رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 12 يوليو 2006
العدد 1736

لا يمكن لإسرائيل الاعتماد على أمريكا إلى الأبد!

                                                                        

 

بقلم: طوني جوت*

ينبغي لأية دولة عند بلوغ سن الثامنة والخمسين - كما الرجل - أن تصل درجة النضج، فيجب بعد ستة عقود تقريبا أن نعرف من نحن وكيف نبدو في عيون الآخرين·

وعلى الرغم أنه لا تزال لدينا بعض الأوهام حول أنفسنا، فإننا ندرك أنها في النهاية مجرد أوهام· باختصار، من المفترض أننا في مثل هذا السن، قد بلغنا سن الرشد·

ولكن دولة إسرائيل التي مضى على إنشائها  58عاما، مازالت غير ناضجة على نحو يثير الغرابة، فالتحولات الاجتماعية في هذا البلد - والعديد من إنجازاتها الاقتصادية - لم تجلبا الحكمة السياسية التي عادة ما ترافق السن، فإسرائيل، كما يُنظر إليها من الخارج، لا تزال تتصرف كمراهق، حيث الثقة الزائدة بتفرّدها وقناعتها بأنه لا أحد "يفهمها"، والتسرع في الشعور بالمهانة وتوجيهها للآخرين، ومثل الكثير من المراهقين، فإن إسرائيل مقتنعة، وتؤكد بقوة، أنها قادرة على فعل ما تشاء وبأنه لن يكون لأفعالها أية انعكاسات، وبأنها خالدة·

وقد يقول القراء الإسرائيليون إن هذه وجهة نظر متجنية من مراقب للأحداث من الخارج، وإن ما يبدو للمراقبين من الخارج تصرفات لا تعير اعتبارا للآخرين، ليس سوى حقيقة بسيطة تتمثل في دولة صغيرة مستقلة تفعل ما فعلته دول أخرى مثلها على الدوام، أي حماية مصالحها في منطقة تشعر أنها محاطة بها بالأعداء من كل جانب·

لماذا يتعين على إسرائيل التي تتعرض للمتاعب، أن تلتفت للانتقادات الخارجية والإصغاء إليها؟ لأن العالم تغيّر والمواقف فيه تغيّرت· وفي الواقع فإن هذه التغيرات - التي يفوت على إسرائيل بدرجة كبيرة إدراكها - هي التي أود لفت الانتباه إليها· فقبل عام 1967، ربما كانت إسرائيل دولة صغيرة تتعرض للتهديد، لكنها لم تكن مكروهة، خاصة في الغرب، ومعظم المعجبين بإسرائيل (من اليهود وغير اليهود) كانوا يعرفون القليل فقط من مأساة الفلسطينيين عام 1948، وكان يحلو لهم أن يروا في إسرائيل التجسيد الأخير في القرن التاسع عشر لنموذج الاشتراكية الزراعية، أو كونها منارة التحديث التي جعلت "الصحراء أرضا يانعة"·

 

تأييد كاسح

 

وأذكر كيف أن الرأي العام الطلابي في جامعة كامبريدج في ربيع عام 1967 كان مؤيدا بشكل كاسح لإسرائيل قبيل اندلاع حرب الأيام الستة، وكيف  أنه لم يكن يعير اهتماما كبيرا للفلسطينيين أو لتواطؤ إسرائيل مع بريطانيا وفرنسا في مغامرة قناة السويس المأساوية عام 1956، حتى إن الحماس في تأييد الفلسطينيين من قبل بعض المجموعات اليسارية الراديكالية بعد الستينات كان يوازيه تنامي الإدراك العام بالهولوكوست، كما أن إقامة المستوطنات اليهودية غير الشرعية في الأراضي المحتلة وغزو لبنان، لم يغيرا التوازن القائم في الرأي العام العالمي·

ولكن كل شيء أصبح مختلفا اليوم، ويمكننا أن نرى، بنظرة استرجاعية، أن انتصار إسرائيل في حرب 1967 واحتلال الأراضي الفلسطينية، أصبح النكبة الحقيقية للدولة اليهودية، إنها كارثة أخلاقية وسياسية على السواء· لقد أدت الممارسات الإسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة  إلى تضخيم مساوىء إسرائيل أمام العالم الذي يراقب عن بُعد، لقد كانت عمليات القمع والتنكيل مألوفة لأقلية صغيرة في العالم ذات يوم، أما اليوم، فإن شبكات الإنترنت وأطباق الأقمار الصناعية تضع السلوك الإسرائيلي أمام رقابة العالم عن كثب بصورة يومية، وكانت النتيجة تحولا كاملا في رؤية المجتمع الدولي لإسرائيل·

لقد وجدت رؤية العالم لإسرائيل تعبيراً لها في رسوم كاريكاتورية وضعت فيها نجمة داود على الدبابة، فاليوم، الضحايا الجماعيون والأقلية التي تتعرض للاضطهاد، ليسوا هم اليهود، بل هم الفلسطينيون· هذا التحول لم يدفع القضية الفلسطينية كثيراً، لكنه غيّر صورة إسرائيل الى الأبد، فعقدة الاضطهاد التي استغلتها إسرائيل كثيرا وطويلا، لم تعد تستدّر لها التعاطف· وتقمُّص دور الضحية في الرواية الإسرائيلية أصبح أمرا مستهجنا في نظر الكثيرين، إنه تخلف جماعي للإدراك، فإسرائيل في نظر العالم هي دولة طبيعية لكنها تتصرف على نحو غير طبيعي، أما بالنسبة إلى الاتهام بأن انتقاد إسرائيل هو معاداة ضمنية للسامية، فينطوي على خطر أن يفقد هذا الاهتمام معناه، فالسلوك الإسرائيلي الطائش وإصرارها على تصوير الانتقادات لها بأنها معاداة للسامية، أصبح الآن يمثل المصدر الرئيسي للمشاعر المناهضة لليهود في أوروبا الغربية ومعظم أنحاء آسيا· وإذا كان بوسع قادة إسرائيل تجاهل مثل هذه التطورات فذلك لأنهم يعولون على التأييد المطلق من الولايات المتحدة الدولة الوحيدة في العالم التي تعتبر مناهضة الصهيونية فيها رديفاً لمعاداة السامية في نظر التيار السياسي العام والإعلام فهذه الثقة بالتأييد الأميركي غير المشروط قد تلقي بإسرائيل الى التهلكة لأن شيئا ما بدأ يتغير في الولايات المتحدة فهناك على ما يبدو ارتباط متزايد بين أمريكا وإسرائيل لا انفصام منه بحيث تؤدي أفعال أي منهما الى تفاقم النزعة الشعبية المناهضة لهما معاً·

لهيب أكثر من الضوء

ولكن في ظل وضع لا خيار فيه لإسرائيل سوى الاعتماد على الولايات المتحدة كونها دولة كبرى، والدول الكبرى لها مصالحها التي قد تؤدي في نهاية المطاف الى تراجع الهوس المحلي بالدول الوكيلة، حتى لو كانت أوثق الحلفاء·

ويبدو لي أمراً بالغ الأهمية أن تثير مقالة الأستاذين جون ميرشايمر وستيفن والت التي نشرت في عدد شهر مارس من "مجلة London Review Of Books" هـذا القدر الكبير من الجدل، صحيح أنه لم يتسن للكاتبين وباعترافهما نشر هذه المقالة حول تأثير اللوبي الإسرائيلي على السياسة الخارجية للولايات المتحدة في أي من المجلات الأمريكية الرئيسية ولكن الأهم أنه ما كان لهما أن يتمكنا من نشرها على الإطلاق قبل عشر سنوات من الآن، والأكثر أهمية أيضا، أن الجدل الذي أثارته المقالة أحدث لهيبا أكبر مما سلط الأضواء حول القضايا المثارة·

 

الحبل السري

 

والحقيقة أن الغزو الكارثي للعراق وتبعاته احداث تغيرا هائلاً في الجدل الدائر حول السياسة الخارجية للولايات المتحدة لقد أصبح واضحاً للمفكرين البارزين في مختلف ألوان الطيف السياسي من المحافظين الجدد الداعين الى التدخل في العالم من أمثال فرانسيس فوكوياما "قبل أن يتغلب على المحافظين الجدد" إلى شديدي الواقعية من أمثال ميرشايمر أن الولايات المتحدة عانت خلال السنوات القليلة الماضية، من فقدان قدر كارثي من نفوذها الدولي وتدهور صورتها، ويتعين عليها الآن، القيام بجهود كبيرة لإصلاح ما أفسدته وخاصة على صعيد تعامل واشنطن مع مناطق حيوية اقتصاديا واستراتيجيا من العالم، ولكن ذلك لن يكتب له النجاح طالما سياستها الخارجية مرتبطة كالحبل السري باحتياجات ومصالح دولة شرق أوسطية صغيرة ولا تمثل شيئا يذكر لمخاوف الولايات المتحدة طويلة المدى دولة أصبحت تشكل عبئا على الأمريكيين كما ورد في مقالة ميرشايمر وولت· وبالتالي فإن هذه المقالة تمثل مؤشراً على اتجاه الجدل الدائر في الولايات المتحدة حول علاقتها الشاذة بإسرائيل، وبالطبع أثارت المقالة انتقادات حادة واتهامات كما توقع الكاتبان بمعاداة السامية ولكنه من المدهش أن نرى قلة عدد الناس الذين يأخذون هذه الاتهامات على محمل الجد، وكيف أصبح بالإمكان توقع مصادفة مثل هذه الاتهامات وهذا أمر سيء لليهود لأنه يعني أن الاتهامات الحقيقية بمعاداة السامية قد لا تؤخذ على محمل الجد مستقبلا، ولكنه أسوأ بالنسبة لإسرائيل·

فهناك وجهة نظرا تذهب إلى أن إسرائيل مقبلة على مستقبل مظلم فهذه ليست المرة الأولى التي تصبح فيها الدولة اليهودية على هامش اهتمامات امبراطورية عظمى فهي تصر على إغماض عينيها عن خطر أن تدفع تجاوزاتها بالراعي الإمبريالي إلى ما هو أبعد من مجرد الانزعاج لسلوكها، وعدم قدرته على إيجاد أصدقاء جدد، ومع كل ذلك ما زالت هناك الكثير من الخيارات أمام إسرائيل الحديثة ولأن هذه الدولة تعاني تحديدا من حالة عدم ثقة بها في العالم، فإن إحداث تغير في سياستها على سبيل تفكيك المستوطنات الكبيرة وفتح باب المفاوضات غير المشروط مع الفلسطينيين·· الخ، قد تكون لها نتائج مفيدة·

إن إدخال تعديلات راديكالية على استراتيجيتها "يستدعي عملية تقييم صعبة لكل وهم من الأوهام التي تعيش عليها هذه الدولة هي ونخبها السياسية  وسوف يتعين على إسرائيل أن تقر بأنها لم تعد تحظى بتعاطف دولي خاص، وبأن الولايات المتحدة لن تظل دائما إلى جانبها وبأن المستعمرات مصيرها في النهاية الى زوال ما لم تكن لديك الرغبة في طرد أو القضاء على سكان البلاد الأصليين·

لقد فهمت دول أخرى وقادتها هذه الحقيقة فقد رأي شارل ديغول أن الاستيطان الفرنسي في الجزائر له انعكاسات كارثية على بلاده فقرر بشجاعة سياسية منقطعة النظير الانسحاب من الجزائر ولكن حين وصل ديغول الى هذا الإدراك كان رجل دولة ناضج يبلغ السبعين من عمره ولا يمكن لإسرائيل انتظار كل هذا الوقت لقد حان الوقت لها أن تكبر·

مدير معهد ريمارك

Remarque Institute بجامعة نيويورك

فايننشال تايمز

طباعة  

تحالف أمريكي - بريطاني - إسرائيلي للسيطرة على نفط آسيا الوسطى
 
ما أشبه عراق اليوم بالبوسنة في التسعينات!