· وزير التهديد الاستراتيجي يريد استكمال برنامج التطهير العرقي الذي بدأه الصهاينة عام 48
· ليبرمان يطالب بإعدام أعضاء الكنيست العرب بتهمة الخيانة العظمى
· الحكومة الإسرائيلية تعيش الآن على أجهزة التنفس الصناعي
بقلم: يوهان هاري
حين انضم زعيم حزب الحرية اليميني المتطرف جورج هايدر الى الائتلاف في النمسا في عام 2000 تحرك العالم بسرعة وتحرك بشكل جماعي لعزل البلاد، ولكن حدث شيء مماثل في إسرائيل قبل أسابيع حين انضم سياسي يميني متطرف يدعى أفيغدور ليبرمان الى الائتلاف الحاكم في إسرائيل في منصب نائب رئيس الوزراء، ولم يحرّك العالم ساكناً·
لقد اعتقل ليبرمان الذي كان يعمل حارسا في أحد الأندية الليلية في لاتفيا قبل أن يهاجر الى إسرائيل في أواخر السبعينات، بسبب ضرب صبي اعتقد أنه كان يحاول الاعتداء على ابنه·
وقد خاض حزبه "إسرائيل بيتنا" الانتخابات متبنياً قضيتين بشعتين، الأولى، الزعم بأن المليوني عربي الذين يعيشون داخل إسرائيل يشكلون "خطراً على الدولة" يجب مواجهته ولو اقتضى وذلك القيام بعمليات تطهير عرقي· وسبق له أن طالب بإلقاء الفلسطينيين في البحر·
واليوم، فقد "عدّل" عن مواقفه مطالباً فقط بترحيل مئات الآلاف من عرب 1948، بالقوة - إذا انقضى الأمر - الى ما تبقى من فلسطين بعد قيام إسرائيل بضم الكتل الاستيطانية غير الشرعية إليها·
والنموذج الذي يستشهد به ليبرمان هو قبرص حيث جرى الفصل بالقوة بين الأتراك واليونانيين في الجزيرة في السبعينات· وهو يريد أن يبدأ عمليات ترحيل الفلسطينيين بخطوة بسيطة وسريعة هي إعدام أعضاء الكنيست العرب بتهمة "الخيانة" لأنهم التقوا بأعضاء الحكومة الفلسطينية المنتخبة بشكل ديمقراطي·
أما القضية الثانية التي تبناها في الانتخابات فهي محاولة إقامة نظام رئاسي بحيث تؤول السلطات كلها في الدولة الى "رجل قوي" لقد نشأ ليبرمان في الاتحاد السوفييتي السابق، وقاعدته الانتخابية هي المهاجرون الروس الذين يصل عددهم الى حوالي المليون شخص· لقد كان هؤلاء اليهود يمقتون النزعة المناهضة للسامية في الاتحاد السوفييتي السابق، إلا أن بعضهم قد تشرّب أنماط التفكير التي كانت سائدة هناك، ويعجبون، لماذا يُسمح أن تقف الائتلافات والمحاكم العليا في طريق زعيم عظيم يريد القضاء على أعدائه·
على خط المواجهة
يقول رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت أنه لا يؤيد وجهات نظر ليبرمان وأنه لن ينفذ سياساته، لكنه أوكل له المهمة الأكبر في إسرائيل، وهي كيفية الرد على الخطر النووي الإيراني، في الوقت الذي يعرف الجميع وجهات نظر ليبرمان من هذه المسألة· فقد دعا الى ضرب إيران منذ عام 2001، وقال إن إسرائيل "تقف على خط المواجهة في صدام الأديان"·
إن الصمت الذي قابل به الرأي العام الإسرائيلي تعيين ليبرمان في الحكومة لهو إشارة على مدى جنوح إسرائيل نحو اليمين·
لقد ظهر في الثمانينات رجل فاشي يدعى مئير كهانا يدعو الى "دولة يهودية نقية" - على نمط ما يدعو اليه ليبرمان اليوم - بعد "تطهيرها من التلوث العربي" و"تجريدها من أوهام الديمقراطية الليبرالية"·
لقد نبذ المجتمع الإسرائيلي ذلك المتطرف آنذاك، ومنعت المحكمة العليا ترشيحه لعضوية الكنيست، أما اليوم، فإن حفنة من الإسرائيليين الشجعان فقط، هي التي رفعت صوتها معارضة تعيين ليبرمان، في الحكومة، واستقال وزير واحد من حزب العمل، قائلا إنه يعتبر الجلوس الى جانب هذا "العنصري" خيانة لكل القيم اليهودية·
ويبدو أن مسألة التطهير العربي ستعاود الظهور كقضية التيار الأوسع في السياسات الإسرائيلية في هذه الظروف، بعد الهزيمة العسكرية التي لحقت بالجيش الإسرائيلي في لبنان خلال الصيف الماضي، ففي الواقع، ربما تكون هذه هي الحرب الوحيدة التي تخسرها إسرائيل في تاريخها (ففي شهادته أمام لجنة خاصة في الكنيست الشهر الماضي، تساءل أولمرت، هل تدمير نصف لبنان هو هزيمة؟) لقد أصبحت القيادة السياسية في إسرائيل تعيش بواسطة أجهزة التنفس الصناعي، تماما كأرئييل شارون، حيث يواجه الرئيس تهماً بالاعتداء الجنسي وأولمرت تهماً بالفساد·
وفي خضم كل هذا، انفرط عقد أحد المحرّمات الوطنية· فكل من قرأ التاريخ بتعمق يدرك أن التطهير العرقي للسكان الأصليين في فلسطين هو الإثم الأصلي الذي ارتكبته إسرائيل، وهو الشرط المسبق لقيام الدولة العبرية، واليوم يشعر الشعب الإسرائيلي بأن وجوده في خطر مرة أخرى، ولذلك يعود الى طروحاته الأولى، عبر ليبرمان، وعاد الحديث عن ارتكاب الجرائم ذاتها التي ارتكبها الصهاينة الأوائل لإقامة دولتهم·
لقد كتب ديفيد بن غوريون أول رئيس لوزراء إسرائيل عام 1937 يقول "إنني أؤيد الترحيل القسري ولا أرى أي شيء غير أخلاقي·· ويجب على العرب أن يرحلوا، ولكن المرء بحاجة إلى فرصة مواتية كاندلاع حرب، صلتنفيذ مآربه" ويوثق المؤرخ الإسرائيلي الشجاع إيلان بابي في كتابه الجديد بعنوان "التطهير العرقي الفلسطيني" بالتفصيل كيف تم تنفيذ خطة بن غوريون قرية قرية وبلدة بلدة، في عام 1948، والجنود اليهود الذين نفذوا هذه الجرائم كانوا يحاولون إقناع أنفسهم بكل ما أوتوا من قوة، أن هؤلاء المزارعين العرب الأبرياء هم نازيون وأن أدولف هتلر كان يختبىء في مكان ما من رام الله أو بيت لحم أو نابلس··
الرقص في الظلام
ويقوم طرح ليبرمان في جوهره، على أساس أن التطهير العرقي لعام 48 لم يكتمل بعد· نعم لقد تم ترحيل 800 ألف فلسطيني ولكن بقي مثلهم داخل إسرائيل يمثلون "طابوراً خامسا" ويجب الآن التخلص منهم·
وربما يكون النموذج للكيفية التي يفكر بها الإسرائيليون هو المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس الذي اعتبر ذات يوم بطلا في نظر اليسار الإسرائيلي والعالمي حين نبش في الأرشيف العسكري الإسرائيلي بشجاعة وتحدث عن عمليات الطرد الجماعي للفلسطينيين من أرضهم عام 1948·
ولكن في أعقاب الانتفاضة الثانية، قال في مقابلة صحافية معه إن العالم لم يكن يفهمه طوال السنوات الماضية، موضحا أنه لم يتحدث عن التطهير العرقي باعتباره شيئا سيئا، "إذ لا يمكنك أن تصنع (الأوملت) دون كسر البيض، ولا بد أن تتسخ يداك" وأضاف أنه "كان من الأفضل كثيرا لو طردنا كل العرب من هنا"·
لقد بدأت أبشع النزوات تطفو على السطح في السياسات الإسرائيلية، لقد كانت هناك دائما قوى مناهضة للديمقراطية في إسرائيلي، فقد فكرّ شارون عام 67 في القيام بانقلاب عسكري·
على سبيل المثال، وكان هناك دائما من يدعون الى التطهير العرقي من بن غوريون الى السياسيين الذين يجيزون هدم المنازل العربية (والعربية فقط دون اليهودية) المبنية دون ترخيص في القدس الشرقية، وهي العملية التي شهدتها بنفسي·
ولكن أفيغدور ليبرمان ليس سوى شعار لكل ذلك بأكثر تجلياته تطرفا، وقد أصبح اليوم قاب قوسين أو أدنى من تولي رئاسة الحكومة·
ومن أجل الفلسطينيين ومن أجل مصلحة إسرائيل ذاتها· حان الوقت لأن ننقذ إسرائيل - كما أنقذنا النمسا - من الرقص في الظلام مع اليمين المتطرف·
"عن الإندبندنت"