رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 24 مايو 2006
العدد 1729

مقال

الشباب المصادَر

 

أحمد العجمي

لا ضوء

لا سماء تتسع لقليل من الفراشات،

شديد وقاس هذا المد

يجرف المدينة

إلى الأعماق!؟

رغم أن فئة الشباب هي الفئة التي تشغل أكبر مساحة من الهرم السكاني في مجتمعاتنا، وبالتالي يفترض نظرياً أن يكون مجتمعنا شاباً، متوهجاً في حراكه ومشتعلاً في طاقاته، متجدداً وقادراً على التوجه نحو المستقبل ! إلاّ أن المشهد المنظور يروي غير ذلك، حيث إن هذا المجتمع ولأسباب ناصعة تنقصه الديناميكية ويوشّحه الانزلاق إلى الخلف، وتقوده فكرة الشيخوخة التي يغذيها ويدعمها القمع والاستحواذ عن طريق استكراه التغيير وربط التطور بالضلالة والانحراف عن التراث والدين والقيم، وبالتالي إخضاع دينامو الحراك، وهم الشباب، للأبوية المستمرة والضبط المحكم، وتوصيفهم بعدم النضوج، الأمر الذي يستلزم الخوف منهم، تحت عبارة الخوف عليهم!

 فمازال مجتمعنا مجتمعاً أبوياً، ويجل الهيمنة ويمدحها، ويعرف كيف يمارسها في كل ضوء وظلمة، ولهذا فإن كل مؤسسات المجتمع ابتداء من الأسرة وليس انتهاء بالدولة، يعملون بتراتبية مضمورة، وإيقاع رتيب ومكرور، على فكرة البنوة الأبدية التي لا تسمح للأبناء، مهما كبروا، بالنضوج المعرفي الذي يتيح لهم اختيار أفكارهم ومعتقداتهم التي تمنحهم الاتصال بالحاضر والتواصل مع المستقبل، وإنما يجب أن يكونوا تحت مقولات مصاغة بتناص بيولوجي ( الزرع يطلع على بذره، والظفر لا يخرج من اللحم · · · إلخ )، وبالاستقلالية في تحديد خياراتهم ومساراتهم، ولا بالمشاركة في صياغة نمط حياتهم ومستقبلهم، وإنما يعلمون ويدربون على الولاء المطلق والطاعة العمياء لكل ما يصدر من الآباء ! وهذا التدجين الممارس على الشباب ربما هو ما يدلل على الانشراخ الذي تشعر به وتحياه هذه الفئة، وتتعايش معه بتناقضات تسهم في تنميط صورتها، التي تفضلها أن تكون هامشية ومنقادة للماضي و التوهان فيه !

مؤسسات الإخضاع :

تتسم المؤسسة مهما كان شكلها، دائماً، برغبة شديدة ونزوع حاد نحو الثبات بوصفه استقراراً يوفر طمأنينتها واستمراريتها، ومدركة في الآن ذاته أن هذا لا يتحقق إلا بإطفاء بريق التمرد، وتجفيف منابع الفوران، وتكريس مظلة الإخضاع ضد الكائن الكامن في أحشائها، والمهدد في أي لحظة لتحريك أسسها وفضاءاتها، وبالتالي تفكيك هدوئها الوهمي· فمن خلال المنزع البيولوجي للإنسان، وبالخبرات التاريخية والحياتية لمؤسسات الأسرة، ومؤسسات التربية والتعليم، ومؤسسات المجتمع المدني، والدولة، تم الاتفاق الضمني تحت قبة حلف القمع والمصادرة، على أنه لابد من السيطرة المستمرة على هذه الطاقة المخربة المنحرفة التي ستجلب الخراب والطوفان، عبر ذهابها نحو الاستقلالية والمطالبة بالتغيير ورفع وتيرة الحراك مما يجعل هذه المؤسسات عرضة لعدم الاستقرار المزمن، ويقذف بالمجتمع في مدارات لا يمكن التحكم بها من قبل الآباء، فيفقدون سيطرتهم لصالح الشباب!

شبكة القمع والإهدار :

وللعين الراصدة والناقدة أن تكتشف شبكة التدجين التي تحيكها هذه المؤسسات بسلطتها القامعة، وهذه الشبكة القديمة والمتقنة، لا تسمح بترشيح أي فكرة أو سلوك ترى فيه خطراً عليها، أو تتوجس منه زعزعة لسكينتها، فخيوطها غير المرئية متينة وذات شفرات حادة، وعقدها محكومة بقوة وقسوة، ولعل أهم خيوط وعقد الشبكة المظلمة هو: استلاب الطاقة وتفريغ القدرة وإهدارها، والمحاصرة، والمراقبة، والتهميش، والتدجين ، وتتم حياكة الشبكة السميكة من خلال : الضرب والاستصغار والإخراس، وتنمية الخجل، وتحديد الأدوار الحياتية والمجتمعية وتفصيلها للذكور والإناث، وحبس المرأة وخاصة الشابة للخوف منها وما سوف تفعله من شرور اقتداء بجدتها الأولى حواء وتفاحتها ! وربط الشاب دائماً بالأسرة وجوداً وتواجداً، لمراقبته وتحديد سقف انطلاقاته، ونوع عمله، وشكل علاقته، ونوع أكله ولباسه، وماذا يقرأ ، وماذا يشاهد ويسمع واختيار أسماء أطفاله ضمن مبدأ الولاء والاستنساخ ؛ وكل هذه القيم الهشة التي لا تجعل الشباب مستقلاً وحراً وفاعلاً، إذ تبدأ من الأسرة فإنها تكرس أيضاً في مناهج وبرامج التربية والتعليم، فهذه المناهج ومنذ بداية التعليم تتفاخر بتخريج أجيال مطيعين، غير قادرين على صياغة الأسئلة التي يشير إليها ويحتاجها المجتمع في حراكه، أجيال مشبعة بالخجل والارتباك أمام الآخر والمواقف الحياتية، وغير متمكنة من الاعتماد على ذاتها، أجيال لا تعرف إمكاناتها وطاقاتها ومواهبها، ولا تخرج عن هذه المنهجية معظم المؤسسات الأهلية المستهدفة والمستقطبة لفئة الشباب والحاضنة لهم، فتعمل على غسل أدمغتهم بمياه الماضي، وتصور الحاضر أمامهم بالشرور التي يجب غسلها وتطهيرها ولو بالدم ! وهذا الطقس التدميري هو ما تفضله الدولة القامعة فتستمر في تكريسه من خلال سياساتها وآلياتها وأجهزتها المتنوعة وبالأخص الإعلامية التي تنقر على أصابع الطائفية، وتستجيب لعواء الظلام في محاربة الفن والحرية، وتؤلف قوانين تبجل الرعب وتصادر الحريات، وتعمل على تعطيل الشباب وإهدار طاقاتهم، ووصفهم دائماً بضعف الانتاجية وعدم الصلاحية أو القدرة، أو حشرهم في أقفاص اللهاث وراء قوت يومهم فقط !عبر سياسات التجنيس المصمم والتوظيف المبرمج التي تستلذ برؤية المواطن يدور في الشوارع ويحتمي بالأرصفة!

صحوة الثقب الأسود :

إن ما تفتحه النوافذ الكونية الآن أمام هذه الطاقة المهدورة من آفاق متعددة ومتنوعة تجعلهم يرون بالبصر والبصيرة سقوط الواقعي أمام الافتراضي، وأن العالم لا يصاغ بالقمع، والمستقبل يتحرك بسرعة، ولا يمكنهم العثور عليه بهزائمهم المتواصلة وقبوعهم في الأسر الحضاري للماضي، وأن هذا المستقبل المسمى بالعولمة لا يقبل منهم أن يكونوا منتمين لحاضرهم البطيء، والاستهلاك لمنجزات العصر فقط، وإنما تزيد من غربتهم وتشتتهم! فالعولمة هنا استحقاقات مهيمنة وكاسحة وتعمق من مصادرة طاقة الشباب في المجتمعات غير القادرة على مغادرة ظلمتها· وأمام هذه الصدمة الإلكترونية والوراثية وما تبثه من قيم أخلاقية وإنسانية جديدة موجهة للشباب باعتبارهم المتصل الأوسع والأقوى للعالم الافتراضي، فإن المجتمع الذي لا يمكن أن يكون نجماً يضيء يتحول بكل قيمه ومؤسساته المستثارة إلى ثقب أسود كثيف قد استهلك وقوده ليعمل على امتصاص كل ضوء ولا يسمح له بالنفاذ منه، وهذا الثقب الأسود هو ما نعيشه اليوم، فمصدر الضوء دائماً وهم الشباب تائهون في الظلمة، ومكرسن للحفر في الماضي للبحث عن الضوء، أو الاحتماء خلف الخجل وعدم الفاعلية، أو الركون إلى التدجين واللامبالاة ! وإذا أراد هؤلاء الشباب أن يكونوا نجماً عليهم أن يستجمعوا غبارهم وطاقتهم ويشتعلوا من جديد بعيداً عن مدارات الثقب الأسود الرهيب!

طباعة  

غياب عبدالله زكريا الأنصاري
أدوار وآثار باقية بعد رحيل "الأستاذ"

 
قصة قصيرة
 
شعر
 
المخابرات السورية تشن حملة اعتقالات على المثقفين والكتّاب السوريين
 
أكاديميون وشعراء يحتفون بالشعر العربي الحديث في فاس
 
خبر ثقافي