رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 20 رمضان 1425 هـ - 3 نوفمبر 2004
العدد 1652

جمهورية الفساد
د. علي الزعبي

يجلس المسؤول بعد أن يضع خلف ظهره كتاب القانون، ثم يبدأ في محاكمة الناس كيفما يشاء، وعندما يسألونه لماذا يفعل ذلك، يجيب بأنه "مسنود بالقانون"!؟!

لقطة من مسرحية "الشخص"

للأخوين الرحباني

***

لقد تحول الفساد من معضلة سياسية جزئية إلى وباء اجتماعي عام يستشري في جسد المجتمع العربي وعلى جميع الأصعدة والمستويات، وللدرجة التي تجيز لنا أن نتكلم عن "جمهورية" للفساد بدأت تتشكل ملامحها من الخليج إلى المحيط·

إن فساد السلطة، والقضاء، والإعلام، والاقتصاد، والجيش، والعلاقات الاجتماعية، كلها تعد أمورا جلية في الحياة العربية اليومية·

ولقد نتج عن هذا الفساد آثار اقتصادية خطيرة تكلف الدول العربية خسارة مالية كبيرة أدت إلى حالة من العجز في الميزانية العامة، كما أن دور هذا الفساد كان جليا في توسيع دائرة الفقر وبصورة لم تعد تحتمل·

لقد لعبت "جمهورية الفساد"، وكما يجادل رئيس الوزراء اللبناني السابق سليم الحص، دورا فاعلا في إشغال الإنسان العربي بالمشكلات "مثل مشكلة البطالة" عن القضايا المهمة "كقضية الفساد"·

ولذلك، فإن الفساد في هذه الجمهورية يصبح أشبه بنمط حياة تنشأ على أساسه ثقافة جديدة هي "ثقافة الفساد"، والتي تتغلغل في نسيج المجتمع ليصبح من خلالها لكل شيء ثمن (للانتخابات ثمن، وللعلاج ثمن، وللتشريع ثمن، وللحصول على مناقصة ثمن، وللحصول على التعليم ثمن·· إلخ)·

وعندما يكون لكل شيء ثمن، فإن الفساد يصبح الثقافة السائدة في المجتمع، مما ينتج عنه غياب المساءلة وتعطيل أدوات الرقابة، وفي ظل هذا الجو "الممتلىء بالفساد" يصبح الإصلاح انتحارا للفاسدين القابعين في أدوار الدولة العليا·

وفي هذه الجمهورية تكتسب فلسفة "الأواني الفارغة"، وكما يرى أستاذنا المرحوم محمود المراغي، أهميتها القصوى: وجود برلمانات دون وجود تشريع، وجود ديوان محاسبة دون وجود رقابة، وجود جامعات دون وجود تعليم، وجود مستشفيات دون وجود علاج·· وهلم جرا··

والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام هو: كيف تشكلت جمهورية الفساد "أو كيف تتشكل"؟ هناك خمسة عوامل تلعب دورا حاسما في تشكيل هذا النوع من الجمهوريات ألا وهي:

1 - سيادة نسق "الحاكم المركزي"·

2 - التزاوج بين من يملكون "السلطة" ومن يملكون "المال": القلة المسيطرة·

3 - سيطرة أقرباء "القلة المسيطرة" على مؤسسات المجتمع المدني·

4 - شراء "الحصانة البرلمانية"·

5 - فساد الأنجال·

إن "الحاكم المركزي"، الذي يسيطر ولوحده على جميع أمور ومقدرات الدولة، كما أنه منزه كليا عن المساءلة، يعتبر عاملا رئيسيا في تمتين علاقات الفساد وتطويرها في المجتمع، كما أنه يشكل عائقا صلبا ضد عمليات الإصلاح مما يتعذر بالتالي تحقيق "الحكم الصالح" good governance·

كما أدى تزاوج العلاقات والمصالح بين من يملكون السلطة ومن يملكون الثروة إلى خلق "القلة الألوجاركية" التي تتحكم بالحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية في الدولة، وذلك وفق أجندة محددة هدفها تحقيق المصالح الخاصة بهذه القلة وعلى حساب الدول والمجتمع، ومن أهم مخاطر سلوكيات هذه القلة هو ذلك الخلط المقصود بين "المال العام" و"المال الخاص" من خلال اتباع عمليات فساد متنوعة·

وإذا كانت مؤسسات المجتمع المدني تعد الدرع الحصين من فساد السلطة، إلا أن دورها في معظم المجتمعات العربية هو من نوع آخر، ألا وهو تدعيم حالات الفساد واستمرارها، والسبب في ذلك هو أن معظم مؤسسات المجتمع المدني يسيطر على مجالس إداراتها نساء وأبناء وبنات "القلة المسيطرة" أو أقرباؤهم أو أتباعهم، وبالتالي تلعب مؤسسات المجتمع المدني العربية - في الغالب - دورا مغايرا لما هو متعارف عليه عن هذه المؤسسات·

الظـاهرة العربية الأخرى، التي تساعد على نشر وباء الفساد، تتمثل في رغبة الكثير من الفاسدين من أصحاب رؤوس الأموال في الوصول إلى البرلمان من خلال دفع أموال طائلة تشتري بها ومن خلالها "أصوات" الناخبين، وهدف هذه الثلة الفاسدة هو الحصول على "الحصانة النيابية" التي تسمح لهم بالوصول إلى أعلى درجات الفساد "وبكل أنواعه"، كما أنها تحميهم من المحاسبة·

أما المشكلة الأخرى، التي لا تقل أهمية من سابقاتها، فتتمثل في ظهور حالة جديدة من الفساد هي "فساد الأنجال": سيطرة أبناء المسؤولين الكبار في أغلبية البلدان العربية على أهم وظائف القطاع الخاص وتحقيق الأرباح الخيالية من خلال صفقات وأعمال مشبوهة لا تخضع للمراقبة أو المساءلة·

نتيجة لذلك، لم يعد "الفكر الانضباطي" (أو "الذهنية الانضباطية")، والمقصود بها انضباط الفرد (مهما كان شخصه ومهما كان منصبه) للقانون وعدم تجاوزه، أقول لم يعد هذا النوع من الفكر يلعب ولو جزئيا دورا فاعلا في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية العربية·

ولذلك فنحن لا نتعجب أبدا من سيادة نموذج "القدوة الفاسدة"، والذي حل محل نموذج "القدوة الحسنة"، لقد أصبح المسؤول الكبير والمدرس والطبيب ورجل الأمن والآخرون يقبلون ويبررون "الواسطة" والرشوة وغيرها من أشكال الفساد، وكل ذلك أدى إلى إضعاف الحكم الصالح وتمتين نقيضه، والنتيجة كانت "مأسسة الفساد" في المجتمع·

�����
   

الطريق إلى "نجمة إدريس":
د·أحمد سامي المنيس
صح لسانك..
المرأة وسيلة:
عبداللطيف الدعيج
رئيس المجلس في صف المعارضة:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
الإصلاح.. مكانك سر!!:
سعاد المعجل
الإصلاح بإصلاح الكهرباء:
صلاح مضف المضف
وانتصر الطالبيون:
د. سامي عبدالعزيز المانع
القلم والكتابة:
محمد بو شهري
مسلسلات تشوه الواقع!:
م. مشعل عبدالرحمن الملحم
الخطاب الليبرالي الكويتي:إعادة نظر (1):
فهد راشد المطيري
هل استبدال المفاهيم مقدمة لاستبدال الثقافة؟!:
يحيى علامو
تفعيل عملية الإصلاح!:
عامر ذياب التميمي
المنيس مصلوبا:
د. محمد حسين اليوسفي
ويستمر مسلسل الإرهاب:
عبدالله عيسى الموسوي
اتقوا حوبة المظاليم:
د. عبدالعزيز يوسف الأحمد
وزارة التربية..!!:
حزام ماطر الرشيدي
من "المعزب" الحقيقي؟:
فيصل عبدالله عبدالنبي
دفتر الذكريات:
عبدالخالق ملا جمعة
البرلمان يقود تطوير الرقابة الحكومية:
عبدالحميد علي
جمهورية الفساد:
د. علي الزعبي
قدسية العلم الوطني:
رضي السماك