رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 14 فبراير 2007
العدد 1762

متى بدأ العراق السير في الاتجاه الخاطىء؟

·         معركة الناصرية في رابع أيام الغزو حملت النذر لما سيواجهه الأمريكيون في العراق لكنهم تجاهلوها

·         مزيج المتطرفين من سنة وشيعة وجهاديين ومدنيين الذي ينشر الفوضى الآن كان موجودا منذ أيام الحرب الأولى

 

بقلم تيم بريتشارد:

ربما كانت المهمة الأصعب التي واجهت مجموعة دراسة العراق هي تحديد اللحظة التي بدأ فيها بالضبط، كل شيء يسير في الاتجاه الخاطىء· كيف تحولت مظاهر الغبطة على العراقيين وهم يسقطون تمثال صدام، بسرعة، إلى مشاهد من السيارات المفخخة والأمهات اللواتي ينتحبن على أحبائهن القتلى وطيارات الهليوكبتر المحترقة؟

لقد اعتبر بعض الذين مثلوا أمام مجموعة الدراسة أن حل الجيش العراقي بعد سقوط بغداد كان خطأ فادحا، وقال آخرون إنه كان هناك نقص في عدد القوات البرية المطلوبة لحفظ الأمن والاستقرار في العراق·

ولكن المشكلة في مثل هذه التحليلات أنها تميل إلى اعتبار الغزو وفترة ما بعد الغزو كأمرين منفصلين عن بعضهما·

إذ يتم عادة، تصوير الغزو بأنه جيد التخطيط والتنفيذ، بينما ينظر إلى استراتيجية ما بعد الغزو بأنها ضعيفة التخطيط وتفتقر إلى القوة البشرية اللازمة· والفكرة أن لحظة سحرية في وقت ما خلال الأسابيع والأشهر التالية للانتصار العسكري، جعلت العراق ينزلق نحو الفوضى·

وفي الواقع، هناك الكثير من الأمور المشتركة بين المعركة القصيرة لاحتلال بغداد والمعركة الطويلة منذ ذلك الحين· فكل المعلومات حول طبيعة المتاعب التي أعقبت ذلك، كانت جلية منذ اليوم الأول للحرب· ولو تم ربط الدروس المستفادة آنذاك، بالتخطيط السياسي والعسكري لانتهج الأمريكيون سبيلا أكثر واقعية منذ الأيام الأولى للغزو·

معركة الناصرية

لقد اتضحت تلك الدروس من خلال معركة صغيرة، لكنها دموية، خاضها الجنود الأمريكيون في اليوم الرابع للغزو، وهي المعركة التي خسرها الجيش الأمريكي· وقد وقعت هذه المعركة في الثالث والعشرين من مارس 2003 حين اقتربت قوات المارينز من مدينة الناصرية، حيث أوكلت لوحدة من قوات المارينز مهمة احتلال جسرين رئيسيين لفتح الطريق إلى بغداد· والمعروف أن غالبية سكان الناصرية هم من الشيعة الذين تمردوا على حكم صدام في عام 1991· وقد افترض الأمريكيون أن المدافعين عن المدينة سيلقون سلاحهم حال وصول الجنود الأمريكيين·

ولكن ما إن وصلت قوات المارينز إلى أطراف المدنية حتى صادفتهم بقايا العديد من العربات العسكرية الأمريكية المحترقة، بعد أن ضلت هذه العربات طريقها ودخلت المدينة فواجهت مقاومة شرسة من قبل الجنود العراقيين· ولكن المشكلة أن الرأي العام الأمريكي والأمريكيين انشغلوا بمصير مجندة أمريكية اسمها جيسيكا لينش وقعت في الأسر، وأغفلوا مغزى تلك المعركة التي قدمت إشارات واضحة حول طبيعة الحرب التي تنتظر الأمريكيين في العراق·

فقد تعرض الجنود الأمريكيين لهجوم من قبل عدد كبير من المقاتلين العراقيين الذين لم يكونوا يرتدون الزي العسكري، وفوجىء الجنود بأن معظم النيران جاءتهم من منازل مواطنين شيعة تم التعرف عليها من الرايات السوداء المعلقة عليها·

والأكثر من ذلك، أنه حين استدرج الجنود الأمريكيين إلى معركة وسط المدينة، بدأ المزيد من السكان يخرجون من منازلهم ويشاركون في المعركة· وقد اضطردت مجموعة من الجنود الأمريكيين الذين وجدوا أنفسهم معزولين عن وحدتهم، اللجوء إلى أحد المنازل، فوجدوا أنفسهم تحت نيران مدنيين عراقيين لعدة ساعات· لقد كانوا يتوقعون محاربة جنود عراقيين، إلا أنهم وجدوا أنفسهم يطلقون النار على أناس من كبار السن وحتى الأطفال·

وبالطبع، كان هناك تواجد لميليشيا "فدائيي صدام" إضافة إلى بعض الجهاديين اليائسين من الأجانب الذين انضموا إلى القتال في ذلك اليوم، ولكن المئات من المقاتلين كانوا ببساطة، مدنيين يدافعون عن بلادهم من الغزو الأجنبي· إذاً، فهذا المزيج الغريب والمعقد من المتمردين - المتشددين السنة والشيعة والجهاديين الأجانب والمدنيين - الذي ينشر الفوضى في عراق اليوم، كان حاضرا في ذلك اليوم من معركة الناصرية، ولكن أحدا لم يعر له اهتماما·

ومن الأخطاء التي وقع فيها الأمريكيون في هذه المعركة، نقص المعلومات الاستخباراتية وضعف معرفتهم بتضاريس المنطقة، الأمر الذي أدى إلى غوص عدد من الدبابات الأمريكية في أوحال الأهوار·

مرارة الهزيمة

وحدث ذات مرة أن أطلقت الطائرات الأمريكية النار على قوات المارينز، مما أدى إلى مقتل عشرة جنود·

وكانت الاتصالات تنقطع بين مختلف الوحدات العسكرية الأمريكية· ودفعت المقاومة الشرسة في الأيام الأولى للحرب، عددا من قادة القوات الأمريكية للاعتقاد بأنهم قد يخسرون المعركة· وهذا يكشف عن حقيقة أخرى، لم تظهر خلال التقدم إلى بغداد، وهي أن هناك حدودا لما يمكن أن تفعله القوات المدرعة والتكنولوجيا في مواجهة شعب مؤمن بعدالة قضية ويحارب دفاعا عن أرضه·

ووقعت حوادث أخرى كانت تبدو ثانوية في ذلك الوقت، ولكنها كانت نذيرا لما سيحدث بعد ذلك· فقد حدث أن رأى ضابط في قوات المارينز مشهدا غريبا، إذ كان عدد من جنود المارينز يقفون على كومة من جثث لمواطنين عراقيين ويلتقطون الصور لبعضهم، وبعد عام واحد ظهرت فضيحة سجن أبوغريب·

ولكن الأمر الذي كان الأكثر إثارة للمفاجأة في الناصرية هو رفض هؤلاء الناس المحرومين من الحرية، تأييد قوات التحالف· ففي أحسن الأحوال وقف السكان على الحياد وأخذوا يرقبون المعارك· وفي أسوأها، سارعوا إلى التقاط أسلحتهم وقاذفات الـ"آر· بي· جي" وخرجوا للتصدي لقواتنا· وخلال أربعة أيام من بدء الغزو، أخذ العراقيون ينضوون تحت لواء الطائفة أو القبلية ويهاجمون قوات التحالف أو يهاجمون بعضهم·

لقد قتل ثمانية عشر جنديا من قوات المارينز في ذلك اليوم من شهر مارس في الناصرية في معارك هي الأشرس خلال العمليات العسكرية التي سبقت سقوط بغداد الذي أنسى الأمريكيين مرارة الهزيمة في الناصرية·

لقد كان ذلك أمرا مدعاة للعار، فلو تم الوقوف على تفاصيل ما حدث وتحليله بدقة في وقت مبكر، بدلا من التكتم عليه في غمرة الشعور بنشوة النصر، لكانت قوات التحالف قد تعلمت دروسا مفيدة من أجل إعادة بناء العراق ومنها محدودية قدرة القوة العسكرية وأهمية الفهم الصحيح والدقيق لتعقيدات المكان والسكان ومخاطر التقليل من قدرة العدو· ولكن الرئيس بوش، بدلا من أن يفعل ذلك، اكتفى بإلقاء بيانه الشهير على متن حاملة الطائرات "إبراهام لينكولن" معلنا "إنجاز المهمة"·

لقد كان الدرس الذي تجاهلناه في مدينة النصرية، أن جميع الطرق إلى بغداد ليست سهلة، والدرس الذي لا ينبغي لأركان إدارة بوش أن يتعلموه الآن، هو أن لا طريق سهلا للخروج من بغداد·

عن نيويورك تايمز

طباعة  

من أجل تقريب معركة "أرماجدون" وعودة المسيح
المسيحيون الصهاينة يريدون تفريغ فلسطين من المسيحيين