والسكر، ولأن في هذا العالم سوزان، وبعض من ربما يتألمون لغيابي المقصود، سأتحمّل كل هذا القرف، وأحاول تغطيته والتمويه عليه، قد تعشقني فتاة جميلة، من يدري؟؟؟!

حتى فريدة بعد 22  سنة من العيش المشترك لم تعرف كيف تحبني· تلك مأساتي·

أعرف أنني مزعج وغريب الأطوار، وحتى قبولي في جلسة سكر يتطلب الكثير من المرونة وضبط الأعصاب، لكن ماذا أفعل؟ أحاول المجاملة وأمثّل دور المهذب والمحب والذي يستمع جيدا للدرر التي يتفوه بها··أولئك الحمقى، وأجرّب العكس، قول ما أشعر به مباشرة، وفي كلا الحالتين مرفوض، ليس لدي نقود وأنا حزين·

هل ما زلت ذلك الليبرالي أم اليساري أم العدمي؟ صدقا لا أعرف·

كم أحب إيمان سوزان، وأتمنى لو أستطيع الاقتناع بذلك، هناك في الأعالي يوجد رحمن رحيم يعنى بنا جيدا···كم ذلك جميل ومريح، كم أرغب بذلك الإيمان····

أمام الشاشة البيضاء أجلس، في مجتمع الانترنيت، أكتب لهم وأصغي، وكثيرا ما نتبادل الكلام، أعرف أن بعضهم يشبهني، كل ما نريد لحظة أنس·

من شرفة هذا المنزل المؤجّر، أرى مئات النوافذ، فيها الكثير من الضجرانين مثلي، لا يستطيعون النوم، وليس لديهم نقود، فيهم فتيات جميلات وشباب أذكياء، لا شك، نحن يا أصدقائي ضحيّة الأسلاف، ضحيّة غبائهم غير المفهوم· أجل·

أبدأ بالكأس الثاني، شبه خدر والكثير من القبول، نعم أعيش في مدينة جميلة نسبيا، أتخيل صديقتي السعودية هيا، ربما مداعبة الريح لشعرها متعة تستحق، أعرف يا صديقتي كما تعرفين، أن أكثر مثقفي العربية تم شراؤهم(لا توجد عبارة أخفّ) لا أدّعي أنني أتألم لألمك، لكنني أفهم معنى كون المرء امرأة في بلادنا الفظيعة·

قرأت على جهة الشعر، نص محزن وآسر ويتهمنا جميعا بشكل غير مباشر، لفتاة من السعودية، تحلم أو تتخيل والله لا أتذكّر بدقّة، أن شعرها مكشوف في مدينتها وتتمشّى بحريتها، وشعورها مركّز فقط على تطاير شعرها مع الهواء·

صديقتي ···أصدقائي، لقد أثّر بي ذلك النص وغيّرني، يا إله··يا ابنتي يا أختي يا أمي يا حبيبتي يا صديقتي، ماذا أستطيع أن أفعل لتتحقق تلك الأمنية البسيطة المستحيلة!

أنا مجرد رجل حزين وليس لديّ نقود·

سأعود إلى اليسار وإلى الثورة، لو استطاعا منحك هذه  الرغبة البسيطة حقا·

لا أستطيع أن غادر الحلم اليساري(العدالة) ولا أستطيع التضحية بالحلم الليبرالي (الحرية) ولا أستطيع الجمع بينهما، مسا الخير يا سمير قصير أفهمك الآن·

أحببت تشيخوف كما لم أحب كاتبا من قبل، أحببت كتابات الكثيرين غيره لا شك، ما يذهلني بكاتبي المفضّل تشيخوف، أنه يكلّمنا وكأنه على الأقلّ قبل أو بعد مئة سنة·  

حدث ذلك سنة 1986 في مشفى الأسد الجامعي في اللاذقية، كنت معدما ويائسا وأحتاج لمن ينزع كليتي اليسرى بلا نقود! تمّ ذلك أجل، ولكن كما يحدث للفقراء الذين بلا اسم ولا عنوان، كان سندي وصديقي تشيخوف العظيم!

قرأت (وحشة) و(العنبر رقم (6) وبستان الكرز، والخال فانيا، والرهان والمبارزة  والرجل المعلّب والقبلة،،،،، والكثير الكثير من إبداعات الكاتب الفذّ تشيخوف·

في تلك السنة جاءني الأصدقاء ببعض أعمال كافكا وريلكة وبيكيت وآخرون·

لكن تشيخوف كان وما زال أقربهم إلى قلبي· وأعتبره مؤسس قصيدة النثر·

أصدقائي في اللاذقية(بدون تسمية) سيمضون ليلتهم بدوني، لأني فقط لا أمتلك النقود لست ساخطا لكنني حزين· ليس لتقصير عندي، ما عليّ عملته، صرت مهندسا في ظروف قاسية حقا، وقد أظهرت موهبتي(إن كان لي حظ في ذلك) بظروف سيئة كذلك، قرأت واستمعت وحاولت الفهم بإخلاص، ولا أمتلك نقودا·

تسليتي ومتعتي وطريقة حلّي لمشاكلي الشخصية في الكتابة، هم السبب·

أصدقائي سفلة وغاضبون مثلي·

طباعة  

شعر
 
قراءة
 
خبر ثقافي
 
إصدارات
 
المرصد الثقافي