رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 12 يوليو 2006
العدد 1736

تداعيات

الجنوبي صاحب الفراسة الصادقة سبق عصره

الإبداع والحزن في عيني أمل دنقل

 

                                                                           

 

بقلم: هيفاء:

تعرفت عليه للمرة الأولى وأنا بالتاسعة من عمري·· كنت أتصفح الجريدة كعادتي·· فشدتني صورة الحزن والبؤس في وجه إنسان·· تأملته كثيرا·· تسلل الحزن المسيطر على ذلك الوجه الى قلبي محدثا إحساسا رهيبا بالشفقة·· لم أكن أعلم من يكون صاحب هذا الوجه الحزين·· الذي رسخت ملامحه بذهني ولم تفارقه·· ورغم كثرة الأزمات والوجوه التي صادفتها طوال حياتي·· مازالت ملامحه الحزينة صامدة بذاكرتي·· الطريف بالأمر أني كنت أظنه كويتيا·· ربما يعود ذلك لقرب ملامحه من أبناء جيله من الكويتيين·· وأيضا لصغر سني وضحالة إدراكي وقتها··

وقبل أن يلفظ القرن العشرون أنفاسه بأعوام قليلة·· تعرفت على الإنترنت·· وبدأت العوم في بحره الواسع··· وفي إحدى جولاتي وقعت عيناي علي كلمات منظومة بإبداع طاغ·· رغم بساطتها وسلاستها تضمر بين طياتها قوة وتمكن وحكمة·

لا تصالح!!

ولو منحوك الذهب

أترى حين أفقأ عينيك

ثم أثبت جوهرتين مكانهما

هل ترى؟

هي أشياء لا تشترى··

أي شاعر مبدع صاغ هذه الجواهر··؟

اجتاحتني رغبة عارمة للتعرف عليه·· جعلتني أبحث عنه وعن بقية القصيدة·· ومن غطسة واحدة في بحر الإنترنت الواسع·· وجدت القصيدة كاملة·· وعلمت أنه كتبها بلسان كليب كوصية لأخيه الزير سالم·· وهو يحتضر بعد أن غدر به عمه جساس··· واقتطفت لكم منها!

لا تصالح على الدم·· حتى بدم!

لا تصالح! ولو قيل رأس برأس

أكلّ الرؤوس سواء؟

أقلب الغريب كقلب أخيك؟!

أعيناه عينا أخيك؟!

وهل تتساوى يدٌ·· سيفها كان لك

بيد سيفها أثكَلك؟

سيقولون:

جئناك كي تحقن الدم··

جئناك· كن - يا أمير - الحكم

وما إن فرغت من قراءة هذه الرائعة·· حتى تبادر لذهني سؤال·· من يكون هذا الشاعر الذي استطاع صياغة هذه القصيدة ببراعة متقنة·· وجعلنا نلمس خلالها جبروت كليب وغلوه حتى وهو يحتضر وفي الوقت نفسه نستشعر حنانه وعطفه·· مرتكزا في قصيدته على هذا التضاد الذي أثراها وعمّقها··

تراكضت نظراتي لأسفل الصفحة علها تجد جوابا لهذا السؤال الملح·· وتعرف من يكون هذا المبدع·· فكانت المفاجأة أن القصيدة مذيلة باسم·· أم دنقل!!!

أمن صاغ هذه الجوهرة امرأة!! فقلت لحظتها·· أي إحساس مهلك تملكه هذه المبدعة!! ومعرفتي لاسمها لم يطفىء شبقي·· أو يخمد نار فضولي·· بل زادني إصرارا لمعرفة المزيد عنها وعن روائعها·· من تكون؟ وبأي زمن عاشت؟ أم تراها من زمننا هذا ومازالت حية ترزق؟

عدت للبحث والعوم من جديد·· علني أجد أجوبة شافية حول الشاعرة أمل دنقل·· وما إن رسوت على ضفاف أحد المواقع المهتمة بالشعر والشعراء·· وقد خصصت موضوعا صغيرا عن حياة أمل دنقل·· إلا وأصابتني الدهشة·· لاكتشافي أن أمل هو رجل وليس امرأة!! ووجدت نفسي تلقائيا أبحث عن صورة له·· كتصرف اعتدته دوما حين أقرأ أو أبحث عن أي شخص أجهله·· وهنا كانت صدمتي الكبرى··· لحظة وجدت نفسي وجها لوجه مع من فسر لي معنى الحزن والبؤس دون أن ينطق بكلمة واحدة·· كيف لذلك الوجه أن ينفض غبار السنين بلحظة ويطل ليشعرني مجددا بالشفقة والبؤس!!

أدركت لحظتها أن صاحب تلك الملامح الحزينة غلبني مجددا·· وتمكن مني·· وهذه المرة ليس بملامحه بل بكلماته المهلكة·· ماذا فعلت بي يا أمل دنقل؟ وجدت نفسي التهم بنهم شديد كل ما كتبه وكُتب عنه·· وبقدر ما زاد إعجابي وإيماني يوما بعد يوم بموهبته الشعرية النادرة·· زاد سخطي على هذه الأمة الظالمة·· فهي أمة تحاصر مبدعيها وتجاربهم وتهملهم طوال حياتهم·· وما إن يضنيهم ويقهرهم الإهمال·· فيطويهم الموت تحت جناحيه·· إلا وتبدأ رحلة الاحتفاء بهم وتكريمهم·· وتقديسهم!! أجل تقديسهم ولما العجب·· فنحن أمة تقدس الموت والأموات·· كأنها تتعمد قتل مبدعيها لتقدسهم!! وكان أمل دنقل أحد ضحاياها·· فلم يعرفه طوال حياته عشر من عرفوه بعد موته!!!

في صعيد مصر·· محافظة قنا·· بمدينة "القلعة"·· عام 1940·· ولد أمل·· لأب أزهري حصل على "إجازة العالمية" في العام نفسه·· فأطلق اسم "أمل" على مولوده الأول تيمنا بالنجاح الذي أدركه في ذلك العام·· وما إن أكمل أمل عامه العاشر·· حتى فقد والده·· فوجد نفسه مسؤولا عن والدته وأشقائه·· ورغم ظروفه استطاع أن ينهي دراسته الثانوية بمدينة قنا·· ثم التحق بعدها بكلية الآداب في القاهرة لكنه انقطع عن متابعة دراسته منذ العام الأول بسبب مسؤولياته وظروفه الأسرية·· التي اضطرته للعمل كموظف بمحكمة "قنا" وجمارك السويس والإسكندرية ثم موظفا بمنظمة التضامن الأفروآسيوي··

بعد هزيمة  67·· بأسبوع واحد كتب أمل قصيدته الشهيرة "البكاء بين يدي زرقاء اليمامة"·· والتي لم يخرج صداها عن حدود مصر·· في حين أن "هوامش" نزار قباني انتشرت كالنار في الهشيم بالبلاد العربية جمعاء·· رغم أن قصيدة دنقل تفوقها بمراحل··

طباعة  

تعكس نمط التفكير وتحيل إلى فضاء ثقافي مكشوف
قراءة دلالية في واقع المجمعات التجارية

 
توزع جوائزها في احتفالية "شوقي - لامارتين" في باريس
مؤسسة البابطين للإبداع الشعري تعلن أسماء الفائزين بدورتها العاشرة

 
إنفلونزا الطيور في "التقدم العلمي"