رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 14 مارس 2007
العدد 1765

كتاب للبريطاني جوثانان كوك من الناصرة
أفق للدوائر الفلسطينية الثلاث في مواجهة دولة دموية

أناهيد الحردان- لندن:

جاء كتاب "الدم والدين": تعرية الدولة اليهودية الديمقراطية" على خلفية وجود كاتبه البريطاني "جوناثان كوك" في مدينة الناصرة الفلسطينية داخل الحدود المرسومة دوليا لدولة إسرائيل وبالنسبة لصحافي غربي يعتبر هذا الموقع فريداً من نوعه من حيث بعده عن تل أبيب والقدس الغريبة والشرقية بل حتى رام الله·

يتعامل "كوك" أولاً كصحافي عمل في الجارديان والأوبزرفر البريطانية ثم كصحافي حر بشكل أساسي وليس حصراً حيثما اقتضاه السياق التاريخي مع الفترة التي سبقت مباشرة الانتفاضة الثانية ضد الاحتلال العسكري الإسرائيلي لما تدعى المناطق الفلسطينية المحتلة·

ويقص "كوك" بأسلوب سلس طابعه التحقيق الصحافي قصة انتفاضة الأقصى بما في ذلك التطورات التي قادت الى الانتفاضة وتأثيرها أيضا على حياة 1.3 مليون فلسطيني يعيشون داخل الحدود الدولية لدولة إسرائيل·

وعلى رغم أن اهتمام الكتاب ينصب على سياسات دولة إسرائيل ضد هذه الجماعة الفلسطينية تحديدا "سياسات يحكمها ما يطلق عليه مجازاً تعبير "الحائط الزجاجي" أي الخداع من حيث الجوهر، ذلك الذي يمنع المراقبين من فهم ما يشاهدون، فإن "كوك" لا يفقد بصيرته أبداً محاججا بأن المرء لا يمكن إن يتحدث عن هؤلاء الفلسطينيين بمعزل عن سياسات إسرائيل ككل تجاه السكان الفلسطينيين الواقعين تحت احتلالها والذي يشكل الداخل الفلسطيني "1.3 مليون نسمة" أحد مكوناتهم·

ويوفر تحليل الكاتب لنهج إسرائيل على "جبهتين تجاه الفلسطينيين والذي يستتبع سياستين منفصلتين دافعهما المنطق "الديمغرافي" الواحد ذاته تجاه المناطق الفلسطينية المحتلة في العام 1967 وتلك التي يكشف القارئ أنها تصور خداعاً كحكم يهودي ديمقراطي في المناطق المحتلة منذ العام 1948 "الصلة المفقودة" التي هي موضع حاجة ماسة في ظل غياب نهج كلي تجاه ما يشار اليه خارج كل سياق وتاريخ في الأوساط الاعلامية الشائعة بوصفه "نزاعا إسرائيليا- فلسطينيا" والمعني هنا بالنهج "الكلي" هو ذلك النهج الذي يأخذ في اعتباره أنه لا يمكن فهم الكفاح الفلسطيني ما لم يناقش بعلاقته بأجزائه الثلاثة  المكونة له: كفاح اللاجئين الفلسطينيين الذين طردوا من وطنهم وأنكر عليهم حقهم في العودة ما بين العامين 1948-1950 وكفاح الفلسطينيين الذين ظلوا وأصبحوا تحت حكم الدولة اليهودية وأخيراً كفاح الفلسطينيين الذين أصبحوا تحت الحكم العسكري الإسرائيلي في العام 1967· ورغم أن الحاجة الى التحرك نحو هذا النهج هي حاجة جديرة بالتقدير، في ضوء ندرتها في تناول الكفاح الفلسطيني ضد الاستعمار الصهيوني في مرحلة الدولة الإسرائيلية الصهيونية ما بعد العام 1948 فإن القصور الوحيد الذي لولاه لكان الكتاب ممتازاً هو أن نهج المقاربة الكلية تجاه الفلسطينيين سواء من هم تحت دولة 1948، أو الحكم العسكري 1967 حين يناقش في إطاره التاريخي لم يجر تفصيله إلا جزئياً في فصول الكتاب وهو ما يشكل مصدراً محتملا لتشويش ذهن القارئ القليل المعرفة·

ومع ذلك ورغم أن القارئ لا يجد شيئاً عن "الكابوس الديموغرافي الصهيوني" إلا إذا تعمق في الكتاب، فإن منهج تحليل "كوك" الدقيق لسياسات الدولة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين الذين يعيشون تحت حكمها في ضوء سياساتها تجاه الفلسطينيين في المناطق المحتلة عام 1967 ترسم صورة تفصيلية لكيف أن إسرائيل البعيدة عن كونها ديمقراطية هي في الحقيقة شكل من أشكال الحكم العرقي اليهودي، تعامل سكانها الفلسطينيين الأصليين غير اليهود بوصفهم "لا مواطنين" في أفضل الحالات، وكطابور خامس "كعدو داخلي" في أسوأ الحالات·

ويدفع "كوك" بأن هذه السياسات الممتزجة بالمهمة غير المنتهية في العام 1948 للدولة الإسرائيلية أي حملة التطهير العرقي لفلسطين التي شهدت  طرد أكثر من ثلي الفلسطينيين "750 ألفاً" وتدمير أكثر من 500 قرية وعشر مدن والتنكر لأي حق في العودة الى المناطق التي هي تحت سيطرتها وصلت خلال الانتفاضة الثانية الى منعطف·

ويرجع هذا الى حقيقة أن الدولة الإسرائيلية طيلة ما يقارب 60 عاماً دارت دورة كاملة عائدة الى حيث كانت عند بداية مشروعها فهي تحكم الآن أكثر من 1.3 مليون فلسطيني ضمن حدودها المعترف بها دولياً وما يقارب 3.5 مليون فلسطيني في المناطق المحتلة من العام 1967 محرومون من حقوقهم الشرعية، يساوي عددهم تقريبا، إن لم يكن أصبح كذلك عدد ما يقارب 5 ملايين يهودي إسرائيلي يعيشون على الأرض بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط·

ومن هنا فإن التحدي أمام إسرائيل هو ذاته كما كان في العام 1948 وهو تحد تجيب عليه بالبحث  عن الطرق التي تضمن السيطرة الاستعمارية - الاستيطانية اليهودية على أرض يسكنها سكان أصليون غير يهود·

وتسمح هذه الوقائع لجوناثان كوك بالوصول الى خلاصات بالغة الحدة في ما يتعلق بهدف واتجاه هذه النقطة - المنعطف الجديدة في السياسات الإسرائيلية كما تجسدت في ما يدعى "فك الارتباط" مع غزة وبناء "جدار" الضفة الغربية تجاه السكان الفلسطينيين تحت الهيمنة الإسرائيلية· إن "فك الارتباط" مع غزة الذي شهد انسحاب ما يقارب 10 آلاف مستوطن إسرائيلي وقوات مستخدمة لحمايتهم تاركا 1.4 مليون فلسطيني سجناء وراء سياج إلكتروني في شريط من الأرض طوله 28 ميلا وعرضه  ستة أميال مع الإبقاء على سيطرة إسرائيل على الأرض وقد أصبحت اكبر سجن في الهواء الطلق في العالم، أتاح للدولة اليهودية، "فك الارتباط" مع أول خطر ديموغرافي غير يهودي من دون أن يسمح بأي سيادة حقيقية·

وعلى الغرار نفسه صمم جدار الضفة الغربية المعد لضم ما يقارب %40 من الأراضي بما فيها القدس الشرقية وكتلة المستوطنات الإسرائيلية وتقطيع المنطقة الى ثلاثة كانتونات منفصلة عن بعضها البعض وحصار ما يقارب 2.4 مليون فلسطيني وسجنهم من كل الجهات بما فيها جهة وادي  الأردن، ليتيح للدولة اليهودية "فك الاربتاط" مع هذا الخطر اللا يهودي الديمقراطي ومن دون السماح بأي سيادة حقيقية·

في المطاف النهائي، الواقع الجاري إنشاؤه في المناطق الفلسطينية المحتلة في العام 1967، يماثل حل جنوب إفريقيا العنصرية لمشاكلها الديموغرافية قبل تفكيك هذا النظام وذلك بإنشاء نظام معازل السود المعروفة بالبانتوستانات وفي هذه "الأوطان" المصطلح عليها باسم "دول مستقلة" من قبل الأفارقة البيض كان يفترض أن يمارس سكان البلد السود الحقوق السياسية والمدنية·

ولكن السؤال الذي يظل ماثلاِ هو كيف ستتعامل الدولة الإسرائيلية بعد أن تستكمل تحويل ما تبقى من فلسطين الى بانتوستانات وتضع لها "حدودها" النهائية محولة نفسها الى "قلعة يهودية"  حيث لا يحسب فيها حساب لغير الدم اليهودي والدين اليهودي، ستتعامل مع الفلسطينيين الباقين ضمن الأراضي المعترف بها دوليا·

في وسط النقاش في المجتمع الإسرائيلي على مستوى الوزارة الذي يتراوح بين "طرد" مفتوح يعني التطهير العرقي وبين إعادة رسم الحدود لإقصاء أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين يظل مفتوحا خيار جنوب إفريقيا العنصرية حيث كل "السود خارج دول البانتوستانات" أي الذين يعيشون في مناطق البيض تعطى لهم عشوائيا جنسيات المواطنة في تلك الدول الخاصة بالسود، ويتحولون الى مقيمن أجانب في أرضهم هم·

ويتوصل جوناثان كوك الى نظرة منذرة مفادها بأن "فك الارتباط" الإسرائيلي وبناء الجدار علامة على بداية مرحلة جديدة· إنها مرحلة ستربط فيها نهاية اللعبة عملياً مصير الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1967·

ومع الوقت الذي تبدأ فيه إسرائيل صياغة هذه "الحدود" سيجد الفلسطينيون في كلا المنطقتين المحتلة عام 1948 والمحتلة عام 1967 انفسهم في أوضاع مماثلة يواجهون صور مرآة السياسات العنصرية، ذاتها·

 *كلية ترينتي، جامعة دبلن·

طباعة  

كتاب
خمسة أمم هندية أمريكية تسحقها البربرية الغربية
قارات منهوبة بالأساطير وبغيرها!

 
فلسطينيو العام 1948 ينشطون سياسيا:
دستور ديمقراطي في مواجهة العنصرية الإسرائيلية