رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 14 يونيو 2006
العدد 1732

اتجاهات إبداعية متباينة لثلاثة أجيال شعرية
رابطة الأدباء تختتم موسمها بالشعر والكلمة الساحرة

                                                     

 

كتب المحرر الثقافي:

وسط حضور جماهيري كبير اختتمت رابطة الأدباء موسمها الثقافي بأمسية شعرية، تميزت بالتنوع والثراء من حيث اللغة الشعرية، والاتجاهات الفكرية والإبداعية لشعرائها، لذا فإننا نجد في هذه الأمسية ستة شعراء يمثلون أجيالا مختلفة ولكل رؤيته الخاصة، وطريقته في الكتابة والتفكير والإلقاء·

والشعراء المشاركون هم: خليفة الوقيان، سعيد شوارب، محمد هشام المغربي، وليد القلاف، سامي القريني، والشاعر السعودي أحمد اللهيب وأدار الأمسية الشاعرة منيرة الهبيدة·

 

الحزن والمدينة

 

الشاعر السعودي أحمد اللهيب كان أول المنشدين حيث قرأ عدة قصائد منها: "صوتنا الظاهرة" و"إيراق يوغل في محجرذا كوتي" وقد تميزت قصائده بنبرة حزن ولغة تميل الى التصوير الرومانسي، حيث الشكوى من المدينة وما تحدثه في روح الإنسان  من خدش وألم يقول في قصيدة "إيراق يوغل في محجرذا كوتي:

"الحزنُ، والليلُ الطويلُ، وأنة خرساء لا تحكي الذهول، والحلمُ يلمعُ من بعيد··

وجعُ انتظار·

فتبسّمت جدرانُها موبوءة بالشوق يغزوني ويمنحني الضياع·

يا للمدينة! كيف تعبرني رياح المستحيل··

أنا هنا،

لا عبرتي نامتْ على مهد نسيت حكايتي فيه ولا صوتٌ يبددُ لوعتي·"·

وبعد تلك المواربة واللغة الموغلة في الحزن، ينتقل الشاعر وعبر التناص مع آي القرآن الكريم الى مرحلة أجل وأخطر حين يعلن موته على يد المدينة القاتلة يقول:

وخرجتُ منها خائفا أترقبُ الجدران أن تنبئني الرحيل··

حقائبي يغتالها ألم، ويلذعُني الحنين، وفي المدينة قاتل وأنا القتيل!·

إن المعجم اللغوي للشاعر اللهيب - حسب ما استمعنا إليه - وما قرأنا له من قصائد يؤكد ما ذهبنا اليه باعتداد الشاعر بذاته واللجوء الى نفسه المثقلة بالألم والحزن متى ما دعت الضرورة يقول:

تغتالكُ الأمنيات··

فتنزاح ذاكرة من حنين:

قل: الحزنُ من أمر قلبي، وما أملك اليوم إلا قليلا من الصبر وبعضا من الذكريات التي لم تزل، فأنى لقلبي ما تأفكون·

 

لن يجدوا البحر

 

الشاعر د· سعيد شوارب يتميز بلغة ترميزية تميل نحو الهم الإنساني الشامل، وهو مشغول بقضايا الأمة العربية، وهمومها التي لا تنتهي، كما هو واضح من قصيدة "لن يجدوا البحر" إضافة الى أن قصائده تتميز ببنية إيقاعية محكمة، وقد بدا لنا من متابعتنا لنتاجه الشعري أنه حريص على تنقيح قصائده من جميع الشوائب قبل أن تنشر على الملأ، إنه شاعر ينشد الكمال في جميع ما يكتب، يقول في قصيدة طوقيني:

طوقيني·· ربما ركّبت للكلمة ريشا

ربما فجرت بالريشة نهرا وسط هذا العطش المقتول··

في صحراء روحي!!

ربما أطلعتُ بالريشة فجرا في دجى الأطفال··

ومن أيام "نوح"!!

فإذا الريشة أشواق·· وأنهار·· وأسرار··

ومعراج تناهى·· وشهود!!

سوقيني·· ربما صرت بقاء حين يفنى ألق الدر··

ومن قصائده التي تحكي الهمّ العربي قصيدة لن يجدوا البحر" حيث يقول:

عناقيدٌُ من الأشلاء،

ذئب ناشب، وغنمْ وصرخاتُ السكارى، دمدمات الريح·· قصفُ خضَمْ!

وسالومي، ويا هوذا،

بقايا مصحف، ونغم

وطفل قدرمته الريح

 يعول، والزمان صمم وشيخ ذاهل·· رجلاه لا تمضي، ولا تسلم

تولاه زمان الحزن·· هدّم فيه ما هدّمْ

والقصيدة مليئة بالتناص مع آي القرآن الكريم، التي يوظفها الشاعر لخدمة القضية التي يكتب عنها·

 

لا توقدي ناري

 

الشاعر سامي القريني قرأ قصيدة وجدانية معبرة بعنوان: "ياجنتي لا توقدي ناري" مستخدما التورية اللفظية منذ عنوان القصيدة، فالشاعرة المعروفة جنة القريني، هي والدة الشاعر، حيث احتضنته بحنانها ورعت إبداعه منذ اللحظة الأولى لميلاد الكلمة لديه، والشاعر سامي القريني في هذه القصيدة يبدو مختلفا عما ألفناه من شعره، حيث العاطفة شديدة التدفق، والصورة الشعرية متنوعة ومكسوة بألوان الربيع وجماله المتدفق يقول:

أميّ أحسّّك توأمي

وأحسُّ بعضَ حليبك الأزليّ يسكنُ في فمي

أمي أخافُ عليك حتى من أعاصيرِ الدقائق وهي تقتلعُ السنينْ

وأخافُ أن يمضي الزمانْ

وتجفّ أوردةُ المكانْ

ويموتَ مقتولاً على صدري الحنينْ

من لي سواكِ··؟!

أنتِ التي قدّستُها،

وحفظتٌ عنها كلّ أشعاري

يا وردتي وحبيبتي ومليكتي وعظيمتي

يا جنّّتي لا توقدي ناري!

كما قرأ الشاعر القريني قصيدة "حفار المتاهة" التي يقول في بعض مقاطعها:

لملمتَ ريشكَ وانتظرتَ طويلا

ودفنتَ قلبَكَ في الثرى إنجيلا

وشممتَ صبرَك كنت منتشيا به

لكنّك اخترت المصيرَ رحيلا

كل الكواكب فوق ظلكَ ترتمي

وتفيضُ في حيّ المدامع نيلا

لملمتَ ريشك كي تعود مغرداً

وسقطتَ عن فرس الزمان قتيلا

 

تداعيات الوهم

 

الشاعر محمد هشام المغربي ومنذ صدور ديوانه الأول (  ) اختط لنفسه طريقا ونهجا خاصا في كتابة القصيدة، حيث غلبت على أشعاره اللغة المجازية المكثفة، والصورة الشعرية المعقدة، متداخلة الجوانب، وهو نهج اتبعه أكثر شعراء العربية في فترة السبعينات، حيث الحداثة في أوج عزها، وإن كانت هذه الطريقة في الكتابة الشعرية، قد بدأت تخبو في أيامنا هذه·

 يقول في قصيدة (تداعيات الوهم  في سلوة الجسد):

لم أعدْ أكتبُ شعرا

منذٌُ أمسينا كُسرنا

لا المساءات مساءات ولا الحزن

كئيبُ في الثنايا كقطارْ

أغلقُ النفس على القهوة والعطر ولون الماء: ما يحفظه المشهد منك·

استلني التوق محاقا

 وقرأ المغربي قصيدة (صائبة الطين) حيث يقول في مفتتحها:

كنتُ أنا

من قرأ الظلمة والنّور

وكبّر: باسم الله، وغادَرَ في الصلوات·

 

الوحدة المثلى

 

الشاعر وليد القلاف كان وفيا للتراث، فلم يخرج عن أوزان الخليل بن أحمد، حيث قرأ قصيدتين تميزتا بلغة سلسلة منسابة، وصور شعرية قريبة من الوجدان، وعلى الرغم من طول النفس الشعري في قصيدة "الوحدة المثلى" - وهي قصيدة وطنية - إلا أننا لا نجد تكلفا في الصياغة والأسلوب، يقول:

تفجرّ الشعرُ في الوجدانِ وازدحما

حتى غدا الجسمُ منهُ يا كُويتُ فما

وغنّت الروح من إيحائه نغما

هو النشيد الذي نعْلي به العلما

لله أنت وقد هيأتِ واحته

لكي نراها بعين العاشقين حمى

ونرتدي من شذاها العذب أجنحة

بها نحلق في الحلم الذي ارتسما

وقرأ القلاف كذلك قصيدة "السهاد" وهي من القصائد التي تخاطب الوجدان، وتميل نحو الحكمة والتأمل في الوجود، يقول:

قضى من ليلنا وطره

وأرهَقَ كلّ من حضره

سهادٌ كلما ائتلقت

كواكبنا نرى كدره

وليس بغير ظلمته

يُقيم المكرُ مؤتمره

دعاه الى الحضور وما دعا دمنا الذي هدره

 

تسابيح

 

الشاعر الكبير د· خليفة الوقيان، يستدعي التراث في قصيدة (تسابيح) وذلك عن طريق استخدام التنامي المضموني، في حالة تماه واضحة، مع النصوص الدينية، وأحداث التاريخ يقول:

جاء الطوفانْ

وتفجّرت الأرض عيونا

كالبركان

وجبالا من موج

يغمرُ كلّ الوديان

كنعان الجانحُ يلقى السيل

وحيدا

يطفو حينا

يرسب حينا

وتمرُ الفُلْكُ

فتحمل من كل زوجين اثنين

والقصيدة تعلوها مسحة صوفية واضحة، كما أنها لا تخلو من الإسقاطات السياسية على المرحلة الراهنة·

وقرأ د· الوقيان كذلك قصيدة (المجد للظلام) التي تميزت بلغة شعرية مغرقة في المرارة والألم يقول:

المجدُ للظلامْ

للصوص السارقين من فمِ الرضيع

لثغةَ الكلامْ

الغاصبين من جفون أمه

شهية المنام

وفي ختام الأمسية صعد الى منصة التكريم عبدالله خلف وبدر الرفاعي، ورجا القحطاني، حيث قاموا بتكريم المشاركين في أنشطة رابطة الأدباء للموسم الثقافي المنصرم·

 

                           

   

طباعة  

رؤية
 
إصدارات
 
قصة قصيرة