رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 14 فبراير 2007
العدد 1762

أكد أن ثقافة الكويت قائمة عل الانفتاح وقبول الآخر
د. سليمان الشطي: لولا تضحيات جيل الرواد لما رأينا المكتسبات التي نعيشها الآن

                                  

 

·         كتاب "الشعر في الكويت" استغرق مني أربع سنوات وسيرى النور قريبا

·        مطمئن للمستقبل  فجيل الشباب مندفع نحو الإبداع والكتابة

·         أنصح الأجيال الشابة بالتفاعل مع قضايا المجتمع وعدم العزلة والانطواء

·         نجيب محفوظ حظي بما يستحقه من عناية وأخشى أن نتحول إلى ظاهرة (الأديب الأوحد)

·         تبدلت مهمة السارد والتقنيات المحدثة تفتح  آفاقا أرحب للخيال

·         لا أستطيع التفرغ للكتابة الإبداعية فللمجتمع حق علينا

·         نحن مجتمع صغير ولسنا بحاجة إلى مزيد من التفتيت والانشقاق

 

حاوره آدم يوسف:

يأتي د· سليمان الشطي ضمن جيل لاحق لجيل الرواد ممن ابتعثوا إلى الخارج فجاؤوا محصنين بالمعرفة، ومحملين بأعباء المجتمع وقضاياه، وهو أستاذ جامعي، وناقد، وأديب مبدع أصدر ثلاث مجموعات قصصية هي: الصوت الخافت، ورجال من الرف العالي، وأنا الآخر، في حديثه إلينا أشار إلى ضرورة أن يتفاعل الأديب مع قضايا مجتمعه، ولا يبقى منزويا أو منعزلا، لأن لهذا المجتمع الصغير حق على الجميع، ولم يخف الشطي إعجابه وتقديره الكبيرين لرواد التنوير في الكويت من أمثال عبدالعزيز حسين، أحمد العدواني (رحمهما الله)، وكذلك جاسم القطامي وأحمد الخطيب (أمد الله في عمريهما)·

وقال: لقد حصلت الكويت على مكاسب كبيرة، بسبب تضحية هؤلاء ومساعيهم الحثيثة في سبيل استقرار الفكر وإرساء دعائم مؤسسات الدولة الحديثة، لافتا إلى أن الكويت منذ نشأتها منفتحة على الثقافات والشعوب الأخرى، ولم تعرف الانعزال أو الانغلاق في يوم من الأيام، وفيما يتعلق بمشاريعه الأدبية والفكرية اللاحقة أوضح د·الشطي أن لديه كتابا جاهزا عن الشعر في الكويت، وهو في طور الطباعة الآن، يتناول هذا الكتاب الشعر في الكويت منذ نشأته حتى عام 2004 م تقريبا· وقد استغرق هذا الكتاب جهدا ووقتا كبيرين·

وتحدث كذلك عن اللغة العربية الفصحى ومقدرتها على استيعاب المضامين الإبداعية، وفيما يتعلق بالسرد القصصي ودور السارد في العصر الحديث، أشار إلى أن السارد في الأزمان السابقة كان يعتمد على الخيال وعنصر الغرائبية في جذب المتلقي، وأما السرد في زماننا هذا فقد تبدل مع تنوع الخيال وامتداده إلى آفاق أخرى بعيدة وفيما يتعلق بجيل الشباب ألمح إلى أنه متفائل بسبب وجود عناصر إبداعية جيدة، مندفعة تعمل بحماس، ولكن على هؤلاء الشباب أن يتفاعلوا مع قضايا مجتمعهم الآنية والراهنة، وألا يكونوا منعزلين أو منغلقين على ذواتهم وهمومهم ومشاغلهم الخاصة، وفيما يتعلق بالإطار العربي الأوسع، أشار الشطي إلى أن الاحتفاء الذي حظي به الأديب نجيب محفوظ مؤخرا هو أمر جيد، ولكن علينا ألا نتحول إلى ظاهرة (الأديب الأوحد) لأن هناك أدباء آخرين يستحقون الرعاية والاهتمام·

 

·     يبدو لنا من خلال قراءتنا في بعض مجموعاتك القصصية حنين واضح إلى القديم ورفض للواقع، كما هي الحال في قصة (جسد) من مجموعة (أنا·· الآخر) هل الواقع سيىء إلى هذا الحد؟

- الأمر ليس حنينا إلى الماضي، بقدر ما هو تصوير للحاضر، ولكن كل منطقة لها امتداد معين، وبما أنك أشرت في سؤالك إلى مجموعة (أنا الآخر) يمكن أن أجيبك انطلاقا من هذه المجموعة، فقصة (جسد) لا تحمل الحنين إلى الماضي، وإنما هي رصد لتاريخ محدد، يبدأ من الماضي، وينتهي بعام 1990م فالشخصية الرئيسية وهي (سيدة) مرت خلال أربعين سنة أو أكثر بمعاناة المرأة جسدا وروحا، وهي رصد روحي لمسيرة هذه المعاناة حتى آخر لحظة من حياة المرأة، إذا فالقصة مباشرة لموضوع واقع معاش، لكن الماضي متشبث ومتمسك به· ونحن لا نستطيع بحال من الأحوال أن نبني المستقبل إلا على أساس من الحاضر المتخلص من سيطرة الماضي، وإذا لم يكن هذا المشروع قائما عند مجموعة معينة، فإنها ستواجه عقبة كبرى وفي مجموعة (أنا الآخر) نفسها نجد القصة التي تحمل عنوان المجموعة، وهي عبارة عن صراع فكري يمتد إلى جذور عميقة، فالشخصيتان المتقابلتان، إحداهما ذات تيار (براغماني) عام مباشر، والأخرى ششخصية ذات تطورات فكرية دينية وإسلامية، وهي شخصية متطورة، تحولت من التيار (البرغماتي) إلى الإسلامي· وربما يكون إحساسي بالماضي ظاهرا من خلال المشهد الذي أجسد ما أريد أن أقوله عن الحاضر، وهذا ظاهر في المجموعة القصصية الأولى أكثر بحكم اقترابها الزمني من عصر التحولات والتبدلات الاجتماعية، فنحن إذاً لا نحكي الماضي، وإنما نرصد التحولات، وقضايا هذه التحولات المختلفة، فقصة (الهاجس والحطام) مثلا، من المجموعة الأولى، فيها شخصية متعلقة بالماضي، لكن تعلقها بالماضي كان تعلقا ذاتيا، باعتبار أن الشخصية كانت تمارس مهنة البناء، وهي ترى أن مشاريع هدم البناء القديم هي هدم لما هو صانعه، لاسيما إذا كان هذا الهدم دون رؤية بديلة·

 

·     هذه المسألة لها علاقة بالتاريخ وتحولات أحداثه؟

- أجل صحيح··· أنا رجل أحس بالتاريخ إحساسا عميقا، وهذا الإحساس حاضر وقوي للغاية· وبالنسبة لي فهم التاريخ أمر أساسي، وأقصد هنا تاريح اللحظة، وتاريخ الماضي، وتاريخ المستقبل، ولذلك لابد لنا أن نعتني بما يمكن أن أسميه! (لمس مجسات صور الماضي القديم)، لأن ذلك هو الذي يكشف لنا التضاد بين الأحداث أو الشخصيات أو غيره· ولكن علينا أن ننتبه أن الماضي لا يكتب لذاته، وأنا شخصيا أعتقد أن الماضي قد انتهى، وليس من المستحب أن يتسلط الماضي على الحاضر، وفي رأيي أننا لابد أن نتحرر من الماضي، ليس على سبيل الهجر، وإنما للتطوير والمضي نحو الأفضل·

 

·     يظهر كذلك في مجموعاتك القصصية عناية فائقة بالمفردة اللغوية الفصيحة، ما مدى أهمية اللغة في صياغة العمل القصصي والروائي؟

- اللغة أساسية في أي عمل إبداعي، وبالنسبة لي يمكن أن أكتب باللهجة المحكية، ولكنني أتصور أن أسطورة الواقعية الحرفية ليس لها مقام أو مجال في الفن· والفن القصصي هو بنية جمالية لقوة ذات مستوى معين، واللغة العربية ليست شيئا غريبا علينا، لأنها جزء منا وتربينا عليها، فكتابتي بهذه اللغة جاءت عن قناعة وإيمان وضرورة، وكذلك عن حاجة جمالية معينة، ولا تنسى الإرث التاريخي الهام، والاتساع بمفردات اللغة ومضامينها، وإيجاءاتها ودلالاتها وعمقها التاريخي والامتدادي· فالمفردة اللغوية لها امتداد على المستوى الأفقي والعمودي، وهي ليست مثل المفردة العامة ذات البعد الواحد·

 

·     وماذا عن الحوار في القصة؟

- بالنسبة للحوار في القصة، أنا لست ضده، بمعنى لا أرى خيرا في أن تكون القصة مطعمة بحوار يحتوي بعض التيارات العامية، ويمكن أن تلاحظ في بعض قصصي استخداما للعامية، ولكن بصياغة فصيحة، أقصد أن الجملة فصيحة وروحها عامية، ومسألة أخرى هامة أن شخصياتي في مجموعاتي الأخيرة هي شخصيات من الطبقة الوسطى المثقفة، وهي شخصيات لا يمكن لها أن تتكلم بالعامية·

 

·     السارد أو الراوي كان يشكل ثقافة الجمهور ووعيه من خلال الحكايات التي كان يصوغها ويرويها، هل ترى أن السرد الروائي والقصصي في صورته الحديثة ما زال يحتفظ بهذه الخاصية؟

- بطبيعة الحال، السرد ابن زمنه فالسارد الذي كأن يحكي قبل عشرات السنين يستند كثيرا إلى المخيلة، وغاليا ما يحمل حكاياته عنصر الغرائبية· ويطلق العنان للخيال، كما حصل في الحكايات العربية القديمة من خلال الحكواتي الشعبي، الذي يحكي لنا قصصا ليست تاريخية بحتة وليس لها علاقة بالواقع، والحكواتي في ذلك الوقت يحاول أن يتجاوز العالم المحدود عن طريق ابتكار واصطناع عالم لا محدود· والسارد القديم عوض محدودية خيال البشر في ذلك الوقت عن طريق إطلاق العنان لخياله وخيال المتلقي في الوقت ذاته·

ولكن في العصر الحديث بدأنا نلاحظ مشكلة حديثة هي أن التقنية الحديثة أعطت مجالا واسعا للخيال· فأصبح المتلقي الآن يتفاعل مع الصحيفة والتلفاز والانترنت، فأصبح الخيال الآن مطلقا ويصعب عليك أن تحجره أو تضيقه، فالشخص العادي الآن أمامه آفاق من الأخيلة لا حدود لها· وهنا يأتي دور السارد الذي لابد أن يتلاءم مع هذه المرحلة· وحتى الغرائبية التي نجدها في الرواية الواقعية الحديثة هي غرائبية تستند إلى تشويه الواقع، وتغيير الواقع، والبحث في تفصيلات يومية سواء سياسية أو اجتماعية أو فكرية من خلال البعد الغرائبي· فالسرد الآن أصبح له دور جديد هو أن هذا العالم بحاجة إلى تأمل أو فهم أو نقد دقيق، مع اهتمام السرد طبعا بالجانب الجمالي· فالجمالية الآن أصبح لها حرفية خاصة تميز كل كاتب عن غيره·

 

·     لديك ثلاث مجموعات قصصية فقط، ألا يمكننا أن نقول بأنك مقل في الكتابة الإبداعية؟

- من حيث إنني مقل هذا صحيح، وقد سبق أن أجبت عن هذا السؤال، فالقلة في الكتابة الإبداعية تأتي نتيجة لظروف متعلقة بانشغالي الدائم بالهم الكتابي، ودائما العمل القصصي يحتاج إلى التفرغ، ولا يمكن أن تشرك معه شيئا آخر، ولذلك عندما كنت أتهيأ لإصدار مجموعة معنية أتفرغ لها وأترك الجوانب الأخرى المتعلقة بالدراسات الأدبية أو المشاركات الاجتماعية·· إلخ· وهذه قضية شخصية بالدرجة الأولى، لأنني لا أستطيع أن أجمع بين عملين في آن واحد، ومجموعتي القصصية الأولى مثلا أصدرتها قبل أن أنهي دراستي الجامعية، وعندما بدأت في مرحلتي الماجستير والدكتوراه، ابتعدت تماما عن الكتابة الإبداعية حتى حصلت على الدكتوراه· وبعدها أصدرت المجموعة الثانية، ثم توقفت وهكذا·

 

·     وهل لديك مشروعات إبداعية أو نقدية مستقبلا؟

- في الحقيقة لا أحب التحدث عن المشروعات المستقبلية، لأنها تظل مشروعات ما لم تر النور وتقع في أيدي الناس· لذلك كنت في فترة ماضية، جاوزت أربع سنوات منشغلا بكتاب عن الشعر في الكويت، استغرق مني وقتا وجهدا كبيرين، هو الآن في المطبعة، وهو كتاب كبير نسبيا يقترب من 400 صفحة· وكان مشروعا طي الكتمان، ولم أفصح عنه إلا في هذه اللحظة لأنه أصبح بين يدي المطبعة· والكتاب في مجمله يغطي الشعر الكويتي منذ نشأته حتى عام 2004م· وبالنسبة للعمل القادم ربما يكون مجموعة قصصية، أو مقالات أو عملا نقديا، لا أستطيع أن أفصح عنه حتى يرى النور·

 

·     كنت أحد المبتعثين إلى مصر، وضمن جيل جاء تاليا لرواد جيل التنوير في الكويت، هل ترى أن تلك البعثات التعليمية قد أتت أكلها؟ بمعنى هل ظهر أثرها على الأجيال اللاحقة؟

- دعني أتكلم الآن، ليس عن بعثاتنا نحن، وإنما عن بعثات أساتذتنا الذين سبقونا، فأهم مراكز التشكيل الثقافي في الكويت تتمثل في ذلك الجيل الذي تم ابتعاثه في أواخر الثلاثينات والأربعينات من القرن المنصرم، وعندما عادوا بدأوا بصناعة البدايات الجديدة كلها، مع عهد الانفتاح وظهور الثروة، ولولا ذلك الجيل الذي تحمل الأعباء لما حققت الكويت هذه النهضة، خاصة في الانفتاح السياسي، والوعي الفكري والدستوري· وهؤلاء جيل الستينات والخمسينات وقبل ذلك بقليل، ونحن نعتبر تلامذتهم، ومن هؤلاء لا يمكن أن نتذكر عبدالعزيز حسين وأحمد العدواني، وأمد الله بعمرهما أحمد الخطيب وجاسم القطامي· وهذا الجيل متنوع ولا يمكن إحصاؤه في هذه اللحظة، فمنهم الأديب والسياسي والمفكر·· إلخ·

 

·     مقارنة بتلك الفترة التي تحدثنا عنها الآن، هل ترى أن هناك تراجعا في المستوى الإبداعي والفكري أم أن الكويت تسير نحو الأفضل؟

- الناس دائما يجلون القديم ويذمون أزمانهم، ولكن بالنسبة لنا الآن نقارن بين زمنين متقاربين، لو عدنا مثلا إلى مرحلة الستينات والتسعينات، لو قارنا بين وقتنا الحالي وتلك الفترة، فإن الميزان سوف يرجح لصالح الفترة السابقة، لأن المنجزات الثقافية التي كانت موجودة في تلك الفترة هي التي لاتزال موجودة الآن، ونأخذ نموذجا بسيطا على مستوى الإصدارات الإبداعية والفكرية، فأبرز ما تقدمه الآن المؤسسات الرسمية: عالم الفكر، عالم المعرفة، إبداعات عالمية، الثقافة العالمية، كل هذه أصدرت في فترة تراوحت بين الستينات والثمانينات، وليس إنجازات لأناس سبقونا، وليس لنا فضل عليها، ويضاف إليها كذلك مجلة العربي التي صدرت قبلها جميعا· ولكنني متفائل جدا بالنسبة للجانب الإبداعي، فيما يتعلق بجيل الشباب الآن· فقد لاحظنا مؤخرا ظهور عناصر مبشرة جدا، وإن كان إبداعهم وتفاعلهم على المستوى الشخصي وليس للرسمي وهؤلاء عليهم دور المساهمة في الجانب الاجتماعي، وتفعيل الحركة الثقافية، مثلما الجيل السابق تحمل وضحى من أجل وطنه، يبقى عليهم أهم أن يحملوا الدور نفسه·

 

·     يتميز المجتمع الكويتي بتنوع فكري، إسلاميون، ليبراليون، قوميون··· إلخ· أي هذه التيارات يمثل المجتمع الكويتي على الوجه الأصدق؟

- الذي يمثل المجتمع الكويتي على الوجه الأصدق هو التيار المنفتح، الذي ينظر دائما إلى الأمام، والمجتمع الكويتي على طوال تاريخه يقبل الآخر، وكانت هذه التيارات موجودة منذ القدم· فالكويتيون كانوا يتفاعلون مع الأفكار الجديدة، بسبب التجارة، والاتصال بالآخر عن طريق البحر· فالتيارات المنغلقة، وإن كانت موجودة، إلا أنها لا تمثل المجتمع الكويتي· فالانغلاق والتزمت، ورفض الآخر ليست من سمات المجتمع الكويتي· وكان الحس القومي هو الأكثر بروزا وظهورا، وأتمنى أن يستمر هذا الحس·

 

·     البعض يرى أن هناك تراجعا في الفكر الليبرالي لصالح التيارات الإسلامية والقبلية، ما رأيك؟

- هذه المسألة يمكن أن نناقشها من جانبين، الجانب الإول متعلق بالمستوى الفكري، والجانب الآخر بالمستوى (المجتمعي)· فيما يتعلق بالجانب الفكري لا نستطيع أن نؤيد هذه المقولة، لأن الفكر الليبرالي المستنير لا يزال موجودا أو يمارس دوره بفعالية، ولكن بالنسبة للممارسة الاجتماعية يمكن أن نلاحظ التيارات الأخرى، لا سيما الدينية منها استطاعت أن تصل إلى القطاع الأكبر من الناس، وهذه ظاهرة لا يمكن تجاهلها، وهناك أيضا التأثير العائلي والقبلي الذي لاحظنا انتشاره وتوسعه مؤخرا، ويأتي هذا الأمر نتيجة لممارسات سياسية وإدارية خاطئة لأن المعروف أن الدولة تحفظ حقوق المواطن كاملة، أيا كانت طائفة هذا المواطن أو فئته، وإذا شعر المواطن أن الوطن ككل لم يحفظ له حقه، يلجأ إلى هذه الممارسات غير السليمة، وهي ممارسات لا تتلاءم مع المجتمع المدني· إذاً فالمشكلة تكمن في السلبيات، التي حصلت خلال الثلاثين سنة الأخيرة، في الجانب السياسي وما يرافقه من أعمال إدارية، وفي رأيي أنه قد حان الوقت الآن للبدء في إصلاحات حقيقية، لأنه ليس من مصلحة المجتمع الكويتي أن يتحول إلى طوائف، وفئات وقبليات·· إلخ· لأن التفتيت يقود إلى مزيد من الانقسامات والانشقاقات الصغيرة، وهذا ليس في مصلحة أحد· وإنما التجمع والتقارب والالتحام هو الأساس· ومن هنا ندعو إلى إصلاح الاعوجاج السياسي، وربما قضية تعديل الدوائر كانت أحد جوانب هذا الإصلاح· وكذلك فإن الحكومة عليها واجب الصرامة في إبراز المواطنة ونفي أي تمييز لأي طائفة أو قبيلة أو جماعة· والأمر هنا منقسم إلى شقين مكملين لبعضهما، الجانب الدستوري أولا، الممارسة الحكومية وتطبيق هذا الدستور ثانيا· وإذا لم تطبق الحكومة هذه المسألة، فإنها تضرب بمقتل وحدة المجتمع وتماسكه· ونحن بطبيعتنا مجتمع صغير، ولسنا بحاجة إلى مزيد من التفتيت والانشقاقات·

 

·     تتميز الكويت كذلك عن غيرها من دول الجوار بوجود مؤسسات المجتمع المدني، هل ترى أن هناك آثارا إيجابية انعكست على المجتمع من خلال وجود هذه المؤسسات؟

- هذه المؤسسات هي التي تحمي المجتمع الآن، على الرغم من بعض الأخطاء التي نشاهدها من وقت لآخر· ولكن في المجمل هذه المؤسسات والجمعيات فعالة ونافذة، كما لدينا في الكويت تجمعات سياسية وشخصيات فعالة أيضا· وهو أمر لم يتحقق لكثير من الدول العربية، وهذه ثمرة أتمنى أن نستغلها ونستفيد منها على الوجه الأمثل، فنحن لدينا سلطة تنفييذية، ولدينا دستور، وتنظيم  نيابي لابد من الاستفادة منه، إذاً فالأرضية متوافرة لدينا، فقط علينا أن نفعلها ونستفيد منها، نحو تنمية مجتمع حديث معاصر، منفتح·

 

·     كانت رسالتك للماجستير عن أدب نجيب محفوظ، بعد مرور أشهر على وفاته، هل تعتقد أن نجيب محفوظ حظي بما يستحقه من دراسة واهتمام؟

- بعد حصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل وبروزه كأهم أديب عربي، لاشك أن هناك عددا كبيرا من الدراسات التي نشرت عنه، وأنا هنا لا أؤيد أن نتحول إلى ظاهرة الأديب الأوحد· بل علينا أن نستفيد من هذه الاندفاعة التي أحبط بها كاتب عظيم مثل نجيب محفوظ لتهتم بالأدباء المعاصرين، فنحن نتمنى أن يعطى جزء من هذا الاهتمام المخصص به نجيب محفوظ إلى أدباء آخرين يعيشون بيننا الآن·

 

·     على الرغم من عراقة الأدب العربي وامتداده، ما سبب اقتصار جائزة نوبل على أديب واحد فقط؟

- جائزة نوبل لها ظروفها العالمية الخاصة بها، فإلى سنة 1960م تقريبا كانت هذه الجائزة محصورة في الدول الأوروبية فقط· وربما يكون (طاغور) من أوائل الذين حصلوا عليها من شعوب الجنوب أو المشرق· ومنذ فترة التسعينات بدأ الاهتمام بالآداب الأخرى، مثل الياباني والهندي والإفريقي·· إلخ· بالنسبة لأدبنا العربي كان من الممكن أن يحصل عليها أديب مثل توفيق الحكيم، أو جبران خليل جبران· ولكن للأسف في ذلك الوقت لم يكن هناك التفات إلى آداب المشرق·

إذاً فالالتفاتة كانت متأخرة إلى الأدب العربي، وعندما جاءت كانت من نصيب أديب موفق مثل  نجيب محفوظ·

 

·     د· الشطي أديب مبدع وناقد، وأستاذ جامعي، أي هذه الحالات الثلاث أحب إلى نفسك؟

- طبعا بلا شك الجانب الإبداعي هو الأحب إلى نفسي، ولو أن الإنسان كانت له حرية الاختيار المطلقة فإني أختار العملية الإبداعية لأنها هي الأقرب إلى النفس· لكن لا يعني هذا أنني أشعر بلا جدوى مما أصنع من أعمال أخرى، فأنا لدي إحساس عميق بأن علي واجب إنساني وأدبي واجتماعي، إزاء البيئة والمجتمع الذي أعيش فيه، وهذا نوع من أنواع التضحية، بل أنا أذهب أبعد من ذلك وأقول هو واجب على كل إنسان مفكر وقادر أن يعطي جزءا من وقته للجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني، وللهموم العامة التي يعيشها الناس في وطننا· ممكن أن يتخلى الإنسان عن هذه الأعمال في سبيل التفرغ لإبداعه، ولكن التفاعل مع المجتمع يحمل رسالة مهمة ومفيدة·

طباعة  

شعر