رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 13 يونيو 2007
العدد 1778

فوق الوادي... فوق التل: عسكرة الثقافة!

                            

 

تشارلس سوليفان*:

يظهر على شبكة التلفزة في الولايات المتحدة الأمريكية بانتظام إعلان تجاري يثير بالغ القلق، وينذر بالكثير· وتسنى لي مشاهدة هذا الإعلان مرارا خلال الأسابيع القليلة الماضية على شاشة NBC، التي تبث من واشنطن عاصمة الأمة·

يفتتح الإعلان بمجموعة من الذكور، ربما من فرقة عسكرية، يغنون: "فوق الوادي··· فوق التل·· نمشي ولا نبتل···"، وإيقاع الأغنية هو إيقاع مارش عسكري· ويشاهد الجنود تحت ضوء كاب يخوضون عبر مياه نتنة رافعين بنادقهم فوق رؤوسهم، ومع مسار هذا الموكب المتناسق، يتكشف المشهد عن عمليات عسكرية في كل الجهات· ومن المفترض أن يؤثر فينا هذا المشهد العسكري وتقنيته المتفوقة، وننتقل من التهيب إلى الإعجاب، إلى الخضوع له، لمعجزة زمننا·

وفيما يتوالى ويتوامض مونتاج صور الحرب عبر الشاشة، وكل لقطة تصور عملية عسكرية (لا تظهر أي لقطة فظائع الحرب الحقيقية) يتصاعد صوت رجل يمجد فضائل الحرب التكنولوجية، ووحدة وعمل كل فروع الأسلحة العسكرية معا، القوات الجوية والبحرية ومشاة البحرية، الجيش،··· إلخ· وينتهي الإعلان التجاري بعبارة، "نورثروب غرومان ترسم المستقبل"!

من الواضح أن الإعلان التجاري هذا يستهدف جمهورا من الذكور· فشركة "نورثروب غرومان" ومقاولو وزارة الدفاع الآخرون يحققون أرباحا مذهلة من سياسة الولايات المتحدة الإمبراطورية في الشرق الأوسط وفي مختلف أنحاء الأرض· وكالعادة، يتحمل آخرون التكاليف الاجتماعية والبيئية· إن هذه شركة حربية في أبشع أشكالها: تكاليف مدفوعة اجتماعيا وأرباح تذهب إلى جيوب المشروعات الخاصة· إنها الرأسمالية الطفيلية في أكثر تجسداتها خبثا· إنها نوع من الدعاية التي يتعرض لها الأمريكيون في كل لحظة يصحون فيها من نومهم·

بالطبع لن يهرع من يشاهد الإعلان خارج بيته ويشتري نظام أسلحة متطور من أسلحة "نورثروب غرومان"، إذاً، يجب أن يفكر المرء بالغرض الحقيقي من وراء الإعلان· رسالة الإعلان ليست مصممة لبيع نظم أسلحة، لقد خلقت الرسالة لبيع الشعب الأمريكي، على أساس انطباع بتفوق القوة التكنولوجية، والحرب الدائمة، وأرباح حرب تضمن، لوقت يطول أو يقصر، على الأقل طريقة حياة غير دائمة، أفكارا اكتسبت سلفا قبولا واسعا بين الجموع الهاجعة والجهلة العنيدين·

ويفترض بنا أن نؤمن بأن المجمع الصناعي العسكري، وخليط من مقاولي وزارة الدفاع بمجساتهم السامة المنغرسة بشدة في لحم الحكومة المصاب بالغنغرينا، يحموننا ويحمون طريقتنا في الحياة من عالم عدواني ينوي تدميرنا وتدمير طريقة حياتنا· ويفترض أن نرى الحرب الدائمة بتعابير جورج أوريل، سلاما، ونرى الجهل قوة، والشر خيرا· ومن المفترض أن تدمير عامة الناس وحرياتنا المدنية على يد الشركات الفاشية خيرا للبلد لأن فيه الخير للمتكسبين من الحرب في الحكومة وفي "نورثروب غرومان"، والتي هي ليست سوى رأس الورم الخبيث الضارب بجذوره في لحم المجتمع الأمريكي·

إذا كانت "نورثروب غرومان" ترسم وتحدد المستقبل فعلا، فستكون أمريكا والعالم في قلب مشكلة عميقة· إننا نشهد العسكرة الصارخة لثقافتنا على يد قوى الظلام، وآلات التعاسة والموت·

الهامر، وهي مركبة عسكرية، تملأ الشوارع والطرق السريعة في أمريكا، حتى مع شفط آخر قطرة من النفط الرخيص من رمال المناطق المحتلة· إن التكاليف الإنسانية للحرب التي تديم بقاء أنماط استهلاكية، نهمة وهدر، لا تدخل أبدا في عقول المستهلكين· ففي المقام الأول نحن شعب استثنائي، الآخرون هم الذين يتحملون التكاليف، وتظل هذه التكاليف بعيدة عن الأنظار· تمجيد الحرب يكاد يكون كلي الحضور وشاملا، فأنت تراه في المركبات التي نقودها، وفي السلوك العدواني، والزهو الوطني المبالغ فيه، والتلويح بالعلم، والملابس على الطراز العسكري، والأفلام، وألعاب الفيديو، والآن في إعلانات التلفاز التجارية، المستهلك الأمريكي يصبح جوهريا قطعة في كمبيوتر (هاردوير) مبرمج لتنزيل الدعاية، وتنفيذ أوامرها بلا تفكير· إنه قطعة تفعل ما هي مبرمجة لتفعله·

"نورثروب غرومان" والمحافظون الجدد والمذعنون لهم في الكونغرس، كلهم يبيعون الصورة الزائفة نفسها للشعب الأمريكي· وهم مثل القوات المصورة في التلفاز، ممولون جيدا، وهم حشد منظم جيدا لقوات تحارب باستماتة كرجل واحد· من الذي يحاربونه؟ نحن، الشعب، الديمقراطية، الحقيقة، والسلام·

 *مصور وكاتب حر يعيش في ويست فرجينيا

عن موقع: www.globalresearch.ca

طباعة  

نهضة... وسقوط... ونهضة سلطة النخبة
هل كان "الهيبيون" على حق؟

 
يمام الحب والكراهية في تركيا
حمام السلام الوديع يزعج الاتحاد الأوروبي