رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 10 مايو 2006
العدد 1727

قراءة

استقراء في "عتمة الضوء" لـ إستبرق أحمد

 

                                 

 

بقلم/ محمد هشام المغربي

قراءة قصص إستبرق أحمد تحتاج الكثير من المران والعود على البدء، للكشف عن مكنوناتها· إستبرق كاتبة موهوبة، تكتب نصها بحرفية خاصة، ولا أبالغ إن قلت إنها صوت فريد في جيلها، بل في الأدب الكويتي عموما·

الكتاب، مادة البحث، ندخله كالتالي:

 

- البدء/الغلاف:

 

أتت صورة الغلاف الأمامي بفنية شديدة تلائم العنوان ظاهريا أو تفكيكيا، فالصورة تحوي عتمة وضوءاً، أما (عتمة الضوء) مجموعة، فلها قصص أخرى، وتفسيرها أو ترجمتها لصورة فوتوغرافية غير ممكن، وأظن أنها ستحتاج لرسام محترف يبعث هذه الدلالات في لوحة ما·

الملاحظ أن إستبرق أكدت على العنوان و تصنيف الكتاب (مجموعة قصصية) وجعلتهما في محل المحتفى به في وجه الكتاب، بينما غاب اسمها - وهو أمر مفاجئ - أو تاه في عتمة الصورة·

الغلاف الخلفي كان ذا خلفية من خطوط نصوصها بشكل عشوائي غير رمزي، ثم (عتمة الضوء) واسم المؤلف أخيرا بشكل عمودي وكأنها تذكرت اسمها أو زحف هو خارج العتمة·

إن لهاتين النقطتين أهمية شديدة في قراءة الغلاف، فإستبرق تريد باختصار التركيز على كتابتها لا على شخصها، ولو أنها اتخذت إجراءً قاسيا بشأن ذلك أن محت اسمها من المقدمة·

- الغلاف والعنونة:

لهذين وهجٌ يثير البهمة في أرجاء القارئ وسؤال يقول (ما هذا الكتاب؟) عدا كونه مجموعة قصصية، ولكن (ماذا يحوي؟!)·

إن إثارة فضول القارئ كانت ناجحة جدا وفق هندسة الغلاف، إذ جاء العنوان محفزا واختفى اسمها من الغلاف ولا وجود لمقطع نصي خلفي يستلهم منه  ولا صورة للمؤلفة، إنه كتاب الحيرة الأولى وحب الكشف والفضول!

يعكس تماما عنوانها، فهي لا تريدنا أن ننظر للضوء! بل للعتمة المحيطة، أن ننشد بكل هذا الإبهام المزعوم الذي يغلف كتابها/نصها·

ثم إن لثنائية (العتمة والضوء) مساراً طويلاً وجذرياً في قصصها، فهي تعتمده أسلوبا خاصا لها في كل النصوص وستأتي الإشارة لذلك·

- الإهداء:

جاء الإهداء قويا، بسطره الأول (إلى تعويذة الدفء) تستمر العتمة إلى أن يأتي ضوؤها بـ (أبي وأمي) ولتقديم الأب عن الأم إشارة نرجع إليها لاحقا، ثم تعود لعتمتها (طلاسمها النقية) التي تربطها بالجملة الاولى، ثم الضوء بتسلسل أسماء إخوتها (أسيل، عبدالله، إشراق)، جاء الإهداء كأشبه ما يكون بالدخول لدفتر سحرها أو الخروج منه·

صفاتهم طلسم وكونهم ضوء، إنها تراهم بوضوح وتعرف أماكنهم وما زرعوه بداخلها· وقد جاءت كلمة (النقية) لتكسر حدة الألفاظ · نحن أمام كاتبة مثقلة بالتعب·

أخيرا، لم تذيل إهداءها بأي توقيع! وهذه قد نعتبرها إشارة أخرى لإزاحة الضوء عن شخصها والولوج إلى النص·

- ما بعد الإهداء

اقتبست من كلام العراف تريزياس لأوديب "عيناك مفتوحتان على الضوء لكنك لا ترى" ليكون ترجمة لعنوانها أو لتكون نتيجة منطقية له، أو نصيحة سحرية لدخول عالمها·

- التعريف

جاء بشكل رسمي محض، على العكس من مقدماتها ونصوصها، جاء التعريف مختصرا وعمليا، لا يحوي أي دلالات تفوق حجمه مسماه، وهذا يؤكد محاولة المؤلفة إزاحة الضوء/اهتمام القارئ نحو النص وليس كاتبه·

ثمة قول سمعته أن الرجل لا يستطيع أن يعبر عن المرأة في أدبه، فهل تستطيع المرأة ذلك ؟ هذا السؤال سيظل قائما معنا حتى ننتهي من كتابها·

إن صورة الرجل في النصوص بارزة ظاهريا فهي جعلت أبطال السواد الأعظم من قصصها الثلاث عشرة رجالاً و جاءت القصص على ألسنتهم ·

ولكن من ملاحظتي للقصص بشكل دقيق رأيت أن الرجل عندها شأنه شأن المرأة، وأقصد هنا حينما يكون محور القصة، فصفاتهما مشتركة · فالكاتبة لم تسبر أغوار الرجل بكونه رجلا، بل لم يعدُ كونه عمودا يثبت أغصان القصة وحبكتها فكثير من القصص ستظل بقوتها لو غيرنا جنس البطل فالقصص ليست معتمدة عليه أساسا بقدر ما استخدمته أرضية يمكن استبدالها·

حتى أنها اعتمدت في أكثر من نص على عدم تسمية الشخصيات، وهذا ملاحظ، في أسلوبها وهو التركيز على الحدث وليس الأشخاص، فالشخصيات أدوات، وسائل، دائما ولا يكونون أبدا غايات·

لا نستطيع أن نحمل صفات الشخصيات على مجمتع ما، فهي قدمت نموذجا شديد العمومية، وهذه نقطة تحسب لها، إذ يمكن أن تترجمه معظم القصص ولا يشك أن كاتبها ينتمي لبيئة تعيقه·

أيضا ما قد يُؤخذ في شعرية النص،أنها أحيانا تطغى على مستوى الشخصية لتمتد وتحلق في أفق جميل، غير أننا نلمس تساويا في الثقافات لشخصياتها، ونكهة واحدة للغتهم، وعمقا داخليا في نفوسهم، وكأنهم يحملون أسماء مختلفة لشخص واحد، أو كأنهم أبواب عديدة لغرفة واحدة، فكلهم ذوو جمل شعرية، حتى على مستوى الأطفال فيهم·

لم تكن الشخصية هاجسا في نصوص إستبرق، قدر ما كانت الفكرة/ القضية، تطغى على الشخصيات واهتمام المؤلفة بهم·

طباعة  

شعر
 
مقال
 
خبر ثقافي
 
إصدارات
 
المرصد الثقافي