رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 29 نوفمبر 2006
العدد 1752

عرض لكتاب: "الدول الفاشلة" لتشومسكي

                                            

 

قراءة وتعليق سعاد المعجل:

تبقى كتب عالم اللغة "نعوم تشومسكي" من أكثر الكتب إثارة للجدل!! فمنذ الستينات "تشومسكي" ضالع في نقد السياسية الأمريكية، مما جعل لاصداراته صدى كبيرا في جميع أنحاء العالم، آخرها كان كتابه "هيمنة أم بقاء" في العام 2003، ثم تبعها كتاب "طموحات استعمارية" الصادر في العام 2005، ويأتي كتابه "الدول الفاشلة" الصادر في 2006، الذي يتناول فيه الاستخدام الأمريكي السيىء للقوة، والإهانة الأمريكية للفكر الديمقراطي!!

يتناول "تشومسكي" في كتابه "الدولة الفاشلة" طبيعة الفكر الأمريكي المتغطرس والذي يتصور أنه يملك الحق في أن يتدخل عسكرياً في "الدول الفاشلة" لإيقاظ الحس الديمقراطي في نفوس شعوبها!! وتشومسكي هنا يقلب الطاولة على أمريكا، ليبين للقارئ كيف أن الولايات المتحدة هي الأخرى تشترك مع تلك "الدول الفاشلة" في الكثير من سمات التخلف السياسي وأمية الديمقراطية، مما يجعلها تشكل خطراً ليس على العالم التي هي بصدد إنقاذه وحسب·· وإنما على شعبها وأرضها!!

يعرف تشومسكي في البداية "الدولة الفاشلة" بأنها تلك الدول التي عجزت عن توفير الأمن لمواطنيها، وحمايتهم من جميع أشكال العنف والدمار!! وهي الدول التي ترى أنها بمنأى عن قبضة العدالة والقانون الدولي!! ثم يكشف "تشومسكي" كيف أن الولايات المتحدة قد تسببت في عسكرة كوكب الأرض مما ضاعف من خطر نشوب حروب نووية ستقضي على الإنسان!! ويعود "تشومسكي" بتلك العسكرة الى حقبة الرئيس "كلينتون" الذي كان يرى ضرورة أن تسيطر أمريكا على كل المجال الفضائي للعمليات العسكرية وذلك لتأمين أمن وسلامة أمريكا، ومن قبله كان "كارتر" الذي حث وزير داخيلته "هارولد براون" لتمويل القدرات النووية التي تؤمن لأمريكا النفوذ السياسي!! وبالطبع لم ينس هنا أن يعود بتاريخ مثل هذا الزحف العسكري الأمريكي الى الرئيس "ريغان" صاحب مشروع "حرب النجوم"!! وتكون أمريكا بذلك قد هيأت المناخ لنهاية العالم وفقا للرؤية المسيحية وكما جاءت في أسفار العهد الجديد!! ثم يحذر "تشومسكي" من أن التكنولوجيا الحديثة قد ضاعفت ولا شك من خطر الحرب النووية، حيث يأتي اختراق تلك الأسلحة من قبل إرهابيين هاكرز أمراً ليس من قبيل الدعابة بشيء!!

يقدم "تشومسكي" وبالأرقام حجم التغيير في استراتيجيات وأهداف جماعات أصولية، وذلك بعد الحرب على العراق!! وحيث تشير إحدى الدراسات كيف كانت تلك الجماعات تنظر الى أحداث الحادي عشر من سبتمبر بكونها عدوانية ومتطرفة، ولتغير بعد ذلك وبعد الحرب على العراق·· نظرة هؤلاء الذين أصبحوا يرون أن أهدافهم قد أصبحت موجهة لمحاربة كل ما يمت الى أمريكا بصلة·

يستعرض "تشومسكي" وبسخرية كيف خدعت الإدارة الأمريكية شعبها وشعوب العالم في قضية "الحرب على الإرهاب"·· خاصة بعد تسرب بعض التفاصيل الى الصحافة البريطانية، ليصل الى خلاصة مفادها إن منع هجمات إرهابية لم يكن أبدا من أولويات الأجندة الأمريكية، بقدر ما هي أولوية السيطرة على مواقع جغرافية استراتيجية وثروات طبيعية، وهي الأولوية التي طالما تمسكت بها الإدارة الأمريكية ومنذ أربعينيات القرن الماضي!!

يقدم "تشومسكي" في كتابه أحد أبرز أساتذة السياسة وفلسفة الأخلاق "جون راولز" والذي طرح في مؤلفاته فكرة "قانون البشر" التي تنص على حق الإنسانية في التمتع بكل ما توفره لها المعاهدات الدولية، ويعتبر "راولز" أن الدول التي لا تلتزم بمثل هذا القانون·· هي دول خارجة عن القانون والأعراف الدولية!!

وهو بالتحديد ما يراه "تشومسكي" في المسلك الأمريكي الذي انتهك كل المعاهدات الدولية سواء في الفلوجة في العراق، أو سجن أبو غريب، أو في غوانتانامو!! وهو ما جعل العراق ضحية لنظامين مجرمين، الأول في ديكتاتورية صدام حسين، والثاني كان في الحصار الذي شنته بريطانيا وأمريكا على العراق، والذي كانت حصيلته مخيفة، منها أن الدخل العراقي هوى إلى ما يقارب خُمس الدخل قبل عام 1995، مع تضاعف معدل الوفيات بين المواليد·· وصعوبة إن لم يكن استحالة الحصول على أبسط الاحتياجات المعيشية!!

يتناول "تشومسكي" وبالتفصيل ولادة قرار الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية لما يتعلق باستخدام القوة، وهو القرار الذي أجمع عليه الموقعون في العام 1945 لحماية العالم من عنف الحروب ودمارها!! مثل هذا القرار تكرر الإجماع بشأنه في ديسمبر 2004!! وقد ضمت اللجنة المعنية بهذا القرار، وزير الأمن القومي الأمريكي إبان فترة بوش الأب، "برنت سكوكروفت"، وحيث أجمعت اللجنة على أن استخدام القوة العسكرية يجب أن يصدق من الأمانة العامة للأمم المتحدة!! وأن أي خروج عن ذلك سيعد بمثابة جريمة حرب!! إلا أن الولايات المتحدة كانت أول المخترقين للمادة 51 من قانون الأمم المتحدة والتي وضعت شروطا للجوء الى استخدام القوة·· وقد كانت البداية من التحول في السياسة الأمريكية الخارجية إبان حقبة "كلينتون"، لتكر سبحه الاختراق الأمريكي للمادة 51، والذي فسرته "كونداليسا رايس" بأنه من حق الولايات المتحدة أن تهاجم دولة ما قد تشكل تهديداً مستقلياً للولايات المتحدة!! وإذا كان الأمر كذلك، يكون باستطاعتنا إذا أن نقول إن من حق "أسامة بن لادن" "وطالبان" الهجوم على الولايات المتحدة لأنهم وفقا لما ذكره صحافي بريطاني- قد استشعروا التهديد الأمريكي لهم قبل شهرين من الحادي عشر من سبتمبر!!

يتساءل "تشومسكي" عن حقيقة الدور الأمريكي في نشر الديمقراطية في العالم·· خاصة أنه الدور الذي طالما تصدر كل التصريحات الأمريكية المتعلقة بأسباب تدخلها في الدول الأخرى سواء عسكريا أم سياسيا!! و"تشومسكي" هنا يرفض مثل هذا التبرير الأمريكي خاصة في ظل التغيير الدراماتيكي في التقييم الأمريكي لحلفائها وأعدائها·· أشهرهم على الإطلاق تقييمها "لصدام حسين" الذي تحول من حليف استراتيجي الى طاغية أساء لشعبه وللديمقراطية وللحريات بكل أشكالها!! ومن هنا فإن "تشومسكي" يرى أن الخطر الحقيقي للولايات المتحدة هو القوميات المستقلة، والتي ترى فيها خطراً قد يمتد الى الدول المجاورة، لهذا فإن الإدارة الأمريكية ترى في رفض دولة مثل كوبا الانصياع للأوامر الأمريكية·· خطراً وخطأ في آن واحد!!

يعود "تشومسكي" بمثل هذا التذبذب الأمريكي في التقييم الى الحرب العالمية الثانية، حين وقفت الولايات المتحدة مع "روسيا" ورئيسها آنذاك "جوزف ستالين" والذي كان "هاري ترومان" يلقبه بـ "العم جو"·· بل لم يتوان "ترومان" عن التصريح بأنه سيقف مع ألمانيا إذا ما انتصرت روسيا·· لكنه سيقف مع روسيا إذا ما انتصرت ألمانيا، وبهذا نكون قد حققنا أعلى الخسائر في كلتا الدولتين!! هذا التصريح الذي نصح مستشارو "ترومان" بضرورة عدم الإشهار به وإعلانه، وإنما استخدامه كأساس لاستراتيجية أمريكا التوسعية· وهي الاستراتيجية التي كانت وراء كل المواقف الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط·· منها على سبيل المثال الموقف الأمريكي من الرئيس العراقي "عبد الكريم قاسم" والذي كانت تخشى أن يتحول الى صورة أخرى من "جمال عبد الناصر" الذي عزز الانتماء القومي العربي· ورفض الخضوع للمعسكر الأمريكي الغربي آنذاك، وأيضا الموقف الأمريكي الراهن في العراق· و"تشومسكي" هنا يرفض المقارنة بين فيتنام والعراق، فهو يرى أنه في حالة فيتنام، كان المخطط الأمريكي تدمير فيتنام، وحظر التوسع الشيوعي فيها، ثم الانسحاب· لكن ذلك ليس الحال في العراق، فأمريكا لا ترغب في تحطيم العراق ثم الانسحاب، لأن العراق مهم جداً بالنسبة للولايات المتحدة، وهي لا تستطيع الانسحاب إلا إذا أمنت في العراق حليفاً مطيعا وقويا!!

يقدم "تشومسكي" عدة أمثلة لهذه الاستراتيجية الأمريكية، ففي لبنان يأتي الاستثمار الأمريكي لحادثة اغتيال "الحريري" كأحدها، خاصة في ظل الرؤية الأمريكية إبان عهد "ريغان" في العام 1985، التي تقول إن هذا هو عام بداية الحرب على الإرهاب، وهو العام الذي شهد حوادث عنف كثيرة في لبنان، ثم تأتي "مصر" التي تأتي بعد إسرائيل من حيث المساعدات الأمريكية، والتي تدعم الولايات المتحدة رئيسها "حسني مبارك" على الرغم من كل الاحتجاج الشعبي لاستمرار ولايته، أما في "ايران" فيبدو أن الديمقراطية لا تعني شيئاً بالنسبة لأمريكا مقارنة برغبتها في معاقبة النظام الذي أطاح بأبرز حلفائها في المنطقة، أي شاه إيران·

كل تلك الأمثلة يراها "تشومسكي" شاهداً على شكل وطبيعة الديمقراطية التي تريدها الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، والتي جعلتها تدعم إسرائيل وتؤيدها في محاصرة الزعيم العربي الوحيد المنتخب من قبل شعبه، ياسر عرفات، ثم تتبعها برفضها للحكومة المنتخبة في فلسطين، أي حكومة حماس·

ينتقل بنا "تشومسكي" من الديمقراطية الأمريكية خارج حدود الولايات المتحدة، الى ديمقراطية الولايات المتحدة المحلية، وهو ما يشكك به "تشومسكي" يوافقه في ذلك العديد من المفكرين الأمريكيين الذين كتبوا حول ديمقراطية امريكا في الداخل، أشهرهم "روبرت دال" الذي انتقد وبشدة النظام السياسي الأمريكي والذي يرى أنه يفتقد للديمقراطية بشكلها الصحيح·

ويسرد "تشومسكي" بعضا من فصول انتخابات العام 2004 في أمريكا، التي هي بنظر الكثير من الأمريكيين قد قسمت المجتمع الأمريكي· بالإضافة الى ما حملته تلك الانتخابات من سمات كثيرة "للدول الفاشلة" التي تسعى الولايات المتحدة، على حد تعبيرها، الى تقويمها ودمقرطتها· ويكفي أن نذكر هنا تصريحا "لكولن باول" للصحافة الأمريكية أعلن فيه أن الشعب الأمريكي قد صرح للرئيس "بوش" بأن يستمر في سياسته الخارجية العدوانية· على الرغم من أن ذلك أمر عار عن الصحة تماما· بالإضافة الى أن السياسة الأمريكية، كما يراها، المواطن الأمريكي قد انحرفت وبشكل كبير عن مطالبه واحتياجاته كشعب، والتي هي في أغلبها أمور تتعلق بالرعاية الصحية والتعليم والضرائب وغيره·· ولعل في كارثة "إعصار كاترينا" خير دليل على أن الحكومة لم يعد بإمكانها إخفاء حقيقة إخفاقها في رعاية شؤون المواطن الأمريكي داخلياً!!

يختتم "تشومسكي" كتابه قائلاً بأنه قد بات من الصعب تجاهل الإخفاق الواضح في الديمقراطية الأمريكية·· خاصة في ظل إعلان الحكومة عن مهمتها "النبيلة" لنشر الديمقراطية في العالم البائس·

ويضيف بأن الحكومة الأمريكية تقف في مواجهة أكثر من مأزق، لكنها وبكل أسف لا تتوانى عن استخدام تبريراتها في كل مرة يكون الإجماع على إخفاقها، وكما حدث في "نيكاراغوا" حين بررت الإدارة الأمريكية كل تلك المجازر بكونها الأسلوب الوحيد لمحاصرة التحول غير المرغوب فيه في تلك الدولة، وبنفس المنطق· تتعامل إدارة بوش مع الوضع في العراق، فهي تريد للعراقيين أن يتصرفوا باستقلالية، لكن لا يجب أن تضر مثل هذه الاستقلالية بالمصالح الأمريكية، وأن لا تؤدي مثلا الديمقراطية العراقية الى نظام شيعي يتحالف مع إيران، وأن تخضع مناطق الثروة النفطية لسيطرة دول متشددة كإيران·

ثم يتطرق "تشومسكي" لمعضلة أمريكية قادمة، فالصين، وبعكس أوروبا، ترفض الهيمنة الأمريكية والتهديد الأمريكي· لكن الصين تزود إيران بالسلاح وإيران عدو نشط وخطر، كما أن أمريكا أصبحت تخشى أن تتوجه آسيا وأوروبا الى المزيد من التحرر من القبضة السياسية والاقتصادية الأمريكية، وهو أمر يضاعف من حجم الهاجس الأمريكي، خاصة بعد أن تضاءلت لدى الولايات المتحدة، فرصة ضمان نفط الشرق الأوسط، وأصبحت كوبا وفنزويلا متقاربتين الأولى تنظم برامج رعاية صحية وتعليم، والثانية تمدها بالنفط الرخيص·

كثيرة هي الهموم والمآزق التي يرى "تشومسكي" أن الولايات المتحدة أصبحت تواجهها، والخروج منها لا يكون برأيه إلا بتعزيز الحس والثقافة الديمقراطية، التي تؤمن للعامة دوراً ليس على المستوى السياسي وحسب، وإنما كذلك في الشأن الاقتصادي·

طباعة  

احتفالية الإخوان بمئوية "الإمام"
التكاليف تجاوزت الـ 7 ملايين وفشل الاجتماع التاريخي