رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 14 فبراير 2007
العدد 1762

من أجل تقريب معركة "أرماجدون" وعودة المسيح
المسيحيون الصهاينة يريدون تفريغ فلسطين من المسيحيين

                                       

 

·         مايحدث في فلسطين هو صراع بين المستوطنين الأوروبيين وسكان البلاد الأًصليين ولا علاقة له بصدام الحضارات

·         المحافظون الجدد مجموعة من اليهود الذين جمعهم  حب إسرائيل

·         الحرب على الإرهاب هي الابنة الشرعية لصدام الحضارات

·         مسيحيو فلسطين يمثلون عقبة أمام ترويج الرواية الإسرائيلية للصراع في أوروبا

·         المسيحيون في فلسطين فضلوا التحالف مع المتشددين الإسلاميين على إسرائيل

 

بقلم جوناثان كوك

هناك مشهد غريب في الرواية الأخيرة للروائية الفلسطينية سعاد العامري بعنوان "شارون وحماتي" لما يكشفه من موقف يهود إسرائيل تجاه الديانتين السماويتين الأخريين الإسلام والمسيحية، ففي عام 1992 وقبل وقت طويل من تحويل إسرائيل لمدينة رام الله، مسقط رأس الكاتبة الى غيتو دائم خلف نقاط التفتيش والجدران، كان يمكن لفلسطينيي الضفة الغربية التوجه بسياراتهم الى مدينة القدس بل حتى الى داخل إسرائيل ولو بعد الحصول على تصريح بذلك من سلطات الاحتلال الإسرائيلية·

وفي أحد الأيام كانت د· سعاد تقود سيارتها في القدس الشرقية، وذلك الجزء من مدينة القدس الذي احتلته إسرائيل عام 1967 والذي أصبح محاطا بالمستوطنات اليهودية التي تقيمها الحكومة الإسرائيلية بصورة غير مشروعة على أراضي الضفة الغربية·

وبينما كانت تعبر أحد الشوارع رأت رجلا يهودياً مسنا يسقط على قارعة الطريق فأدركت أنه تعرض لنوبة قلبية فقررت التوقف ونقله بسيارتها الى أحد المستشفيات القريبة، ولأنها لا تجيد اللغة العبرية حاولت طمأنة المريض باللغة الإنجليزية الى أنها ستنقله الى المستشفى·

ولكن حين علم أنها فلسطينية بدأت تساوره الشكوك، وأخذ القلق يتسرب الى نفسها من أن عملها الإنساني هذا قد ينقلب عليها إن حدث مكروه لهذا الشخص· "فمن سيقنع الشرطة إذا توفي في سيارتي بأنين كنت أحاول مساعدته؟"

 

فلسطينيون طيبون!

 

لقد بدأ المريض اليهودي يحاول تهدئه مخاوفه بتوجيه السؤال لسعاد عما إذا كانت تنحدر من مدينة بيت لحم، المدينة الفلسطينية ذات الأغلبية المسيحية ولم تشأ أن تخفي الحقيقة فأبلغته أنها من  مدينة رام الله، فسألها: هل أنت مسيحية؟ فأجابته لا إنني مسلمة الأمر الذي أثار الفزع في نفسه ولم يشعر بالارتياح إلا حين وصلت به الى المستشفى فأخذ يشكرها غير مصدق قائلاً: "هناك فلسطينيون طيبون في النهاية"!

لقد تذكرت هذه القصة حين زرت مدينة بيت لحم يوم عيد الميلاد المجيد، فقد وجدت هذه المدينة الصغيرة التي كان الضحية اليهودي، يأمل أن تكون سعاد تنحدر منها شأنها شأن كل المدن الفلسطينية اليوم، مجرد جيب معزول في الضفة الغريبة، أو أنها كذلك بالنسبة لسكانها الفلسطينيين على الأقل·

لقد كانت عملية الدخول والخروج من بيت لحم سهلة نسبيا بالنسبة للزوار والسياح الأجانب، وربما أراد الإسرائيليون بذلك إخفاء حقائق الحياة اليومية الصعبة للفلسطينيين عن أعين المجتمع الدولي بل إن جنديا إسرائيليا قدم لي قطعة شكولاته لدى مروري على نقطة تفتيش على أطراف المدينة·

وهذا يتناقض مع الممارسات الإسرائيلية القاسية حتى مع الزوار الأجانب الذين تجبرهم على المرور من خلال "نقطة عبور" ضيقة محاطة بجدار رمادي يعيد الى الأذهان صورة مدخل معسكر "أوشفيتز" الشهيرة باللونين الأبيض والأسود·

وقد كتب على بوابات معسكر أوشفيتز شعار ظاهره طيب وباطنه عنصري بغيض "العمل يجعلك حراً"· وكذلك كتب الإسرائيليون لافتة كبيرة على الجدار الرمادي عند نقطة العبور الى بيت لحم باللغات الإنجليزية والعربية والعبرية تقول "السلام عليكم"·

فالزوار الأجانب يسمح لهم بمغادرة المدينة بينما يحشر سكانها الفلسطينيون في هذا الغيتو، ويبدو أن الغرب مستعد لغض النظر عما يحدث للفلسطينيين إلا إذا تحولت مدنهم الى معسكرات للقتل ويبدو أن الغرب يتقبل فكرة معسكرات التجميع التي يمارسها الإسرائيليون بحق الشعب الفلسطيني·

لقد ظهرت بعض الأصوات الأوروبية الخجولة التي انتقدت بناء إسرائيل للجدار الفاصل في أعقاب القرار الاستشاري لمحكمة العدل الدولية في يوليو 2004 بعدم شرعية الجدار ولم نعد نسمع بأي انتقاد لبناء الجدار إلا لزعماء مسيحيين مثل زعيم أسقفية كانتربري الدكتور روان وليامز الذي كان أبرز الأصوات المنددة بالجدار خلال العام الماضي·

وحتى هذه المخاوف المسيحية، فإنها تنصب بشكل رئيسي على مسيحيي الأراضي المقدسة الذين كانوا يشكلون نسبة مهمة من السكان الفلسطينيين وأخذ عددهم يتناقض بشكل سريع فليست هناك أرقام دقيقة لكن وسائل الإعلام الإسرائيلية تشير الى أن المسيحيين الذين كانوا يشكلون 15 في المئة من الأراضي المحتلة ذات يوم، ولا يمثلون اليوم سوى 2-3 في المئة فقط من السكان، ويتركز معظمهم في المناطق الفلسطينية المحاذية للقدس وخاصة في بيت لحم ورام الله والقرى المجاورة·

وينطبق الشيء ذاته على مناطق ما قبل عام 1948 أو ما يعرف الآن بإسرائيل حيث أصبح المسيحيون يشكلون نسبة أقل من السكان عما كانوا عليه قبل سنوات قليلة· فمثلا كانوا في عام 1948 يشكلون ربع السكان الفلسطينيين الذين يشكلون بدورهم 20 في المئة من إجمالي سكان إسرائيل، أما اليوم فلا تزيد نسبة المسيحيين من إجمالي سكان الأقلية العربية في إسرائيل عن 10 في المئة ويتركز معظمهم في الناصرة والقرى المجاورة في الجليل·

 

نهاية التاريخ

 

ومن المؤكد أن استمرار التناقص في أعداد المسيحيين في الأراضي المقدسة يثير قلق قادة إسرائيل بالدرجة ذاتها التي يشعر بها الزعماء المسيحيون الذين يزورون بيت لحم في أعياد الميلاد، ولكن لسبب مختلف تماما، فإسرائيل تشعر بالسعادة لمغادرة المسيحيين لمجرد كونهم فلسطينيين·

وقد يكون رحيل المسيحيين من الأراضي المقدسة مرحبا به أكثر من قبل المسيحيين الصهاينة في الولايات المتحدة الذين يحاولون مساعدة الفلسطينيين من مسلمين ومسيحيين، على الهجرة لاعتقادهم أنه حال سيطرة اليهود على كامل الأراضي المقدسة تقترب معركة "أرماجدون" و"نهاية التاريخ"·

وبالطبع هذه ليست الرواية الإسرائيلية الرسمية، فقد سارع زعماء إسرائيل على إلقاء اللائمة لهجرة المسيحيين على المجتمع الفلسطيني حيث يجادلون بأن تنامي التطرف الإسلامي وانتخاب حركة حماس مؤخراً عرّض المسيحيين الى تهديد حقيقي، ولكن هذا التفسير يتفادى الإشارة الى تراجع أعداد الفلسطينيين المسيحيين على مدى العقود الماضية·

لكن إسرائيل ترى أن قرار الكثير من المسيحيين الهجرة من الأراضي المقدسة التي تجذروا فيها منذ قرون ليس سوى انعكاس لـ "صدام الحضارات" الذي يمثل مواجهة بين الإسلام المتطرف والغرب المسيحيي- اليهودي·

لقد وجد المسيحيون الفلسطينيون شأنهم شأن اليهود الفلسطينيين وجدوا أنفسهم محشورين في الجانب الخطأ من خطوط المواجهة في الشرق الأوسط·

وقد فسرت صحيفة الجيروزاليم بوست الإسرائيلية ذات التوجه اليميني المصير الذي آل إليه غير المسلمين في الأراضي المقدسة في افتتاحية لها في عيد الميلاد، ورد فيها أن "عدم التسامح الإسلامي تجاه اليهود والمسيحيين مقصوص من خامة واحدة هي الجهاد" وختمت الصحيفة افتتاحيتها بالمجادلة أن التصدي للجهاديين هو السبيل الوحيد "لإنهاء محنة المضطهدين "هكذا" من المسيحيين واليهود"·

وقد عبر عن موقف مماثل مؤخراً آرون كلين في مقالة نشرها على الموقع الإلكتروني الأكثر شعبية في إسرائيل Ynet حيث يقول إن المسلمين المتطرفين أقاموا عرضاً للقوة في عيد الأضحي الأخير من أجل تخويف أهالي مدينة الناصرة من المسيحيين·

لقد أصبحت وسائل الإعلام الأمريكية والإسرائيلية تستهدف قلب وتشويه حقائق الحياة الفلسطينية فمثلا تعرض التأييد لحركة حماس كدليل على النزعة الجهادية في المجتمع الفلسطيني وليس علامة على الإحباط من فساد حركة فتح وتعاونها مع إسرائيل وإشارة على تصميم المواطن الفلسطيني العادي على اختيار مسؤولين مستعدين للتصدي للمقالات المستمرة من جانب إسرائيل·

 

صدام الحضارات

 

وعادة ما ينسب مصطلح "صدام الحضارات" الى حفنة من المثقفين الأمريكيين الذين أبرزهم المستشرق بيرنارد لويس والأكاديمي صموئيل هنتنغتون الذي ألف كتابا بهذا العنوان الأمر الذي أعطاه شهرة عالمية واسعة والى جانب هؤلاء كانت هناك حركة المحافظين الجدد المتغلغل أفرادها في أروقة السلطة في واشنطن الذين وصفهم موقع Ynet مؤخراً بأنهم مجموعة من اليهود الذين يجمعهم الحب لإسرائيل·

وفي الواقع فإن فكرة الصدام بين الحضارات نمت من رحم رواية دولية صاغها تفسير إسرائيل لتجاربها في الشرق الأوسط·

وقد عقد تحالف بين المحافظين الجدد وقادة إسرائيل في منتصف التسعينات مع نشر وثيقة بعنوان "وقفة نظيفة" استراتيجية جديدة لحماية العالم، والتي تعرض سياسة خارجية للولايات المتحدة مفصلة على مقاس المصالح الإسرائيلية بما في ذلك خطط لغزو العراق كان قد أعد الوثيقة رمور بارزون في حركة المحافظين الجدد ولاقت مباركة رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، بنيامين نتانياهو·

وحين وصل المحافظون الجدد الى السلطة في واشنطن بانتخاب جورج دبليو بوش رئيسا أصبحت ولادة الابنة الشرعية لصدام الحضارات والمقصود "الحرب على الإرهاب" أمرا حتميا·

ومن قبيل المفارقة إن هذه الرؤية للمستقبل التي صاغها عدد من يهود أمريكا وإسرائيل تجد لها تعبيرا في كل ما ترمز اليه المسيحية الأصولية من الترويج لحملة صليبية غريبة متحضرة ضد "قطعان" المسلمين الى التلميح بأن المواجهة النهائية بين الحضارتين "هجوم نووي على إيران" قد يكون نهاية التاريخ وبالتالي يقود الى عودة المسيح·

فإذا وقع هذا الصدام بين الحضارات فيجب أن يكون مقنعا على خط المواجهة الأكثر إلحاحا لهذا الصدام، أي الشرق الأوسط بل تحديدا في الأراضي المقدسة، ويجب أن يتجسد صدام الحضارات في تجربة إسرائيل كدولة ديمقراطية متحضرة تخوض حرباً من أجل البقاء ضد جيرانها المسلمين "البرابرة"·

وهناك مشكلة واحدة أمام تسويق هذه الصورة على الغرب، وهي الأقلية من مسيحيي فلسطين الذين عاشوا بسعادة تحت الحكم الإسلامي في الأراضي المقدسة طوال قرون، فهؤلاء المسيحيون يشوشون الصورة على نحو يثير حفيظة إسرائيل من خلال الاستمرار في الاضطلاع بدور ريادي في الحركة الوطنية الفلسطينية وفي مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، فهم يفضلون الوقوف الى جانب "المتشددين" الإسلاميين على إسرائيل التي تمثل القاعدة المتقدمة لـ "الحضارة" المسيحية اليهودية·

إن وجود المسيحيين الفلسطينيين يذكرنا بأن "صراع الحضارات" المفترض في الأراضي المقدسة ليس حرب أديان في الواقع بل صراع قوميات بين السكان الأصليين والمستوطنين والمستعمرين الأوروبيين·

 

انخراط حميم

 

ففي داخل إسرائيل، على سبيل المثال كان المسيحيون يشكلون العمود الفقري للحزب الشيوعي، الحزب غير الصهيوني الوحيد المسموح له بالعمل على مدى عقود، والكثير من الفنانين والمثقفين الفلسطينيين الأشد انتقاداً لإسرائيل هم مسيحيون بمن فيهم الروائي الراحل إميل حبيبي والكاتب انطوان شماس والمخرجان السينمائيان إيليا سليمان وهاني أبو سعد والذين يعيشون جميعا في المنفى، والصحافي أنطوني شالهات الذي يخضع للإقامة الإجبارية في إسرائيل·

كما أن السياسي الفلسطيني الأبرز في إسرائيل وعضو الكنيست عزمي بشارة هو أيضا مسيحي وكان قد تم تقديمه للمحاكمة بتهمة العداء لدولة إسرائيل وكثيرا ما يتعرض للإساءة من قبل أعضاء آخرين في الكنيست·

وبالمثل ضحت الحركة الوطنية الفلسطينية العلمانية بالكثير من الرموز المهمة من المسيحيين من أمثال البروفيسور الراحل إدوارد سعيد ونشطاء في حقوق الإنسان مثل رجا شحادة·

كما كان مؤسسو أكثر المنظمات الفلسطينية العلمانية تشدداً هم مسيحيون من أمثال مؤسس الجبهة الشعبية جورج حبش ومؤسس الجبهة الديمقراطية نايف حواتمة·

هذا الانخراط الحميم لمسيحيي فلسطين في الكفاح الوطني هو أحد الأسباب وراء رغبة إسرائيل في إيجاد الوسائل لتشجيعهم على الهجرة ومن ثم إلقاء اللائمة على المسلمين في تخويفهم وممارسة العنف ضدهم·

وفي الحقيقة يمكن أن يعزى تراجع أعداد المسيحيين في الأراضي المقدسة الى عاملين لا صلة لأي منهما بصدام الحضارات، الأول هو انخفاض معدلات النمو في أوساط المسيحيين، فوفقا لأحدث الأرقام لدى مكتب الإحصاء الإسرائيلي فإن عدد أفراد الأسرة عند المسيحيين في المعدل 3.5 شخص في مقابل 5.2 شخص عند المسلمين ومن زاوية أخرى كان 33 في المئة من المسيحيين في فلسطين عام 2005 كانت تقل أعمارهم عن 19 مقارنة بـ 55 في المئة عند المسلمين·

بكلمات أخرى تراجعت نسبة السكان المسيحيين على مدى السنوات بسبب ارتفاع معدلات المواليد عند المسلمين·

ولكن العامل الثاني لا يقل أهمية وهو أن إسرائيل أقامت نظاما قمعيا للفلسطينيين من مسلمين ومسيحيين في كل من الأراضي المحتلة وفي مناطق عام 1948 وقد صمم هذا النظام لتشجيع الفلسطينيين الميسورين أكثر من غيرهم (وهو ما يعني عملياً المسيحيين) على الهجرة·

لقد طبقت إسرائيل هذه السياسة بشكل سري منذ عقود لكنها سرعتها بشكل كبير في السنوات الأخيرة وتحديدا بعد أن أقامت الجدار الفاصل ونشرت المئات من نقاط التفتيش في الضفة الغربية للتضييق على السكان وتقييد حركاتهم، لقد هدفت إسرائيل من ذلك تشجيع النخبة وأبناء الطبقة الوسطى للبحث عن حياة أفضل في الغرب وإدارة ظهورهم الى الأراضي المقدسة·

ولدى المسيحيين الفلسطينيين الكثير من الوسائل للهجرة لسببين الأول أنهم يتمتعون تقليدياً بمستويات معيشة أعلى باعتبارهم أصحاب محلات في المدن ورجال أعمال على العكس من الفقراء من الفلاحين في القرى·

وثانيا أن صلاتهم بالكنائس العالمية جعلت من السهل عليهم العثور على دولة يلجؤون إليها في الخارج، وعادة ما تبدأ هذه الرحلة بالسفر من أجل دراسة الأبناء·

لقد استغلت إسرائيل القدرة المالية للآباء المسيحيين والفرص المتزايدة للأبناء في الخارج لمصلحتها الخاصة بعد أن جعلت من الصعب عليهم تحصيل الدراسات العليا في الأراضي الفلسطينية وفي إسرائيل على السواء·

ففي داخل إسرائيل على سبيل المثال، يجد المواطن الفلسطيني من الصعب جداً عليه دخول الجامعة مقارنة بالتسهيلات الممنوحة للطالب اليهودي بل يجد الطالب العربي من المتعذر عليه تقريبا دراسة بعض التخصصات مهمة كالطب والهندسة·

 

غطاء للجهاد

 

وبدلاً من ذلك، أصبح المسلمون والمسيحيون على مدى عقود أعضاء في الحزب الشيوعي على أمل الحصول على البعثات الدراسية الى الجامعات في أوروبا الشرقية وكان المسيحيون أيضا قادرين على استغلال صلاتهم بالكنائس لمساعدتهم في الدراسة في الجامعات الغربية وبالطبع فإن عدداً كبيراً من هؤلاء الطلاب لم يعودوا بعد التخرج لا سيما وأنهم كانوا يدركون أنهم سيواجهون إذا عادوا اقتصاداً يوصد الأبواب أمام غير اليهود·

وحدث شيء مشابه في الأراضي المحتلة حيث كافحت الجامعات الفلسطينية تحت الاحتلال، لتقديم مستوى عال من التعليم خاصة في ظل القيود الصارمة على حركة المدرسين والطلبة ومع ذلك ما زال من المتعذر الدراسة لدرجة الدكتوراة في الضفة الغربية أو غزة ومنعت إسرائيل الطلبة الفلسطينيين من الدراسة في جامعاتها ولم يكن أمام هؤلاء الطلبة إلا التوجه الى الخارج إذا كانت لديهم القدرة المادية على ذلك، ومرة أخرى اختار الكثير من هؤلاء عدم العودة·

ولكن في حالة الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة، وجدت إسرائيل من الأسهل إغلاق الباب في وجودهم، فالكثيرون منهم أكاديميون ورجال أعمال ممن يحاولون بناء المجتمع الفلسطيني بعد عقود من الدمار الذي ألحقه بهم الاحتلال الإسرائيلي·

فقد كشف تقرير لجامعة بيرزيت المرموقة في الضفة الغربية أن احدى دوائر الجامعة فقدت 70 في المئة من طاقم مدرسيها بسبب رفض السلطات الإسرائيلية تجديد تصاريح الإقامة الخاصة بهم·

وعلى الرغم من عدم توافر الأرقام، إلا أن بوسع المرء الافتراض بسهولة أن النسبة الأكبر من الفلسطينيين الذين يفتقدون حق الإقامة هم المسيحيون ومن المؤكد أن تأثير إلحاق المزيد من الضرر في نظام التعليم في الأراضي المحتلة، هو زيادة هجرة الفلسطينيين من الجيل الثاني من القيادات ومنهم المسيحيون·

وبالإضافة الى ذلك إن خنق الفلسطينيين من خلال بناء الجدار الفاصل والحد من حرية الحركة والحصار الاقتصادي الدولي على الحكومة الفلسطينيية يؤدي الى تدمير حياة كل الفلسطينيين·

وهذا الوضع شجع المقتدرين من الفلسطينيين ومنهم الكثير من المسيحيين بالطبع على السعي للهجرة من فلسطين·

وترى إسرائيل في مغادرة المسيحيين مصلحة لها وستكون أكثر سعادة لو هاجر كل مسيحيي فلسطين وتتحول بيت لحم والناصرة الى وصاية الكنائس الدولية·

فمن دون المسيحيين الفلسطينيين الذين يعيقون تنفيذ السياسات الإسرائيلية سيكون من الأسهل بكثير على إسرائيل إقناع الغرب أن الدولة اليهودية تواجه عدواً مميتا يتخيل في الإسلام المتطرف وبأن النظال الوطني الفلسطيني ما هو إلا غطاء للجهاد وتحويل لصدام الحضارات يستهدف الدولة العبرية وبذلك يتم إطلاق يد إسرائيل لتفعل ما تشاء بالشعب الفلسطيني·

فالإسرائيليون من أمثال ذلك المريض اليهودي الذي نقلته سعاد العميري الى المستشفى قد يعتقدون أن المسيحيين الفلسطينيين لا يشكلون خطرا حقيقياً عليهم وعلى وجودهم، ومع ذلك تجد إسرائيل كل مبرر لمواصلة اضطهاد وعزل مسيحيي فلسطين بالدرجة ذاتها التي تفعلها مع المسلمين إن لم يكن أكثر·

 

* صحافي مقيم في مدينة الناصرة ومن أهم مؤلفاته: "الدم والدين: كشف القناع عن الدولة اليهودية والديمقراطية"

"المصدر Znet"

طباعة  

متى بدأ العراق السير في الاتجاه الخاطىء؟