· الحديث عن حرب عالمية ثالثة ضرب من المبالغة
بقلم: ستيفن بيدل وراي تاقية:
العالم يغلي منذ بداية الصيف حيث اندلعت الحرب في جنوب لبنان وتواصل إسرائيل حربها في قطاع غزة، ولكن تحدي كل من إيران وكوريا الشمالية للعالم وإصرارهما على مواصلة العمل في برامجهما النووية يثير التكهنات حول لجوء إسرائيل أو الولايات المتحدة إلى ضربة استباقية ضد إيران على وجه الخصوص·
وفي العراق يحصد العنف الطائفي أرواح المئات من المدنيين أسبوعيا وينطوي على خطر تدهور الأمور الى حرب أهلية، في وقت تعترف فيه حكومتا العراق والولايات المتحدة أن العديد من المدن العراقية، بما فيها أجزاء واسعة من العاصمة، أصبحت خارج نطاق السيطرة·
بيد أن الاستنتاج بأن ذلك يمثل بداية لحرب عالمية ثالثة هو ضرب من المبالغة، فعالم اليوم تغيب عنه منظومة التحالفات التي كانت قائمة عام 1914 أو عدوان القوة العظمى لعام 1939· كما أن لكل من أزمات الصيف المنصرم جذورها المحلية القومية التي تربطها بخصوصيات مكانية أو سياسية أو ديموغرافية إثنية، لا صلة بينها·
ومع ذلك هناك خيط مشترك مهم بين كل هذه الأزمات المحلية من الناحية الإسمية، وهذا الخيط هو الآثار النابعة من العقدة العراقية" Iraq Syndrome·
فيروسات
لقد سمع الأمريكيون الكثير عن "عقدة فيتنام" التي قيل إن الأمريكيين تخلصوا منها في حرب الخليج 1991، بعد أن دفعتهم تلك العقدة الى الشعور بالإجهاد وانسحابهم من قضايا العالم وفقدانهم الثقة باستخدام القوة حتى في ظروف كان استخدامها له ما يبرّره، لقد جعلت صدمة فيتنام، الولايات المتحدة قوة عظمى مترددة، قوية ماديا وضعيفة سياسيا وتحجم عن الدفاع عن مصالحها·
وكانت عواقب هذا التطور، زيادة التحديات للمصالح الأمريكية لأن الخصوم استغلوا فراغ السلطة الناجم عن العقدة الفيتنامية، فطوال عقد من الزمن بعد حرب فيتنام، ردّ الاتحاد السوفييتي بزيادة كبيرة في مغامراته في العالم الثالث ووسّع نفوذه من القرن الإفريقي وحتى أمريكا الوسطى·
واليوم، يبدو أن دينامية مماثلة تحدث للولايات المتحدة· فمع الانقسام في الرأي العام الأمريكي وزيادة مشاعر القلق تجاه الحرب في العراق، ومع تورط القوات الأمريكية في العراق ومواجهتها لاختبار هام لمعنوياتها، يبدو أن عددا من الفيروسات التي استعصى عليها نظام المناعة السليم للسياسة الخارجية الأمريكية في الماضي، بدأ يخترق هذا النظام·
فقبل العقدة العراقية، كانت القوة الأمريكية تقوم بدور كبير في انضباط حزب الله وإيران وسورية، فبدلا من تشجيع حزب الله على المغامرة، كانت طهران تقوم بكبح جماحه، وبعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 على سبيل المثال، يُعتقد على نطاق واسع أن طهران عبرت - في مداولاتها الخاصة مع حزب الله - عن أملها بألاّ يكون الحزب متورطا في تلك الهجمات·
وتعاونت طهران مع الولايات المتحدة في إسقاط نظام طالبان في أفغانستان، وقدمّت سورية كل أشكال التعاون مع الحرب الأمريكية على الإرهاب، وأبدت رغبتها في التفاهم مع واشنطن، حتى أن قوى عظمى مثل روسيا، أبدت مرونة كبيرة في مواقفها تجاه واشنطن وقبلت موسكو بوجود قواعد عسكرية أمريكية في عدد من دول الاتحاد السوفييتي السابق المجاورة لها·
وبالمقارنة، حظي سلوك حزب الله المغامر في عام 2006 بمباركة طهران، وكذلك، فإن البرنامج النووي الإيراني الذي كان يخضع للرقابة والتفتيش من قبل الرادارات الغربية، خوفا من ردود الفعل الأمريكية، عاد الى العمل ثانية دون مراقبة لأن طهران لا تخشى معارضة واشنطن ويردّد الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في خطاباته المتكررة أنه "لا يمكن لواشنطن أن تفعل شيئا"·
وفي هذا الوقت، فإن كوريا الشمالية التي وافقت على وقف العمل ببرنامجها النووي مقابل عدد من الحوافز، أخذت تتمرد مؤخررا، مطالبة برشوة أكبر، وتعمل على تصنيع القنابل النووية، دون عقاب·
اختبارات وتحديات
ومن المحتمل أن تتجه "عقدة العراق" الى ما هو أسوأ، ومن المحتمل أن تشهد الولايات المتحدة مزيدا من التحديات من أطراف جديدة مثل حزب الله وطهران وبيونغ يانغ· إننا نتعرض لاختبارات كثيرة قد تخلق المزيد من التحديات للسياسة الخارجية للولايات المتحدة في المدى الطويل·
وربما يتوق الأمريكيون الى وقت أو فسحة ليجدوا فيها متنفسا، لكن الأرجح أن تخلق العقدة العراقية عللا كان يمكن تفاديها، بدلا من مضاعفتها كما يحدث الآن·
لقد تغلب الأمريكيون في نهاية الأمر، على عقدة فيتنام، وسوف يتغلبون على عقدة العراق، لكن هذه العقدة وضعت على كاهل الولايات المتحدة عبئا قد تحتاج فيه الى عقود، للتغلب عليها·
" عن: إنترناشيونال هيرالدتربيون"