رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 20 سبتمبر 2006
العدد 1743

قراءة في ما بعد الحرب على لبنان
ضربة كبرى أخرى تلقتها الهيمنة الأمريكية- الإسرائيلية

                                             

 

رامزي بارود:

كانت حرب الثلاثة والثلاثين يوماً على لبنان ذروة تطورات إقليمية ومن الصعب النظر فيها بمعزل عن الحرب الإسرائيلية الوحشية على غزة أو تعثر المشروع الإمبراطوري الأمريكي في العراق، ومن المنطقي إذن تأمل متضمنات نتائجها على المنطقة ككل بما في ذلك لبنان·

خلاف سورية مع لبنان، وانسحاب قواتها اللاحق في العام 2005 ترك البلد منقسما في العمق ولا يمكن اعتبار الشجار السياسي اللاذع في تلك الفترة شيئاً ينتمي الى الديمقراطية إلا بأهون المقاييس· لا شك بأن تجربة لبنان الديمقراطية سابقة على هذا التاريخ بزمن طويل، ولكن وفق قراءات إدارة بوش الانتقائية أن الضغط الأمريكي آنذاك متزاوجاً مع ما سمي ثورة الأرز هو الذي وضع نهاية للهيمنة السورية وأسهم بولادة ديمقراطية عربية "فذة"·

أما الحقيقة فهي كما هي الحال دائما تتعارض مع رواية إدارة بوش فقد حول الانسحاب السوري المفاجئ لبنان الى مربع نزاع مدني إن لم يكن مرتعاً لحرب أهلية محتملة·

فقد بدأت تتنافس مراكز القوى اللبنانية التقليدية على الهيمنة وأصبحت نزعة العصبيات مرة أخرى أكثر العناصر صلة بتقرير تكوين البلد السياسي، وبدأ حزب الله وقاعدة دعمه الشعبية المتوسعة عنصر إزعاج وسط تصاميم كبيرة لاعادة خلق لبنان جديد· فمقاومة مسلحة تسليحاً قوياً بغض النظر عن التهديد الإسرائيلي المنذر ستضمن هيبة الشيعة السياسية، الذين كانوا الفريق الأقل تمثيلا ومكانة في العملية السياسية، وقد تنافس أمراء الحرب السابقون، وهم ذاتهم ممثلون لمختلف الطوائف اللبنانية، على الهيمنة وتم خوض الصراع الساخن كما هو على السلطة تحت راية "كشف الحقيقة" في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري وبدت "الحقيقة" أحيانا هدفا هو الأقل الحاحا بين الأهداف الأخرى·

واحتاج حزب الله الى تعزيز وجوده في النقاش الدائر وبخاصة بعد خسارة سورية، الداعم المهم جداً، وهكذا وبغض النظر عن الطبيعة المحدودة للصدام الحدودي مع القوات الإسرائيلية في 12 يوليو، الذي جعل إسرائيل تهرع الى انتاج واحدة من أكثر مغامراتها العسكرية دحراً للذات استخدم حزب الله الفرصة بلا أي تحفظ·

ودخلت إسرائيل الحرب على أساس حسابات جاهزة مسبقا تم الإعداد لها منذ زمن طويل بدعم أمريكي كامل وهو ما ظهر بصفاقة منذ اللحظة التي سقطت فيها أول قذيفة إسرائيلية على لبنان لتدمير معظم بنيته التحتية في المطاف النهائي وقد أكد هذا مراراً وتكرارا المسؤولون الأمريكيون والإسرائيليون مثلما رواه أيضا الصحافي الأمريكي البارز بسيمور هيرش في "النيويوركر" "14 اغسطس" تحت عنوان "مصالح واشنطن في حرب إسرائيل·

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتخب حديثا في انتظار الفرصة التي ستصلب موقفه كرجل عسكري بارع وقاس  وهي صفة مهمة لأي قائد إسرائيلي وهو ما كانت وسائط الإعلام الإسرائيلية والمعارضة في حزب الليكود وما زالت تثير حوله الشك، وبما أن حربه المفتوحة على الفلسطينيين كعقاب جماعي  لهم على انتخابهم لحماس نجحت نجاحاً ضئيلاً، كانت الحاجة ملحة الى اتخاذ سبيل آخر·

لقد شنت إسرائيل حربها على الفلسطينيين على أمل أن تسقط حماس، إما مباشرة أو بإشعال حرب أهلية بين الفلسطينيين مثلما فعلت بتقوية وتسليح عصبة فتح، الخاسرة في الانتخابات الفلسطينية الأخيرة، لتشتبك مع قيادة حماس المنتخبة·

ومع أن الخطة نجحت الى حد قتل وجرح عشرات الفلسطينيين في صدامات عشوائية، إلا أن حرباً أهلية بدت غير ممكنة الوقوع، بل على العكس أصبحت حماس وفتح أكثر قرباً من اتفاق سيضمن قيام حكومة تتقاسم السلطة، ومن موقف سياسي لحماس أكثر اعتدالاً·

علاوة على أن حرب جبهة أخرى في لبنان ستسمح لإسرائيل بالزعم أنها تخوض معركة على جبهتين ضد الإرهابيين الإسلاميين كما يؤكد الناطقون الحكوميون دائما، ذاهبين الى مدى أبعد بحيث صاروا يصفون حماس بأنها "القاعدة بالنسبة لإسرائيل"· 

وكان هذا المنطق بالتحديد هو المنصة موضع الحاجة التي ستتيح أيضا لإدارة بوش مد يد العون وهو ما حدث بلا تحفظ لهزيمة أعداء إسرائيل وكل صلاتهم الداخلية أو هذا هو ما يذهب اليه منطق المحافظين الجدد القائل بأن حماس وحزب الله بطلا جدول أعمال إسلامي، وكلاهما تدعمه وتموله إيران "وهي نظام إسلامي" وسورية "وهي نظام علماني ولكن هذا لا يهم" وجميعهم عازمون على تدمير إسرائيل وأمريكا·

صحيح أن هذا منطق ساذج ولكن بوجود وسائط إعلام يمينية تنسج عليه فيمكن أن يبرر حرباً أخرى أو حربين·

وعلى أية حال كان معنى هذا المنطق المريح انخراطاً أمريكيا تاما في دعم إسرائيل خجلا فقط من قتال العدو قتالاً مباشراً "إنه وقت شرق أوسط جديد ووقت القول لاؤلئك الذين لا يريدون شرقا أوسطيا جديدا إننا سننتصر" بهذه الطريقة أرادت وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليسا رايس توصيل الطبيعة الجديدة لتحالف حكومتها مع إسرائيل خلال مؤتمر صحافي مشترك مع اولمرت بعد أسبوعين من اندلاع حرب لبنان·

وبهذه العبارة أعطت رايس إشارة الى دخول إسرائيل رسميا في النادي الأمريكي للحرب على الإرهاب·

حكومة بوش تصر على الانخراط في كوارث عسكرية جديدة للهرب من الكوارث القديمة· إن انتصاراً أي انتصار يمكن أن تكون الحاجة اليه ماسة قبل انتخابات نوفمبر في وقت يواصل فيه جمهور أمريكي غير متأثر بهذه الحاجة سحب دعمه لسياسات حكومته الطائشة· إن انتصاراً في حرب لبنان بوصفها حرب وكالة ضد إيران ستخدم مثل هذا الهدف خدمة جيدة·

من هنا لم يكن مجرد صدفة في رأيي أن حرب إسرائيل "دفاعاً عن الذات"، على لبنان كما زعم بوش تم توقيتها لتغطي على فشل اكتساح الإدارة العسكري الأحدث لبغداد، وعودة آلاف الجنود الى المدينة الغارقة في الحرب في وقت تحدثت فيه الإدارة الأمريكية على نطاق واسع عن امكانية تخفيض القوات· لقد كانت الحرب على افغانستان هي النصر الوحيد المزعوم على الإرهاب، وحتى هذا المكسب بدأ يضيع تدريجياً·

القليلون توقعوا أن تنتج حرب لبنان مثل هذه النتائج غير المسبوقة· فرغم الحرب الخطابية كان واضحاً بعد إعلان وقف إطلاق الأعمال العدائية مباشرة وفقا لقرار الأمم المتحدة رقم 1701 أن إسرائيل أخفقت ولأول مرة في إخضاع خصم عربي عسكريا· لقد أخفق ما يزيد عن 30 ألف جندي إسرائيلي مسلحين بأفضل ما تستطيع الأموال الأمريكية شراءه في هزيمة 1200 من مقاتلي حزب الله المسلحين تسليحاً خفيفا، اما كيف ستؤثر مثل هذه النكسة التاريخية على النفسية الإسرائيلية الجماعية فهو ما سنراه في الأيام القادمة رغم قلقي من أن الفلسطينيين هم الذين سيشعرون بمحاولة إسرائيل المحرقة لترميم ثقتها بنفسها·

أما بالنسبة للتأثير على النفسية العربية المعتادة على الهزائم والشكاكة في دعاوى النصر بلا برهان، فإن مشاهدة برنامج واحد من برامج الاحتفاء بالنصر مع الناس على شاشة "الجزيرة" تتحدث بما يملأ مجلدات·

وفي وسط النقاش الساخن والمكثف ذي الصلة بالإصلاح السياسي الذي يلوح في الجو في لبنان، يبدو أنه تم نسيان نقاش أكثر أهمية وذي علاقة بنتائج الحرب هو العلاقة بين حرب لبنان والمستقبل الحقيقي للشرق الأوسط· لقد تلقت الحركة الحربية التي أريد بها سحق أي مشروع وطني ذي معنى، وضمان الهيمنة الاقتصادية والاستراتيجية الأمريكية والإسرائيلية على المنطقة ضربة كبيرة أخرى في لبنان·

كاتب وصحافي امريكي يقيم حالياً في لندن آخر كتبه الصادرة حديثا يحمل عنوان "الانتفاضة الفلسطينية الثانية" يوميات كفاح شعب "مطبعة بلوتو، لندن"·

عن موقع: www.Palestinechronicle.com

طباعة  

قبل أن ينجلي غبار الحرب في لبنان:
بلير وبوش يعدان خطة سرية لحل كل مشاكل الشرق الأوسط بضربة واحدة!

 
بضغط إسرائيلي- أمريكي- بريطاني مشترك
الحكومة الهندية تمنع الهند كلها من مشاهدة القنوات العربية!