رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 14 مارس 2007
العدد 1765

كتاب
خمسة أمم هندية أمريكية تسحقها البربرية الغربية
قارات منهوبة بالأساطير وبغيرها!

                                        

 

محمد الأسعد:

في الثامن من نوفمبر 1519 رحب إمبراطور المكسيك "مونتي زوما" بالغازي الإسباني "كورتيس"، ودعاه لاعتلاء عرش المكسيك بهذه الكلمات "تعال واستقر الآن وتملك قصورك الملكية··· دع جسدك يرتاج وادخل أراضيك يا سيدي"· كان الإمبراطور واقعا تحت وهم أن "كورتيس" هذا هو الإله الأسطوري الذي تتحدث أساطير المكسيك أنه غادر ذات يوم، وسيعود من وراء البحر ليستعيد امتلاك إمبراطورية الأزتك·

وبعد بضعة أيام من حفلة الترحيب هذه، شاهد "مونتي زوما" بفزع الغزاة الإسبان وهم يعذبون ويحرقون عددا من الموظفين المكسيكية أحياء، وينهبون القصور الملكية، وينتزعون الذهب والأحجار الكريمة والحلي، ويذيبون الذهب ثم يرسلونه إلى إسبانيا على شكل سبائك·

كان الإسبان حسب ما كتب أحد الأزتك في ما بعد "يتدافعون وكأنهم مصابون بمس حيواني للنهب والسلب وقلوبهم ممتلئة بالبهجة"· كان "كورتيس" محظوظا بهربه حيا، أما غالبية الأوروبيين الذين تركهم كفرقة حراسة "عددهم 1200 فرد، في مدينة مكسيكو، فقد قتلوا على أيدي رماة السهام الأزتك عندما تمرد هؤلاء على سادتهم الجدد، وتبددت أوهام أسطورة الإله الأبيض العائد إلى مملكته·

بالطبع عاد الإسبان بعد وقت قصير، مرسلين على رأسهم، ربما من دون قصد، وكلاء من أوروبا أشد فتكا من البارود والسيف والخيول: جراثيم مرض الجدري· وفي العقود التالية من القرن السادس عشر، حطم هذا العدو الخفي (الوباء الأوروبي) الإمبراطوريات الهندية الأمريكية الأخرى، إمبراطورية المايا والأنكا في غواتيمالا والبيرو، قبل أن يضع اللصوص القادمون من إسبانيا أيديهم على نسائها وينهبوا نفائس كنوزها·

رواية قصة العار هذه يعيد روايتها الكاتب "رونالد رايت" في كتابه المعنون "القارات المنهوبة"، بفصولها المتسلسلة وبلقطات تمتلىء بالمرارة منذ بداية الغزو الأوروبي وحتى العصر الراهن، ويركز في كتابه على مصائر خمسة شعوب هندية أمريكية هي الأزتك والمايا والأنكا والثيروكي والإيركيوز· ولأن الرواية رويت بإسهاب من وجهة نظر المنتصرين، يعمل "رايت" هنا على سردها من وجهة نظر الخاسرين مستخدما نصوصا هندية معاصرة كلما أمكنه ذلك·

 

الشيروكي نموذجا

 

في قلب الكتاب يركز الكاتب على محنة هنود أمريكا الشمالية الذين يتعرضون لغدر الرجل الأبيض مرة بعد أخرى، ويجد أحد الذين تناولوا الكتاب أن مصير هؤلاء أشد إثارة للمشاعر من مصير كهنة الأزتك الذين كانوا يضحون بذبح آلاف الأسرى، أو مصير نبلاء الأنكا الذين بنوا قصورهم المتوهجة تحت أشعة الشمس بدماء الفلاحين الهنود·

في العام 1730 أبحر وفد برئاسة الزعيم "أنا كولا كولا" يمثل أمة الشيروكي (300 ألف نسمة) إلى بريطانيا، واستقبلت الوفد جماهير غفيرة مبتهجة، ورسم صور أعضاء الوفد الرسام "هوغارت"، وحشيت جيوبهم بالحلوى الشهيرة· وأخذهم البريطانيون لمشاهدة قلعة لندن والكاثدرائيات، واستقبلهم الملك جورج الثالث في قصر وندسور· وكان "أناكولا" يرتدي معطفا مصنوعا من جلود الضفادع، وأهدى إلى الملك أربع جماجم لهنود من أعدائه· وفي شهر سبتمبر من العام ذاته تم التوقيع على اتفاقية مع الشيروكي· وقال "أناكولا": "رغم أننا حمر وأنتم بيض إلا أن أيدينا انضمت إلى بعضها البعض" والتزم بصداقة دائمة مع بريطانيا "مادامت الجبال والأنهار وأشرقت الشمس" على حد تعبيره المجازي·

بعد خمسين عاما، انخفض عدد أمة الشيروكي إلى 10 آلاف نسمة وفقدت ثلثي أراضيها· ويومذاك كان الكونغرس الأمريكي هو من قرر قضايا الحدود· ومن جانبهم، ومصداقا لمعاهدتهم مع البريطانيين، دعم الشيروكي الجانب الخاسر في حرب الاستقلال·

وجاء الأسوأ في القرن التاسع عشر· ففي الوقت الذي كان فيه حراس الحدود يشقون طريقهم إلى الغرب مستخدمين القوارب البخارية والسكك الحديدية والمدافع الرشاشة، أمرت أمة الشيروكي بالرحيل عن "جورجيا" لإخلاء الطريق أمام مستوطنات البيض·

وكان هذا الأمر سيبدو مفهوما بالنسبة للشيروكي لو كانوا مثل جيرانهم الهنود الذين مازالوا يعيشون مترحلين، إلا أنهم في ثلاثينات القرن التاسع عشر كانوا حولوا أنفسهم إلى مجتمع متمدن نموذجي ليحظوا بقبول البيض الأمريكيين مع الحفاظ على أجزاء جوهرية من ثقافتهم، وبخاصة علاقتهم الصوفية بالطبيعة ومشاعية الأرض للجميع، وبذلوا جهدهم لتبني قيم الاستقرار في الريف الأمريكي· كانت لديهم عربات ومحاريث ومدارس وصحف (صحيفة "فيتكس شيروكي" التي كانت تنشر موضوعات باللغة الإنجليزية والسيكوياه لغة الشيروكي) وكانت قضيتهم معروفة جيدا عند الغربيين الليبراليين الذين كان بإمكانهم قراءة موضوعات من صحيفة "فينكس" منشورة في الصحف الغربية·

ومع ذلك، قرر الكونغرس الأمريكي أن الشيروكي، شأنهم في ذلك شأن القبائل الأقل تحضرا، إما أن ترحل عن جورجيا أو تطرد بالقوة!

وأثار هذا الإجلاء القسري رعب بعض البيض الذين شاركوا في تنفيذه· كتب متطوع من جورجيا يقول "قاتلت في الحرب الأهلية، وشاهدت القذائف تمزق الرجال وهم يذبحون بالآلاف، ولكن طرد الشيروكي كان أقسى ما عرفت من أعمال"·

في صيف العام 1838، جمع الجيش الأمريكي 18 ألف إنسان من الشيروكي، واحتجزهم في معسكرات اعتقال تمهيدا لترحيلهم غربا، وعرفت تلك الرحلة التي بدأت في خريف ذلك العام باسم "مسيرة للدموع"·

كان المخطط هو إعادة توطين الشيروكي في أوكلاهوما على بعد ألف ميل نحو الشمال الغربي، ولكن الحكومة الأمريكية لم توفر عربات كافية ولا ملابس للشتاء أو طعام، وعندما وصل الناجون إلى مستوطناتهم الجديدة وجدوا أنفسهم مازالوا محط جشع البيض المتواصل إلى أراضي الهنود·

في تطلعه إلى المستقبل، بعد رواية هذه القرون الخمسة تقريبا من النهب والافتراس وحروب إبادة سكان القارتين الشمالية والجنوبية، لا يقدم "رايت" سوى القليل من العزاء· فقد غدرت كندا بقبائل "الموهيكان" كما فعل الأمريكيون بالشيروكي، وظل فلاحو المايا يشكلون الأغلبية في غواتيمالا الذين بدأت فرق الموت بحصدهم في القرن العشرين، وفي البيرو تحول الفلاحون الهنود بعد يأسهم من العدالة إلى حرب العصابات مع حركة "الطريق المضيء"·

ويتوصل "رايت" إلى أن شعوب العالم القديم، أوروبا وما جاورها، لا تستطيع العودة عبر البحر إلى حيث جاءت، وليس عليها أن تفعل هذا، والناس المولودون من الزواج المختلط لا وطن آخر لهم، ولكن الغزاة وأحفادهم يجب أن يتركوا مكانا على الأقل لشعوب الأمريكتين التي بقيت·

ويمكنهم أن يقدموا نهج مساواة حقيقية، وليس إبادة مقنعة تحت شعار "التكامل"· وبإمكانهم أن يقبلوا حق الهنود الأمريكيين في الحرية والمساواة والاختلاف·

طباعة  

كتاب للبريطاني جوثانان كوك من الناصرة
أفق للدوائر الفلسطينية الثلاث في مواجهة دولة دموية

 
فلسطينيو العام 1948 ينشطون سياسيا:
دستور ديمقراطي في مواجهة العنصرية الإسرائيلية