رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 12 يوليو 2006
العدد 1736

ما أشبه عراق اليوم بالبوسنة في التسعينات!

                                                   

 

بقلم باتريك كوكبيرن:

في كل أنحاء وسط العراق هناك هجرة جماعية لأناس يفرّون للنجاة بأنفسهم من عمليات الاغتيال الطائفية وفرق الموت التي تلاحقهم، فالعراق، في الواقع، يتعرض للتفتيت وتجري عمليات تطهير طائفي على نطاق واسع· العراق الآن أصبح يماثل البوسنة في التسعينات، وحين كان التناحر العرقي على أشدّه·

لقد أصبحت العائلات من الأقليات الطائفية أو العرقية في مختلف مناطق العراق تتلقى التهديدات بالرحيل أو التعرض للقتل، فمثلا يقول مواطن كردي يعمل في سوق الخضراوات في بعقوبة ذات الغالبية السنية "إنهم يهددون الشيعة والأكراد ويطلبون منهم الرحيل"، وبالفعل، اضطر للرحيل مع عائلته واللجوء الى مدينة خانقين·

ويحدث الشيء ذاته من عمليات ترويع وهروب وعمليات قتل على الهوية في المحافظات المختلطة في مختلف أنحاء العراق· ولم يعد بوسع العراقيين تجاهل التهديدات التي يتلقونها بعد كل ما يسمعونه يوميا من عمليات قتل وقتل مضاد·

فقد حدث في بعقوبة مؤخرا أنّ مسلحين أمروا حافلة بالتوقف وأنزلوا ركابها وفصلوا النساء عن الرجال، وقتلوا 11 رجلا كانوا في الحافلة، ويعثر بشكل يومي، على عشرات الجثث التي تعرّض أصحابها للتصفية بعد تعذيبهم·

وقد لا تكون الحرب الطائفية قد اشتعلت في العاصمة، لكن المحافظات المحيطة بها أصبحت الآن شديدة الخطورة لدرجة يصعب على الصحافيين من دخولها إلا إذا كانوا يرافقون القوات الأمريكية، وقد قابلت ضابطا في الجيش العراقي في الموصل قبل شهرين قال لي إن السنة والشيعة يذبحون بعضهم "وكل أقلية عليها أن ترحل من المكان الذي تعيش فيه، أما إذا كان الطرفان متكافئين فيخوضان حرب تصفية حتى النهاية"·

 

هروب الطبقة الوسطى

 

لقد كان من المتعذر الوصول الى بعقوبة عاصمة محافظة ديالا من بغداد، دون مواجهة خطر شديد على حياتك في الطريق· وأعتقد أنني إذا سلكت الطريق من كردستان جنوبا بمحاذاة الحدود الإيرانية وبقيت في المناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد، فيمكنني الوصول الى مدينة خانقين التي يصل تعداد سكانها إلى أكثر من 75  ألف نسمة في شرق ديالا، وبالفعل وصلت الى هناك، والهدف من الرحلة هو مقابلة اللاجئين الذين لابد وأن يلجؤوا الى هذه المدينة إذا صدقت أقوال الضابط في الجيش العراقي عن الاقتتال الطائفي، وكنت آمل أن أتمكن من الحديث مع أكراد لجؤوا إلى خانقين مؤخرا فرارا من القتال·

سلام حسين رستم، رجل شرطة يتولى مهمة تسجيل واستجواب الناس الذين يصلون من مختلف أنحاء العراق، ولدى حديثي معه، أشار الى كومة ضخمة من الأوراق التي احتواها ملف قديم الى جانبه، وقال "استقبلت عشرين عائلة مؤخرا، وكان معظمهم الأسبوع الماضي"، وهذا يعني أن أكثر من ألف شخص حاولوا إيجاد ملجأ لهم في خانقين·

وأضاف رستم أن "هؤلاء لم يغادروا المناطق التي يعيشون فيها بسبب التهديدات التي تلقوها، بل أيضا، لأنهم طُردوا من أماكن عملهم لأنهم من طائفة الأقلية في ذلك المكان، وأنا أعرف حالة ممرضتين كرديتين طردتا من عملهما في منطقة شيعية"·

وربما حدث ذلك لأن وزارة الصحة العراقية كانت تخضع لسيطرة حزب مقتدى الصدر·

وقد بدأ هروب أبناء الطبقة الوسطى من العراق بعد وقت قصير من الغزو الأمريكي في أبريل 2003، وحين اتضح أن العراق بدأ يشهد حالتي الفوضى والعنف اللتين لم يشهدهما من قبل·

لقد اتجهت هذه الطبقة إلى الأردن وسورية ومصر، وكانت العمليات الانتحارية تستهدف - بالدرجة الأولى - المواطنين الشيعة الذين بدؤوا بالرد الانتقامي، كل هذه العمليات بعد أن تسلموا السلطة في شهر مايو من العام الماضي، وتورطت وزارة الداخلية، وخاصة الشرطة الكوماندوز، في عمليات اعتقال وتعذيب وقتل ضد مواطنين سنة·

 

خطوة حاسمة

 

ولكن الخطوة الحاسمة باتجاه تقليب سيناريو الحرب الأهلية فقد ابتدأ في شهر فبراير الماضي، حيث تم تفجير مرقدي الإمامين المهدي والعسكري في سامراء، وهو الحادث الذي أطلق العنان لموجة عنف عشوائية راح ضحيتها أكثر من ألف وثلاثمئة سني·

ويقول رجل شرطة يدعى كاظم والذي نزح مع عائلته هو الآخر "إن كل شيء أصبح أسوأ بعد حادثة سامراء، لقد تعرضت للتهديد من قبل، ولكني أشعر اليوم بأنني سأقتل في كل مرة أخرج فيها الى الشارع"·

ولكل من السنة والشيعة والأكراد قصص من الجرائم التي ارتكبوها، ولكن حادث تفجير المرقدين في سامراء أشعل نار الفتنة الطائفية والعنف في كل قرية ومدينة يعيش فيهاخليط من السنة والشيعة· وفي حالات كثيرة كانت الأقلية في هذه المدينة أو تلك صغيرة جدا ولم تتمكن من الصمود فاضطر أفرادها الى الفرار للنجاة بأرواحهم فقد فرّ الكثير من السنة من مدينة البصرة بعد سلسلة من عمليات القتل· وبدأ المسيحيون يختفون من مدينة الموصل ويتعرض الشيعة للقتل أو التهجير من المناطق السنية شمال بغداد مثل بعقوبة وسامراء·

وقد بدأ سكان قرية الدجيل يدفعون ثمنا باهظا منذ بدء محاكمة صدام حسين بتهمة قتل 148 شخصا من سكان القرية في أعقاب محاولة اغتيال فاشلة تعرض لها الدكتاتور عام 1982، وذلك لأنهم يدلون بشهاداتهم ضده في المحكمة·

فعلى مدى الأشهر القليلة الماضية، يقوم المتمردون بإيقاف أبناء المدينة على نقاط تفتيش وهمية على الطريق الموصل بين الدجيل وبغداد، بحيث يقوم رجال ملثمون بالتدقيق في هوياتهم ويقومون بتصفية من يعرفون أنه من سكان القرية·· وقتل حتى الآن عشرون شخصا ومازال أكثر من هذا العدد مجهولي المصير·

"الإندبندنت"

طباعة  

تحالف أمريكي - بريطاني - إسرائيلي للسيطرة على نفط آسيا الوسطى
 
لا يمكن لإسرائيل الاعتماد على أمريكا إلى الأبد!