رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 13 يونيو 2007
العدد 1778

نهضة... وسقوط... ونهضة سلطة النخبة
هل كان "الهيبيون" على حق؟

 

 

ريتشارد نيفيل:*

من المغري التفكير بهذه الطريقة، وطرح صيغة هذا التساؤل في هذا العصر، عصر الإرهاب وقتل البيئة· قالت لي صديقة بالكاد أتذكرها وقد التقينا مصادفة في مطار أمام حاجز أمني: "هل تتذكر حين كنا نرحل ونتجول ونتبادل الأحاديث؟"· في العام 1971، كانت هذه الصديقة في "بالي" ملكة شاطىء "كوتا"· أما الآن "كوتا" فكلانا أفسده الزمن، شأننا في ذلك شأن آلاف الآخرين الذين سخروا من "الأنظمة" القائمة وعلقوا أسلوب حياتهم بتقلبات الأقمار وأطوارها في اكتمالها وانحسارها، متأملين أفكار "هرمان هسه"، والفواكه الطبيعية، ملاحقين الغيوم في إناء· لقد وسعنا مفهوم تبديد الشباب حتى أقصاه·

وتحرك العالم وكذلك نحن في نهاية المطاف، الحياة الأسرية وبطاقات الائتمان والرهون العقارية وكل مستلزماتها· وأصبح مركز التسوق التجاري "المول" المرفوض فجأة مناسبا، والزجاجيات الجاهزة هبة الهية، ولم يعد حامل الأسطوانات يسقط على الأرض أبدا، واستكان حنقنا على المجتمع الاستهلاكي، وتحول إلى تهويدة لتنويم الأطفال· لا ريب أننا مازلنا ندعم منظمة السلام الأخضر، والحق في الإضراب، ولكن مجتمع التسلية تسرب إلى الحياة اليومية، ولم يعد حلم الوصول إلى الثراء السريع يبدو بلاهة· على أية حال، أنت بحاجة إلى الخبز لتدفع أجور الطيران إلى المؤتمرات لتتعلم كيف أن العالم كان محفوفا بالخطر بالانبعاثات السامة، وأصبح أسوأ بالرحلات الجوية إلى المؤتمرات·

أدوات مطبخنا أصبحت أكثر لمعانا، وارتفع ضغط الدم، جنبا إلى جنب مع استنشاق الأدوية - الأدوية المملة· وأصبحت حبوب تخفيض الكوليسترول عاجزة عن تكثيف الموسيقى أو النبض، إننا نحاول إدارة مشروع مالي صغير رتيب، وتثيرنا الأعمال المكتبية، تاركين آخر الروايات راقدة بجوار فراش النوم، ونحن نتآلف مع جبل من الأوراق التي القتها الحكومة على طاولاتنا، الحكومة التي حولتنا إلى أمة من جامعي الضرائب، إرضاء للسياسيين الذين ينفقون الكثير على فيض من إعلانات التلفاز لتمرير جداول أعمالهم، ويخدروننا بالتفاهات· ربما كان هذا هو سبب انهمار "الرسائل الإلكترونية على بريدي التي تلفت نظري إلى عمود بديع في "سان فرانسيسكو كرونيل" عنوانه "لماذا كان الهيبيون على حق"·

يسأل "مارك مورفورد" من أين يجيء "كل هذا الحماس من أجل شفاء كوكب الأرض" بأكل الطعام كله وتجنب الكيميائيات، والعمل باتساق مع الطبيعة وتنمية النفس؟ لقد جاءت من الهيبيين· الصحة البديلة؟ من الهيبيين، القطن الأخضر؟ من الهيبيين· العودة إلى استخدام الخشب؟ إعادة التدوير الصناعي؟ المعاملة الإنسانية للحيوانات؟ إناء الدواء؟ الطاقة البديلة؟ ولادة طبيعية للأطفال؟ لا بذور معالجة؟ كل هذا جاء من أنماط الحياة مع الطبيعة (والتي هضمت الكثير من الثقافات القديمة بالطبع)، ومن النظرة البديلة إلى العالم، ومن عالم ما تحت الأرض ومن الهامشيين، ومن ما هو بعيد كل البعد عن شبكة السياسيين، تبا لهم، ووسائط إعلامهم·

في استراليا يا سيد مارك لا أمل· حيث لا تزال الحكومة لا تقدم اعتذارا للسكان الأصليين عن استعمار أرضهم في العام 1788، وبعد ذلك الاستحواذ على أطفالهم بالقوة·

مهما كان الأمر، لا يحتاج ا لهيبيون إلى اعتذار، ما دام في تبني أفكارهم المتأخر جائزة كافية· وأيضا، لا يخلو تراث الحركة الهيبية من الشوائب، الق نظرة أخرى على فنطازيات الأفلام السينمائية، مثل "راكب مريح" أو "شعر": الانغماس بالملذات المفرط سيجعلك تنكمش، لقد ساهم الهييبيون في إطلاق الغرائز، إلا أن هواة الفضائح دفعوا بهذا أيضا إلى مستوى من الفظاظة لم يتنبأ به دعاة السلام المرحون·

ومع ذلك، ففي مواجهة المخاوف المناخية، يظهر أشخاص غير متوقعين من غرف الحركة الهيبية· ففي قمة من قمم تبادل الأفكار، طرح مبتكر الذكاء الصناعي، "ري كورزفيل" عن نفسه ماضي فكرته عن سلطة النخبة، ويحمل "روبرت مردوخ" ربطة العنق المصبوغة شعارا إلى المستقبل، ومعها اعتناقه لليوجا· ويدخل رئيس الوزراء الاسترالي وزعيم المعارضة على حد سواء سباقا للجلوس عند قدمي قداسة "الدالاي لاما"· وانتظر المزيد من عودة الهيبية مع اقتراب الذكرى الأربعين لصيف الحب في العام 1967·

الثقافة المضادة مرت بمراحل تطور ثلاث: سلطة الطلبة، وسلطة النخبة، وسلطة الشعب· فقد انبثقت حركة حرية الكلام من حرم الجامعات في "بيركلي" و"كاليفورنيا" في أوائل الستينات، نتيجة لمحاولات خنق الخطاب السياسي، وساعد انطلاقها على إطلاق روح احتجاج أعادت تشكيل الغرب· وتزامنت انتفاضة "بيركلي" تزامنا غريبا مع الاحتجاجات ضد "المؤسسة القائمة" في لندن، ومرة أخرى في "سيدني" البعيدة جدا حيث نهض الطلبة والأساتذة لسحق الرقابة·

ومع نهاية عقد الستينات اتسع جدول أعمال الاحتجاج، وتسلح الثلاثون ألف متظاهر في "بيركلي" الذين ساروا لإنقاذ حديقة أنشأها السكان المحليون من أنياب أصحاب المشروعات الخاصة، بعلامات سلام، 30 ألف زهرة، ولافتة ضخمة كتبوا عليها "دعوا ألف حديقة تتفتح"

وفي 1973 قال موفد يرتدي السارونغ المعتاد في شرق آسيا، إلى احتفال كبير في مدينة "نبين" الريفية في استراليا أنه كان "في غاية الخشية، من ارتكاب أعمال تخرب البيئة، مثل استخدام الصابون خلال الاستحمام في نهر أو قيادة سيارة إلى موقع المخيم· وكان كل واحد منا يأخذ مخلفاته من طعام وغيره إلى المستودع، ويفرزها إلى ما هو زجاجي أو معدني أو مزيج من أوراق الشجر أو ورقي· وفي إحدى المرات ألقيت بلب تفاحة في سلة مهملات مكتوب عليها "للمعادن" فقضيت عشر دقائق شاعرا بالذنب، ثم أخذت بالتفتيش عن اللب لإخراجه من السلة·· ذلك هو ما أعطتك إياه تلك المدينة"· ولكن ليس لكل شخص· وقد استغرق الأمر 35 سنة أخرى ليأخذ ألف عالم والمرشح الرئاسي "آل جور"، إلى وطنهم رسالة الحفاظ على البيئة· لماذا؟ لأن الهيبيين لم يمتلكوا سلطة، ولا أمتلك السياسيون الحكمة آنذاك·

ومع منتصف السبعينات حان الوقت الذي غادر فيه حملة الثقافة المضادة حظيرة لعب الأطفال· ورفعت حبات الخرز وأدوات الإنارة لتحفظ في العلية، وكبر الأطفال، وانتصرت الوظائف، ولكن رغم أحداث الماضي الغرائبية، لم تكن كل الاستبصارات سيئة السمعة، ويكفي أن المشاعر البيئوية تعمقت عبر السنوات مثلما تحول المرجان إلى مرجان أبيض، والتسوق إلى مذهب· وفي أغلب الحالات، حافظ الهيبيون الذين تسلقوا سلم الشركات على ميولهم الخلاقة، في تصويتهم للخضر، وفي تناول الأطعمة الطبيعية، وتقليل انبعاث الغازات والسموم في الجو، حتى مع بزوغ فجر العصور المظلمة· وأية عصور مظلمة أصبحت هذه العصور، وبخاصة في أمم دخلت في سباق إلى العراق: بريطانيا وأمريكا واستراليا· لقد خلقنا حقول قتل من أجل أن نسرق حقول نفطهم·

وفي الوقت الذي يصبح فيه إذعاننا في هذه المأساة كتابا مفتوحا، فإن تأثيرها على روح أمم المتآمرين لايزال يتضح· فقد فر بلير، وبوش يغرق، ويظل جون هاوارد غير مبال بفداحة جريمته، ضد العراق وضد الطبيعة على حد سواء· وتشبه سلطته في هذه الأشهر النهائية الحياة في أرض الموتى· فلا تزال لاستراليا مهرجاناتها الأدبية، وخمرها الجيد وبعض المعارضين، ولكن، هوارد، ولست بحاجة إلى إعلانها، يضع النووي قبل ممكنات التجدد، والصلاة قبل علم المناخ· إننا مصابون بالعمى عن التعذيب، ونسيء معاملة طالبي اللجوء، ونسحب الأموال من جماعات المساعدات الاجتماعية التي تنتقد الحكومة، وتملأ مؤسساتنا الثقافية بالمتزلفين، ونرحل الراديكاليين المسالمين، وتضطهد المحذرين··· وهكذا، فارضين بذلك بالقوة إذعانا أعمى· حين هاتفت المحررة الأدبية في صحيفة "سيدني مورننج هيرالد" بدا أنها ابتهجت حين عرضت تقديم مراجعة لكتاب، إلى أن ذكرت إلى اسم المؤلف· وجاء الجواب: "سياستنا هي أن لا نقدم مراجعة لكتب جون بلجر"·

لا ريب أن هذا شيء صغير، ولكن "كيتي كولن" غنت، أشياء صغيرة تعني الكثير، والآن، يحول زعيم المعارضة "كيفن رود" نفسه إلى طيف لها وارد، على أساس اعتقاد مأساوي بأن هذا الدور سيكون جذابا للتلفاز المحلي·

ولكن، وبشكل مجمل، بدأ الاستراليون باليقظة· في الانتخابات القادمة هناك فرصة لمعركة تقول إن الحكومة سيطاح بها· تأثير هذه الإطاحة من الصعب التنبؤ به، ولكن ليس من المحتمل أن تؤدي إلى صيف للحب·

 

*ريتشارد نيفيل: كاتب يعيش في استراليا، تجول في العالم كثيرا، وقد أثار كتابه "أوز" عاصفة في لندن حين نشر في الستينات·

عن موقع: www.counterpunch 2007/6/3

طباعة  

فوق الوادي... فوق التل: عسكرة الثقافة!
 
يمام الحب والكراهية في تركيا
حمام السلام الوديع يزعج الاتحاد الأوروبي