رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 20 سبتمبر 2006
العدد 1743

هل تتحول أمريكا اللاتينية الى اليسار فعلاً؟

                                                   

 

·         استقطاب قومي.. واستقطاب طبقي ولكن لا ثورة اشتراكية في الأفق

·       ما يريده تشافيز وموراليس أقل مما حصلت عليه دول النفط منذ سنوات طويلة

 

جيمس بيتراس*:

هيمنت سلسلة من الاستقطابات الاجتماعية والقومية في نصف الكرة الغربي من العالم على الحياة السياسية طيلة السنوات القليلة الماضية، فمع بداية الألفية الجديدة كانت المواجهة القومية بين كوبا وبين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وكانت المواجهات الاجتماعية بين الحركات الهندية الريفية وحركات العاطلين عن العمل في المدن وبين مجموعة من النظم الليبرالية الجديدة في مختلف أنحاء القارة وأنتج هذا الاستقطاب طيلة السنوات الخمس والعشرين الماضية "1975-2000" العصر الذهبي للنهب الاستعماري، وتدفقت تحويلات هائلة شرعية وغير شرعية للأملاك والثروة والأرباح والفوائد ومدفوعات الضرائب من أمريكا اللاتينية إلى الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي، وتمت "خصخصة" أعلى المشروعات العامة ربحية، وتقدر قيمتها بأكثر من 350 بليون دولار من دون أي سند دستوري ووقعت في نهاية المطاف بيد الولايات المتحدة الأمريكية وشركات ومصارف إسبانية وأوروبية أخرى متعددة الجنسيات وتجاهلت المراسيم الرئاسية البرلمانية والقواعد الانتخابية وأعطت لرأس المال الأجنبي مواقع متميزة، وأهملت الاحتجاجات البرلمانية وجهود الناخبين ومدققي الحسابات الوطنيين·

وترافق "العصر الذهبي" لرأس المال المتعدد الجنسيات مع عهد أنظمة منتخبة زوراً تم الترحيب به في الدوائر السياسية الأوروبية والأمريكية الشمالية ولقي صدى في وسائط الإعلام الرائجة بوصفه عصر "الديمقراطية والأسواق الحرة"·

ووصل نهب الشركات والبنوك المتعددة الجنسيات الأمريكية والأوروبية ما بين العام 1975 والعام 2005 الى ما قيمته أكثر من 950 بليون دولار، وقاد النهب من دون تنمية بشكل حتمي الى أزمة اجتماعية اقتصادية عامة وشبه انهيار لنموذج التراكم الرأسمالي ذي المحور الاستعماري في الأرجنتين "1998-2002" والإكوادور "1996-2006" وبوليفيا "2002-2005" والبرازيل "1998-2005" وبدءا من أوائل التسعينات برزت حركات اجتماعية سياسية خارج البرلمانات في معظم أنحاء أمريكا اللاتينية مترافقة مع انتفاضات شعبية على نطاق واسع اسقطت عشرة "رؤساء" من وكلاء الليبرالية الجديدة الذين زرعوا تحت رعاية أمريكية أوروبية مشتركة ثلاثة في الإكوادور والأرجنتين واثنان في بوليفيا وواحد لكل من فنزويلا والبرازيل·

وبالعودة الى الوراء من الواضح أن الموجة الجديدة من الحركات الاجتماعية السياسية المحملة بالإمكانات الثورية وصلت الى ذروة قوتها مع العام 2002 وكانت مواقع هذه الحركات الاجتماعية السياسية التي حظيت بدعم واسع في مواجهة فساد الطبقة السياسية والاقتصادات المأزومة من القوة بحيث تستطيع المبادرة الى إحداث تغييرات بنيوية شاملة لو أنها استطاعت تحويل القوة الاجتماعية الى قوة دولة·

ولكن الحركات الجماهيرية تعثرت وتوقف قادتها عند بوابات القصر التنفيذي وبدلا من ذلك تطلعوا الى الأعلى نحو سياسيي "يسار الوسط" المنتخبين  المعاد تصنيفهم ليحلوا محل قادة وأحزاب يمين الليبرالية الجديدة القدماء الذي فقدوا مصداقيتهم ومع العام 2003 بدأت الحركات الاجتماعية  بالانحسار مع تعاون الكثير من القادة مع الموجة الجديدة لسياسيي "يسار الوسط" وانخفضت الوعود "بالتحولات الاجتماعية" الى مستوى "الرعاية والهبات الخيرية وسياسات الاقتصادات الكبرى الأرثوذكسية على غرار ثوابت الليبرالية الجديدة نفسها، ومع ذلك قاد نضال التسعينات الجماهيري في بعض البلدان الي قيام أنظمة سياسية جديدة لم تكن لا وكيلة للولايات المتحدة الأمريكية ولا متحررة من تأثر الليبرالية الجديدة وبخاصة في فنزويلا وبوليفيا·

 

أقطاب قومية

 

في العام 2006 ظهر تجمع جديد عظمت فيه الاستقطابات القومية الى حد مهم على الانقسامات الطبقية الاجتماعية وفي هذا الانقسام الدولي الجديد وقفت الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي في جانب ووقفت في الجانب الآخر كوبا وفنزويلا وبوليفيا في الجانب الآخر، ويجد هذا الاستقطاب الرئيسي تعبيره في أمريكا اللاتينية بين قطب "يمين جديد" ليبرالي جديد لليساريين السابقين ووكلاء أمريكا الوسطى وجنوبها شبه الشعبيين من جانب وبين القوميين الجماهيريين في بوليفيا- فنزويلا، وفي وسط هذا هناك مجموعة كبيرة من البلدان يمكن أن تنتقل إما الى هذا الجانب أو ذاك ويتضمن المدافعون عن "سوق حرة يميني جديد" نظام "لولا" في البرازيل والرئيس الحالي فوكس في المكسيك وخمسة نظم في أمريكا الوسطى حكومة فاسكويز في الأورغواي ونظام أوروبي في كولومبيا وباشليت ولوكيدو في تشيلي وبيرو·

وما بين بين، هناك حكومة "كرشنر" في الأرجنتين التي تعكس رغبة في تعميق علاقاتها التجارية بفنزويلا، وتحييد ضغوط الوطنيين الشعبيين وتعزيز تحالف رأسمالي وطني أجنبي مختلط مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين، ويسود التنافس بين دولتي الكاريبي، الإكوادور ونيكارغوا وربما بيرو، ودول الكاريبي "باستثناء جمهورية الدومينكان" وبسبب الهبات النفطية رفضت مساندة الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي سياسيا ضد فنزويلا وبوليفيا حتى وهي تسعى إلى تعزيز دخولها في الأسواق الشمالية وخارج أوروبا وأمريكا الشمالية تقف الصين وروسيا وإيران وبعض الدول العربية المنتجة للنفط من دون حركة تحالف علناً أو سراً الى جانب التحالف القومي الكوبي- الفنزويلي- البوليفي·

اللافت للنظر في الانقسامات القومية هو الاستقطابات الطبقية وأقوى نقط الانعطاف موجودة في الإكوادور وفنزويلا وكولومبيا وكوستاريكا والمكسيك وبوليفيا والبارغواي والأكثر حداثة في البرازيل في الإكوادور أعاد التحالف الحاكم بناء قاعدته الجماهيرية، والتحالف مع جماهير نقابات العمال كان فعالا في هزيمة اتفاقية التجارة الحرة المدعومة أمريكيا وألغى العقود النفطية مع شركة "أوكسيدنتال الأمريكية" وفي فنزويلا  هناك استقطاب ثنائي بين الطبقة العاملة وفقراء المدن ضد ملاك الأرض المحليين والنخبة الإعلامية ورجال الأعمال الموالين للولايات المتحدة الأمريكية من جهة وبين الطيف الواسع لأنصار تشافيز بين مديري الدولة  الأثرياء والنخبة البيروقراطية ورجال الأعمال الوطنيين وجنرالات الحرس الوطني والنقابات العمالية والمزارعين المحرومين من الأرض وسكان الأحياء الفقيرة والعاطلين عن العمل، وتظل التناقضات الطبقية في بوليفيا كامنة على الأغلب بسبب الاستقطاب القومي ولكنها تعبر عن نفسها في النزاع بين سياسات الاقتصاد  الكبير الأرثوذكسي لنظام "موراليس" وتزايد ضآلة المدفوعات للعاملين في قطاع التعليم والصحة وبقية القطاعات العامة·

في البلدان التي يكون فيها الاستقطاب بين النزعة القومية الأمريكية اللاتينية وبين الولايات المتحدة ودول أوروبا هو الأقوى يكون الصراع الطبقي، مؤقتا على الأقل تحت السيطرة أو بكلمات أخرى يضع الصراع القومي الطبقي تحت بند الوعد بأن سيطرة قومية أعظم ستنتج زيادة في موارد الدولة، وتبعا لذلك إلى إجراءات إعادة توزيع الثروة·

في البرازيل انحاز الصراع الطبقي نتيجة لإخضاع اتحاد النقابات العمالية التقليدية والى حد ما حركة عمال الريف، الى نظام "لولا" الليبرالي الجديد، ومع ذلك فبسبب تخفيض "لولا" القاسي رواتب تقاعد مستخدمي القطاع العام ومعارضته لزيادة جوهرية في الأجر الأساسي وأجر الحد الأدنى قام اتحاد النقابات الذي يمثل العاملين في القطاع العام وعمال المعادن وعمال البناء بإنشاء اتحاد عمالي ديناميكي جديد في مايو 2006 "الكونلوتا"·

وتبنى هذا الاتحاد نمط حركة اجتماعية منظمة تضم منظمات العاملين والعاطلين عن العمل، وحركات العمال الريفية  والطلبة والمرأة والبيئة والعمال المحرومين من الأرض في بنيتها العاملة وكان التمثيل في البرلمان على انتخابات مباشرة في التجمعات الديمقراطية·

ويمثل ظهور اتحاد عمالي ذي قاعدة جماهيرية واسعة أول قطيعة كبيرة مع نظام "لولا" القائم على "يسار الوسط" للبيرالية الجديدة وبهذا يعيد إحياء سياسة الطبقة العاملة، ويفرض بديلا حقيقيا لقوة الاتحاد الموالي للنظام الآخذ بالانحسار·

 

وقائع وأساطير

 

هناك سوء فهم كبير وتشويش في أوساط اليمين واليسار على حد سواء في ما يتعلق بطبيعة النزاع بين قوميي أمريكا اللاتينية والولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي والشركات المتعددة الجنسيات وأول نقطة توضح الأمر هي حول طبيعة المعايير القومية التي يتبناها الرئيس الفنزويلي تشافيز والرئيس البوليفي موراليس فكلا النظامين لم يلغ معظم العناصر الجوهرية للنظام الرأسمالي وبخاصة الأرباح الخاصة، والملكية الأجنبية، والتعويض عن الأرباح وتسويق الغاز والطاقة، أو السلع الرئيسية الأخرى ولا أعتبر الاستثمارات الأجنبية مستقبلا غير قانونية·

وفي الحقيقة ما تزال حقول فنزويلا النفطية الكبيرة الأكثر غنى بالاحتياطي على صعيد العالم، مملوكة لرأس المال الأجنبي·

والأمور الخلافية حول إجراءات الرئيس تشافيز الاقتصادية الراديكالية تدور حول زيادة الضريبة والرسوم من أقل من %15 الى %33 وهو معدل ما زالت تحت ما تدفعه الشركات النفطية في كندا والشرق الأوسط وأفريقيا، وما يثير وسائط الإعلام الأمريكية والبريطانية ليس التحليل المقارن بين الضرائب· والرسوم ولكن المقارنة الباطنة بالماضي الذي لم تكن فيه ضرائب وفي الحقيقة تشافيز وموراليس هما مجرد محدثين ومطورين لعلاقات دولة قومية نفطية لتصل إلى المعايير العالمية الراهنة، أو بمعنى أصح هما يقومان بتطبيع العلاقات المنظمة في وجه الأرباح الاستثنائية الهائلة الناجمة عن اتفاقيات فاسدة مع موظفي دولة تنفيذيين، وما رد الفعل الشرس من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وشركاتهم المتعددة الجنسيات إلا نتيجة أنهم أصبحوا معتادين على التفكير بأن الامتيازات الاستثنائية كانت معيار النمو الرأسمالي لا نتيجة موظفين فاسدين·

ونتيجة لذلك قاوما تطبيع العلاقات الرأسمالية في فنزويلا وبوليفيا، حيث المشاريع المشتركة "حكومية وخاصة" وتقاسم الأرباح وهي شائعة في معظم البلدان ولذا ليس مفاجئا أن ينصح رئيس شركة شل الهولندية الملكية زملاءه النفطيين بالقول إن الموقف القومي للدول النفطية الغنية، وإعادتها صياغة العقود هي "واقع جديد" على شركات الطاقة الدولية القبول به·

وعلى النحو نفسه قالت لشركة الغاز والطاقة الإيرلندية "بان آندين" أنها يمكن أن تعمل في بوليفيا إثر تصريح موراليس "بالتأميم"·

إن نقط الخلاف الكبرى ليست أن الرأسمالية ضد الاشتراكية، ولا هي حتى الملكية الخاصة ضد تأميم  الملكية، ناهيك عن ثورة اجتماعية تقود مجتمع مساواة·

الأزمة الكبرى هي حول:

1- زيادة الضرائب والأسعار والرسوم·

2- تحويل المؤسسات الى مؤسسات شراكة·

3- التمثيل في مجالس إدارات الشركات·

4- توزيع الأسهم بين الأجانب وبين من تحددهم الدولة·

5- الحق القانوني في مراجعة العقود·

6- دفعات التعويضات عن الأصول·

7- إدارة وتوزيع مبيعات الصادرات·

هذه النظم المفترضة والإصلاحات يمكن أن تزيد احتياطيات الدولة وتأثيرها ولا نقطة من نقط النزاع تتضمن نقلا ثوريا للملكية أو علاقات إنتاج اشتراكية هذه التغييرات هي إصلاحات تتناغم مع السياسات التي اتبعتها الأحزاب الأوروبية الاشتراكية الديمقراطية بين العامين 1946 و 1960 واتبعتها معظم الأقطار المنتجة للنفط في العالم في السبعينات الماضية بما في ذلك الدول العربية، وفي الحقيقة لقد اتخذت نظم سياسية أقدم في فنزويلا "1976" وفي بوليفيا "1952" إجراءات أكثر راديكالية بكثير في تأميم النفط وقطاعات التعدين الأخرى

 

عن موقع www.counterpunch.crg

طباعة  

المرحلة الثانية من حرب الشرق الأوسط
حرب إسرائيل على لبنان جزء من خريطة "طريق عسكرية" ترعاها الولايات المتحدة الأمريكية