كتب المحرر الثقافي:
صدر للشاعر صلاح دبشة ديوان بعنوان "سيد الأجنحة" وهو الديوان الرابع للشاعر بعد دواوينه الثلاثة الأولى "نحوك الآن كأني، ومظاهرة شخصية 1، مظاهرة شخصية 2"·
وفي هذا الديوان يواصل الشاعر كتابة نصه الخاص، محاولا تكريس جديد لقصيدة النثر، يقوم على المشهدية الخالصة ووصف الأشياء الحسية والأماكن التي نألفها في حياتنا العامة، ويعلي كذلك من قدر المهمش، ويمنح الفضاء الرحب، والطير والهواء فرصة المشاركة في الحدث والامتزاج بوجداننا، واحاسينسا الداخلية العميقة يقول في قصيدة الهاوية:
طفوت في سماء خاوية
لم أرتطم بسقف كما توهمت
رحت أحرك يدي في ظلمة لا تعرف أحدا
فزعا ارفرف نحو نقط مضيئة
منثورة في تيه فسيح
و
عثرت
فجذبتني الهاوية
على دمي الرعونة والدفوف
صرخات لا تصل فمي
رحت أغط بلا أجنحة وأنت اشباحي
هاويا
لا أمسك بشيء ولا اسمع صدى
سوى نواح مروري في الهواء
ولطمات ثوبي الفضفاض
كثرتي تتناقص وراء دموعي المتطايرة
وسط برد يجعدني ببطء وعمق
حتى انكمشت
الى جثة هامدة
تهوي من فضاء الى فضاء
(هاجس الطيران)
وكما هو واضح من عنوان الديوان فان الشاعر يتخذ من التحليق والطيران مدخلا لجميع الأحداث في حياته·
ويكاد يكون "الانطلاق"، هو التيمة الأساسية"· التي تربط جميع قصائد الديوان ولعلنا بشكل أكثر عمقا تقول ان الشاعر مشغول بهاجس التحرر من القيود التي تكبل حياته، أيا كانت سمة هذه القيود، اجتماعية أو ثقافية وفكرية، حتى وان كانت نتيجة هذا الطيران السقوط من عل، والارتطام بالارض فذلك اهون بكل تأكيد من القيد وأسره·
لمسات وجدانية
ويحتوي الديوان كذلك بعض اللمسات الوجدانية عبر لغة نقية شفافة، وكلمات متدفقة كنبع ماء يقول:
بابنت
يا حلوة
يا مزيلة العالم عن روحي
لجسدي المنقوع في الليل
أرشح الفرح
ولا أعرف في أي جهة
أدفع الفراشات··
أحلم
أن أخض العناوين
التي تغطيك
أجنح في عمود انارة، أضيء
في نافذة، أفتح
في هواء، أهب
في غيمة، أسقط·
ويقول في قصيدة أخرى تحت عنوان "أرق"
يابنت
الهواء يرفع قراطيس على القضبان
منذرا هبوبه
ليجرف حكاياتنا
في شارع خلع خطاي ودخل في الأعمدة··
هذه الليلة
تبسمين طيفا يعبرني
أتبعه من فوق الطاولة
أناديك
وأنت تلوحين من بعيد
تأخذين كل ما اشتهيته من سماء
وما تمنيته من أجنحة
فيمتصني اللحم
وتحتشد الأسلاك ورغوة الشك
ولا أتمكن
من عبور الأكواب والصحون والملاعق·
ويحتوي الديوان كذلك بعض المقاطع التي تحيلنا الى زمن الطفولة وما فيه براءة وعبث متخذا من ذلك جسرا للتعبير عن رغبته في التحليق والفضاء يقول:
في ظلال الحيطان أنسل الى الخلاء
بيدي نباطة
فأقول: العصافير عشب السماء
وفي جيبي ولاعة ومفرقعات وحصى فأركض
أقطع تشوهات التراب وشجيرات بلا مأوى
في مرمى بصري تلة بعيدة
حيث البيت المهجور
كنت أحلم بتميمة الأجنحة
لم يدخله سوى قلة من القدماء
تتذكرهم العجائز
تحرسه افعى عظيمة
وزمرة من الجن
وصلت مخترقا حشائش تبدو مؤذية·· من الوحدة
حيث لا إنسان ولا طائر·