رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 23 مايو 2007
العدد 1775

لا يدخلون في حسابات القتلى ولا يخضعون للقانون..
126 ألف مرتزق في العراق يقاتلون إلى جانب القوات الأمريكية

 

 

·         الأخطر في خصخصة الحرب أنها جعلت التصعيد مصلحة لشركات المقاولات

·         جندي شركات المقاولات يتقاضى راتباً أعلى من وزير الدفاع الأمريكي!

 

جيريمي سكاهيل:

ملاحظة من رئيس التحرير: جيريمي سكاهيل هو مؤلف متميز وصحافي تحقيقات في مجلة "ذا نيشن" THE NATION وقد أدلى يوم العاشر من مايو 2007، بشهادة أمام لجنة المخصصات الدفاعية الفرعية في مجلس النواب، حول تأثير المقاولين العسكريين الخاصين على مسار الحرب في العراق· وهذا هو النص الكامل لشهادته أمام اللجنة·

اسمي جيريمي سكاهيل، أدلي بشهادتي ها هنا وأطلب توثيقها، أنا صحافي تحقيق في مجلة THE NATION ومؤلف كتاب "بلاكووتر: صعود جيش المرتزقة الأقوى في العالم"·

لقد أمضيت معظم العامين ونصف العام الماضية أبحث في "الحروب المخصخصة"، وقابلت العشرات من المصادر وتقدمت بالعديد من الطلبات للحصول على معلومات وفقا لقانون حرية المعلومات، وحصلت على عقود حكومية ووثائق عن شركات خاصة تعمل في العراق وأفغانستان وغيرهما·

وكما تعلم هذه اللجنة جيدا، فإننا نخوض الآن الحرب الأكثر خصخصة في تاريخ بلادنا· وهذه ليست بالظاهرة الجديدة، لكنها اكتسبت زخما كبيرا منذ شن "الحرب العالمية على الإرهاب" وغزو واحتلال العراق، فلدى الكثير من الأمريكيين الانطباع بأن لدى الولايات المتحدة في العراق الآن 145 ألف جندي· ولا تذكر إلا نادرا، حقيقة أن هناك ما لا يقل عن 126 ألف جندي تابعين لمقاولين خاصين ينتشرون إلى جانب قواتنا المسلحة هناك، الأمر الذي يضاعف عدد قوات الاحتلال دون علم دافعي الضرائب الأمريكيين الذي يتحملون فاتورة الحرب·

 

تضليل

 

ولكن على الرغم من تقارب عدد هاتين القوتين في العراق، الا أن ثمة فروقاً كبيرة في تعامل حكومتنا مع القوات النظامية وقوات شركات المقاولات الخاصة· فعلى سبيل المثال، نحن نعرف أن حوالي 3400 جندي أمريكي لقوا حتفهم في العراق وأن حولي 25 ألفا أصيبوا بجروح· ولكننا لا نعرف على وجه الدقة عدد الجنوب التابعين لمقاولين خاصين الذين قتلوا أو جرحوا·

لقد تمكنا من التعرف من خلال وزارة العمل الأمريكية، على حقيقة أن 770 جنديا تابعين لشركات خاصة قتلوا في العراق خلال الفترة من ديسمبر 2006 وحتى اليوم، إضافة إلى إصابة أكثر من 7700 أخرين بجروح، وهذه الأرقام ليست مشمولة بالسجل الرسمي لأعداد القتلى والجرحى، الأمر الذي يساعد في حجب الثمن الحقيقي لهذه الحرب على الصعيد البشري·

وما يثير القلق أكثر من ذلك، هو ما يعنيه هذا التضليل بالنسبة لديموقراطيتنا، ففي الوقت الذي تمانع فيه إدارة بوش إخضاع إستراتيجيتها في العراق لإشراف الكونغرس، فإننا نواجه استخداما واسع النطاق للقوات التابعة لمقاولين خاصين التي يبدو أنها لا تخضع لنظام فاعل من الإشراف أو القانون·

وفي حين يقدم عشرات الآلاف من هؤلاء المقاولين الدعم اللوجستي، فإن الآلاف من جنودهم المزودين بأسلحة كبيرة، يجوبون أنحاء العراق· فنحن نعرف أن هناك 48 ألف موظف تابعين للمقاولين العسكريين الخاصين، في العراق وحده·

وتعمل هذه القوات لصالح شركات أمريكية مثل شركة بلاكو وتر BLACKWATER وتريبيل كانوبي TRIPLE CANOPY وداينكورب DYNCORP فضلا عن شركات عالمية أخرى· ويحصل بعض المقاولين على أموال في شهر واحد، أكثر مما يحصل عليه العديد من الجنود الأمريكين النظاميين في عام كامل· وفي الواقع، فإن الجندي الواحد في شركات المقاولات الخاصة يحصل على مال يفوق ما يحصل عليه الجنرالات النظاميين، بل حتى أكثر من راتب وزير الدفاع الأمريكي نفسه!

والشهادة التي أسمعها كثيرا حول جنود شركات المقاولات عادة ما تصب في إحدى خانتين: الاستياء والحسد·

وهم يتساءلون ما الرسالة التي تبعث بها حكومتهم إليهم، ففي حين تغيب معدات الحماية الأساسية عند الكثير من الجنود النظامين، وهي من الحقائق المعلومة لدى لجنتكم، فإنهم يرون جنود شركات المقاولات الخاصة يمتلكون دورعا أفضل وعربات أفضل وأسلحة أفضل ويضعون على قبعاتهم شعار الشركة التي يعملون بها بدلا من العلم الأمريكي ويحصلون على امتيازات وأموال أفضل بكثير منهم، وهو تساءلون: هل حياتنا أرخص من حياة هؤلاء الجنود؟

 

GOING BLACKWATER

 

وبالطبع، هناك الكثير من الحالات التي كان المستفيد منها هم مسؤولو الشركات الخاصة ولم تصل الأموال ولا دروع الحماية إلى الجنود الذين يقاتلون على الأرض·

أما ردة الفعل الثانية، فهي أن الجنود النظامين أصبحوا يرغبون في أن يصبحوا مثل جنود شركات المقاولات الخاصة·

ولذلك، برزت ظاهرة جديدة تتمثل في ترك الجنود النظاميين الخدمة الرسمية من أجل الانضمام إلى شركات المقاولات الخاصة·

وأصبح يطلق على هذه الظاهرة في العراق الأن "الذهاب الى بلاكو وتر" GOING BLACKWATER

وبصراحة أكثر، وضعت شركات المقاولات الخاصة نظاما فيه من الامتيازات ما يفوق الخدمة النظامية، ويتم استخدام قوات هذه الشركات في المهمات العسكرية الدقيقة، فقد اعترف الجنرال ديفيد بتراوس نفسه، في شهر يناير الماضي، أنه كان يعتمد في حمايته الشخصية على هذه القوات وليس على القوات الأمريكية النظامية·

وكما أن هناك معايير مزدوجة في الرواتب، هناك معايير مزدوجة أيضا في تطبيق القانون· فالجنود الذين يرتكبون جرائم أو سوء سلوك يقدمون إلى محاكم عسكرية· فقد نفذت أحكام عسكرية في 64 حالة تضمنت اتهامات بالقتل في العراق وحده، مقارنة بعدم محاكمة جنود شركات المقاولات الخاصة على الإطلاق، وبالرغم من حقيقة أن عشرات الآلاف وربما مئات الآلاف من الجنود الذين دخلوا إلى العراق وخرجوا منه منذ عام 2003، لم يخضع للمحاكمة سوى جنديين تابعين لشركات المقاولات، الأول لأنه طعن زميلا له والثاني لحوزته صوراً خليعة لأطفال على جهاز الكمبيوتر الخاص به في سجن أبو غريب، أي خلال خمس سنوات، لم يمثل أي جندي تابع لشركات المقاولات الخاصة، للمحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم ضد مواطنين عراقيين·

وهذا يعني وجود خلل جوهري في النظام المطبق في العراق، لقد شعر الجنرال كارل هورست بالغضب الشديد لهذا الوضع حيث غياب المساءلة عن شركات المقاولات، وبدأ يسجل حوادث العنف التي يرتكبها منتسبو هذه الشركات في بغداد، وخلال شهرين فقط، تمكن من توثيق اثنتي عشرة حالة قام خلالها هؤلاء الجنود بإطلاق النار على مدنيين عراقيين، مما أسفر عن مقتل ستة أشخاص وجرح ثلاثة· هذه حصيلة جنرال واحد خلال شهرين فقط!

 

سوء سلوك

ولم تجر محاكمة القتلة بموجب القانون الأمريكي العسكري أو المدني ولا حتى القانون العراقي، حتى أصبح للمقاولين الأمريكين شعارهم بأن "ما يحدث هنا يبقى هنا"، ويجب أن يسبب هذا الأمر القشعريرة لكل من يؤمنوا بأن الحرب يجب ان تخضع للشفافية والمساءلة وحكم القانون·

فهذه قوات تعمل باسم الولايات المتحدة، والعراقيون لا ينظرون الى المقاولين باعتبارهم شيئا مختلفا عن الجنود الأمريكيين· وأنه لأمر مفهوم أن ينظروا إلى الجميع كقوات "احتلال"، وأي سوء تصرف من قبل المقاولين هو سوء سلوك أمريكي·

وبينما يدور في الكونغرس الآن، جدل حول كيفية إخضاع شركات المقاولات الخاصة للمساءلة، إلا أن الإرادة السياسية لتنفيذ ذلك، ما تزال غائبة·

وفي ظل ضخامة عدد هذه القوات "الخاصة" وانتشارها في المناطق الحربية الاكثر خطورة في العالم، فإنه ليس من الواضح بتاتا، كيف سيكون أي اشراف على هذه القوات، فاعلا، فنحن نعلم أن المدققين لا يمكنهم زيارة كل المواقع بسبب المخاوف الأمنية· كما أن الصحافيين محشورون في المنطقة الخضراء· والجيش الأمريكي منتشر حتى أقصى طاقاته، فما الهيئة التي ستكون لديها الصلاحية أو القدرة لمراقبة هؤلاء الرجال الذين جيء بهم إلى العراق لنشرهم في مناطق لا أحد يقبل بالذهاب إليها غيرهم؟

لقد أبلغني أعضاء في الكونغرس أنه فشل في محاولة الحصول على معلومات مفصلة حول نشاطات شركات المقاولات الخاصة،وربما كان من المثير للقلق والإضطراب في أن أتلقى مكالمات من أعضاء من الكونغرس يطلبون مني وثائق حكومية حول شركات المقاولات الخاصة، وليس من الحكومة·

 

تحرك عاجل

 

ففي النقاش الدائر في الكونغرس حاليا، حول هذه المسألة، فإن الغائب هو مناقشة كيف تشجع نظام خصخصة الحرب، وأتاح نمو ونشوء الشركات التي استفادت منه ويتوقع أن يجني المزيد من تصعيد الحرب·

وفي الختام، فإنني في الوقت الذي أعتقد أن هذا الكونغرس بحاجة إلى تحرك عاجل في قضايا الإشراف والمساءلة والشفافية ذات الصلة بقوات شركات المقاولات الخاصة العاملة في العراق (وغيره) بتمويل من دافع الضرائب الأمريكي وباسم الولايات المتحدة، فهناك قضية أعمق يجري التغاضي عنها·· فنظام المقاولات في هذه الحرب عمل على ربط الفوائد والأرباح التي تجنيها الشركات بتصعيد الحرب والصراع، فهذه الشركات لا حافز لديها لتقليص دورها في الحرب، ولديها كل حافز لتأجيج الصراع·

وفي وقت يناقش فيه الأمريكيون سياسة بلادهم الراهنة والمستقبلية تجاه العراق، يدين الكونغرس بالفضل للرأي العام في إماطة اللثام عن الأسرار المتعلقة بهذه القوات التي يحيط بها الغموض وتعمل باسمهم وبتمويلهم·

المصدر: مجلة THE NATION

طباعة  

خطأ بوش الأكبر
عدم تسليم السلطة للعراقيين فور سقوط صدام