كتب المحرر الثقافي:

فقدت الحركة الثقافية والسياسية في الكويت في الأسبوع الماضي بوفاة عبدالله زكريا الأنصاري علما من أعلامها البارزين ممن أثروا المكتبة الأدبية بمجموعة من الإصدارات المهمة بقلمه وبعمله كرائد مؤسس لكثير من المؤسسات والأنشطة الثقافية، إضافة الى دوره المتميز في الأحداث السياسية في تاريخ الكويت الحديث·

كان للراحل الأنصاري الملقب بـ "الأستاذ" إسهاما واضحا في بدايات الحركة التنويرية الكويتية، حيث أشرف في الأربعينيات من القرن الماضي على إصدار مجلة "البعثة" في القاهرة والتي تعد أحد أهم المنابر الأولى المشكلة للوعي الثقافي والسياسي المحلي، وكان للراحل إضافة الى دوره التثقيفي مواقف وطنية شهدتها الساحة الوطنية في أربعينيات الكويت حينما تصدى أيامها لقرار تغيير مناهج التعليم في الكويت الذي جاء على يد سلطات الانتداب الإنجليزية بتوصية من مستشارها التعليمي مستر وكلن، فقابل ذلك القرار بالاحتجاج وبكتابة المنشورات وتوزيعها فاعتقل وعوقب هو وصاحبه حمود المقهوي على موقفهما الوطني·

والراحل كان ضمن ناشطي الحركة الوطنية وأحد مرشحي قائمة "نواب الشعب" التي تمكنت من النجاح في الانتخابات النيابية عام 1967 وسجلت بعد ذلك موقفا وطنيا حرا بتقديم الاستقالات بعد اكتشافها تزوير السلطة لنتائج الانتخابات، وفي عقد السبعينيات شارك الراحل في تأسيس "التجمع الوطني" بقيادة السياسي المخضرم جاسم القطامي·

يقول عنه د· محمد جواد رضا في كتاب د· سهام الفريح "عبدالله زكريا الأنصاري - مرايا الذات" الصادر 2003 "في مستطاع الدارس لفكر عبدالله زكريا الأنصاري أن يرجع تعلقه بالحرية الى إيمانه بإنسانية الإنسان العربي التي يرى أنها لا تزال مهدرة، وهو يحاذر على هذه الإنسانية من أمرين يتخوف أن يظلا مصدر جور عليها، أحدهما يتعلق بمبدأ الحق وهو القانون، والثاني يرتبط بمبدأ العقل أي التحرر في التعامل مع التراث"·

كما يقول عنه المؤرخ سيف مرزوق الشملان "إن الأستاذ عبدالله هو الذي شجعني على الكتابة في المجلات والصحف عندما كان رئيسا لتحرير مجلة "البعثة" فنشر لي مقالات تاريخية عدة عن الكويت وقطر الى أن أغلقت "البعثة" عام 1954، وأول مقال نشره لي عن تاريخ إمارة قطر كان عام 1952، كما أنه ساعدني في نشر كتاب "من تاريخ الكويت" ووضع تقديما طيبا له"·

ويعد إنجاز "الأستاذ" الراحل في تجميعه وتدقيقه ونشره لديوان الشاعر الكويتي فهد العسكر أحد أهم الأدوار الثقافية التي سلطت الضوء على شاعرية فذة كانت معرضة للضياع والنسيان، وبعمله ذاك خلد اسما شعريا يستحق التخليد في التراث الشعري العربي· وللأنصاري إسهامات أخرى مثل "البحث عن السلام" 1973 و"الشعر العربي بين العامية والفصحى" 1973 وهو مجموعة آراء في الأدب والشعر، وفي التراث له "مع الشعراء في جدهم وعبثهم" 1981 وهو قراءات في الأدب العربي، و"حوار المفكرين" 1978، و"روح القلم" 1977، وكتاب "الساسة والسياسة" 1975 و"خواطر في مجتمع صغير" 1983 وكتاب "الحياة" 2003، و"من أدب السياسة" الصادر 2005·

وبرحيل "الأستاذ" تبقى إسهاماته الكتابية وأدواره السياسية المتعددة كمؤسس ومشارك وشاهد على مراحل النهضة وتأسيس الدولة الحديثة حياة أخرى تحفظها الذاكرة الكويتية في سجلها الثقافي الذي يضم أحمد مشاري العدواني وعبدالعزيز حسين وعبدالله أحمد حسين وغيرهم·