رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 1 نوفمبر 2006
العدد 1748

نصف قرن على مجزرة كفر قاسم
وقائع المجزرة: "الله يرحمه" و"من دون عواطف"!

 

كان ذلك يوم الاثنين 29/10/1956، يوم العدوان الثلاثي، البريطاني - الفرنسي - الإسرائيلي، على مصر في أعقاب تأميم قناة السويس من قبل مصر بقيادة جمال عبدالناصر·

في ذلك الوقت كان دافيد بن غوريون رئيس الحكومة ووزير الدفاع، وكان موشيه ديان رئيس الأركان وكان الجنرال تسفي تصور قائد قيادة المركز والمسؤول عسكريا عن المنطقة التي وقعت فيها جريمة كفر قاسم، منطقة القرى الحدوية مع الأردن المعروفة بالمثلث والممتدة من أم الفحم شمالا الى كفر قاسم جنوبا، ففي صباح ذلك اليوم قام الجنرال تسفي تصور بإبلاغ المقدم يسخار شدمي (الوف مشنيه) قائد لواء الجيش وغيره من قادة الألوية في قيادة المركز عن السياسة المقررة تجاه الأهالي العرب في منطقة الحكم العسكري خلال "عملية قاديش" أي "العملية المقدسة" - وهي الاسم الإسرائيلي للحرب ضد مصر· والمقصود بالسياسة المقررة تجاه العرب تلك التي قررها وزير الدفاع بن غوريون، وأكد تسفي تصور أنه يجب ضمان الهدوء التام على الجبهة الأردنية لصالح "العملية في الجنوب" أي في سيناء،·

وعلى إثر أوامر تسفي تصور قام المقدم (الوف مشنيه) شدمي بإعلان منع التجول على القرى العربية في المنطقة، وكان منع التجول عملياً مفروضا على قرى هذه المنطقة منذ ضمها لدولة إسرائيل (بموجب اتفاقية رودوس في يونيو/ أيار 1949) من الساعة التاسعة مساء على الطرق ومن العاشرة مساء في داخل القرى، حتى الصباح، أي أن شدمي أمر بزيادة ساعات منع التجول بحيث تبدأ من الخامسة مساء بدل التاسعة·

وفي حوالي الساعة الواحدة من بعد ظهر اليوم نفسه (29/10/1956) قام المقدم شدمي باستدعاء الرئيس الأول (راف سيرين) شموئيل مالينكي، الذي كانت سرايا حرس الحدود التابعة له ضمت الى لواء الجيش بقيادة شدمي، وأبلغه أنه قرر أن ينيط به وبرفقته (حرس الحدود) مهمة فرض منع التجول في القرى العربية: كفر قاسم، وكفر برا، وجلجولية، والطيرة، والطيبة وقلنسوة، وبير السكة· وأن منع التجول سيفرض ابتداء من الساعة الخامسة من مساء ذلك اليوم حتى الساعة السادسة من صباح اليوم التالي·

 

لا معتقلين!

 

وقام شدمي بإبلاغ مالينكي أن منع التجول هذه المرة سيكون من نوع خاص، شديدا جدا ويطبق "بيد قوية"، وليس عن طريق الاعتقالات بل عن طريق إطلاق النار·

وأضاف شدمي: قتيل واحد أو عدد من القتلى أفضل من التورط باعتقالات· وحين سأله مالينكي عن مصير العائدين الى قراهم بعد ساعات منع التجول، أجابه "الله يرحمه"· قال ذلك باللغة العربية وأضاف: "من دون عواطف"·

وعلى الأثر عقد مالينكي اجتماعا مع ضباط فرقته (14 ضابطا برُتب مختلفة) وبينهم الملازم (سيغين) غبرئيل دهان (قائد السرية المسؤولة عن قطاع كفر قاسم) وأبلغهم بأمر منع التجول وأنه يجب عدم أخذ معتقلين، فكل من يخالف يطلق عليه الرصاص ويقتل، وإذا وقع قتلى فإن هذا سيساعد على فرض منع التجول في الليالي القادمة، وأضاف أن: "كل من يرى خارج البيت يطلق عليه الرصاص من أجل قتله"·

ويسأل الضابط آريه منشس: ماذا يكون مصير النساء والأطفال؟ فيجيبه مالينكي: "مصيرهم مثل مصير الآخرين: من دون مشاعر"، فيعود منشس سائلا عن مصير العمال العائدين الى قراهم فيجيبه مالينكي "الله يرحمه"! هكذا قال قائد اللواء أي شدمي·

وقرر مالينكي وضباطه في الاجتماع المذكور تبليغ مخاتير القرى بأمر منع التجول فقط في الساعة 4:30 من مساء ذلك اليوم 29/10/56·

وجاء في بروتوكول الجلسة المذكورة: "ابتداء من هذا اليوم في الساعة 17:00 يرفض منع التجول على قرى الأقليات حتى الساعة السادسة صباحا· جميع مخالفي منع التجول يطلق الرصاص عليهم من أجل قتلهم"·

وأنيطت بالملازم دهان وبسريته (حرس الحدود) مهمة تنفيذ منع التجول في قرية كفر قاسم، وعقد حالا اجتماعا لرجال سريته وأبلغهم بالمهمة وأوضح لهم أنه يجب إطلاق الرصاص من أجل القتل على كل إنسان يشاهد بعد الساعة الخامسة مساء خارج البيت من دون تمييز بين الرجال والنساء والأطفال والعائدين من خارج القرية وقال إن هذا "عمل مشروع"·

وفي الساعة 4:30 من مساء الاثنين 29/10/56 قام العريف يهودا زشنسكي بتبليغ مختار كفر قاسم السيد وديع صرصور (وكان في الـ 74 من عمره آنذاك) بأمر منع التجول·

فسأله المختار عن مصير أهالي كفر قاسم الذين يعملون خارج القرية، وقال إن عددهم حوالي 400 نسمة وإنهم موجودون في أماكن متعددة وبعيدة في بيتاح تكفا واللد ويافا وغيرها· فأجاب العريف إنه "سيهتم بهم"·

 

كلمة السر

 

وفي الساعة 4:50 من مساء ذلك اليوم أتم الملازم دهان استعداداته، فقام بإبلاغ قيادة الكتيبة بكلمة السر التي تعلن أنه أتم استعداداته لفرض منع التجول ولبدء المذبحة، وكانت كلمة السر هذه هي "أخضر"·

وما إن اقتربت الساعة الخامسة حتى كانت وحدات حرس حدود منتشرة على مداخل القرية وبشكل خاص على المدخل الرئيسي وهو المدخل الغربي للقرية (حيث أقيم فيما بعد النصب التذكاري لشهداء المجزرة)·

خلال ساعة واحدة أوقف "رجال الأمن" كل عائد للقرية، بعد يوم عمل مجهد، أوقفوا كل عائد يسير على قدميه، كل راكب دراجة، كل راكب عربة وكل سيارة، تأكدوا من هويتهم بأنهم من سكان كفر قاسم وأمروهم جماعة بعد الأخرى بالاصطفاف على حافة الطريق وأطلقوا النار عليهم تنفيدا لأمر ضابطهم أن "احصدوهم"، وبعد عملية "حصاد" كانت فرقة حرس الحدود تبتعد عن الطريق غربا عن الجثث حتى لا تثار مخاوف القادمين الجدد قبل وصولهم الى موقع الفرقة·

وصل عدد القتلى الى 49 ضحية من النساء والرجال والأطفال، 43 منهم قتلوا على المدخل الرئيسي للقرية - المدخل الغربي·

 

كشف الستار عن المجزرة

 

منذ أن ارتكبت الجريمة البشعة في عصر يوم الاثنين 29/10/1956 تميز سلوك السلطة، حكومة بن غوريون وجميع أجهزته بإسدال ستار التعتيم على الجريمة البشعة·

منعت السلطة الخروج والدخول من والى كفر قاسم، وأما الرقابة العسكرية فقد فرضت صمتاً مطبقاً ومنعت نشر أي إشارة الى الجريمة قد تكون تسللت الى الصحافة والإعلام ومن عرف بالجريمة خلال الأيام الأولى فقد بلغ الحدث وأطبق عليه بين غير مصدق وبين ملتزم بالصمت·

وعلى إثر وصول النبأ الى النائب توفيق طوبي قامت الكتلة الشيوعية في الكنيست بطلب إدراج الموضوع على جدول الأعمال استفسارا ومحاسبة، إلا أن رئاسة الكنيست عطلت كل مبادرة في هذا المجال·

أول إشارة الى الجريمة البشعة كان صدور بيان ملفق مشوه من قبل مكتب رئيس الحكومة في 11/11/1956 جاء فيه:

"في 29 أكتوبر 1956 وعلى إثر تصاعد نشاط الفدائيين أعلن نظام منع التجول في عدد من القرى القائمة على الحدود الشرقية، وذلك للمحافظة على حياة الناس، وهذه المحافظة أنيطت بوحدة من وحدات حرس الحدود وأهالي القرى تقيدوا بنظام منع التجول الذي تقرر من الساعة 17.00 مساء حتى الساعة 6.00 صباحاً وفي بعض القرى عاد السكان الى بيوتهم بعد البدء بساعات منع التجول فأصيبوا على أيدي حراس الحدود"·

واستمر الإغلاق والتعتيم ومنعت الرقابة العسكرية نشر أية معلومات·

وفي 20/11/1956 قام عضوا الكنيست ماير فلنر وتوفيق طوبي بالتسلل عبر الطوق الذي كان ومازال مفروضا على البلدة المكلومة لاستقصاء الحقائق مباشرة من شهود المجزرة والمصابين·

وكانت الزيارة وكأنها زيارة الى مقبرة لا حياة فيها فأهل القرية حتى ذلك اليوم كانوا لا يزالون متسترين في بيوتهم، لا أحد في الشوارع إلا المتنقل من بيت الى آخر على عجالة  وأول من التقى بهما عضوا الكنيست كانا صبيين تخوفا في البداية من الكلام حتى اطمأنا لمن يقابلهما فساعداهما على الاتصال ببعض الأهالي داخل البيوت حيث انطلقت الألسن تتحدث عن الجريمة البشعة·

وقام توفيق طوبي بتدوين شهادة الأحياء الناجين والذين شهدوا مسرح الجريمة ونجوا وسجلت الحقائق في مذكرة مفصلة وزعت في 23/11/1956 بالمئات بالبريد وباليد، وبالعبرية والعربية والإنجليزية·

 

عن مجلة كنعان

www.canaanonline.com  

طباعة  

العثور على نحلة عمرها 100 مليون عام
 
طحن حبوب الدواء قد يكون "قاتلا"
 
نجمة صبح