رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 12 يوليو 2006
العدد 1736

تعكس نمط التفكير وتحيل إلى فضاء ثقافي مكشوف
قراءة دلالية في واقع المجمعات التجارية

 

 

·         علم السيمياء ينقلنا إلى مشاهد وآفاق غريبة الأطوار

·         الكويت علامة وكل ماحولك في المكان إشارة دالة

 

كتب آدم يوسف:

ما إن تتجاوز قدماك العتبة الأولى للمدخل الشمالي الغربي من المبنى حتى ينتابك شعور غريب، فالمكان خليط متناسق وغير متناسق أحيانا من محلات التسوق والترفيه، متوشح برداء أوروبي وكائن في سواحل الخليج العربي·· أهلا بك حيث الصخب الحقيقي لمجمع تجاري يزهو بفتوته وشبابه·

لك أن تتأمل المشهد، ربما ينتابك خاطر بالكتابة، أو ربما تجاهلت المسألة برمتها، ومضيت إلى حال سبيلك·

ثمة أشياء كثيرة تشدك في المكان، رائحة القهوة مصحوبة بنكهة زكية، تفوح من محلات بالجوار، وأنت مازلت تقاوم شعورك بالإغواء·· صخب يتعالى من محلات صناعة الموسيقى، الشباب يتنافسون لاقتناء أحدث الإصدارت "السمعبصرية"·، وألعاب الفيديو، وأغاني "الراب" الأمريكية·· وأما حين تتعب من الجولة والطواف فلك أن تستقل الجسر المعلق فوق شارع الخليج العربي، وتنعم بجلسة هادئة في أحد المقاهي الراسية على الشاطىء·

إلى هنا يبدو المشهد طبيعيا، وتشترك مجمعات تجارية في السمات ذاتها، مثل: "سوق شرق"، و"مارينامول" و "مبنى الكوت" في الفحيحيل·· ولكن ماذا إذا أردنا أن ننظر للأمر من زاوية أخرى، محاولين تقديم قراءة سيميائية، تستقصي العلامات الاجتماعية والرموز التي تحيل إليها كل ظاهرة من الظواهر التي تواجهنا في الحياة، ومن هذه الظواهر ظاهرة المجمعات التجارية الحديثة في الكويت؟

إن الشاب الذي يترك المحلات الشعبية، ويتجه الى مجمعات فخمة ليبتاع قميصا، وبنطالا يدفع ثمنهما أضعاف ما كان سيدفعه سابقا، إن الأمر يتجاوز كونه صدفة أو إشارة عابرة، ليحيل إلى مستويات أعمق من نمط التفكير، وأسلوب الحياة· إن كل ما أمامنا  بحسب ما يرتجيه - "علم السيميولوجيا" - إشارات أو دوال تحيل الى مدلولات·· إن كل حركة تصدر عنا أو قميصا نرتديه، أو سيارة نقودها هي إشارات دالة تحلينا فورا إلى معان نستكشفها دون إفصاح عنها·· والمجمعات التجارية الحديثة في الكويت، ومن ضمنها "مارينامول"، هي إشارات دالة تحيلنا الى فضاء مكشوف نستشف من خلاله نمط التفكير وطريقة العيش الحديثة لأهل الكويت، وإذا شئنا الدقة فإننا نقول لبعض فئات أهل الكويت·

 

علم السيمياء

 

ولابد من إيضاحات هنا تتعلق بعلم السيمياء أو السيميولوجيات بحسب ما ترتضيه الترجمة الإنجليزية أو الفرنسية، فهذا العلم منذ أن أسسس له عالم اللسانيات الحديثة السويسري "دي سوسير" وهو يأخذ أبعادا متشظية وطرقا في المعرفة غريبة الأطوار، لا سيما بعد الإصلاحات، والشطحات الممتعة التي أدخلها عليه الفرنسي "رولان بارت" يظهر هذا جليا في كتابه "أساطير" فمن يقرأ رولان بارت لا يمكن أن يشعر بالملل، وربما هو العالم اللساني والناقد الأكثر جدلا في تاريخ اللسانيات الحديثة، فهو الذي أسس لمفاهيم مثل "لذة النص" و"الممارسة الدالة" و"موت المؤلف"·

يقول بارت - حسبما ينقل عنه د· محمد التهامي العماري: "ما الجامع بين هذا المزيج من الأشياء: لباس، أكلة، إيماءة، فيلم، موسيقى إشهارية، قطعة أثاث، عنوان في جريدة؟ إن ما يجمع بينها على الأقل هو كونها كلّها علامات، فحين أتجوّل في الشارع وأصادف هذه الأشياء فإنني أخضعها عند الحاجة ودون وعي مني للقراءة، فهذه السيارة تخبرني عن وضع صاحبها الاجتماعي، وذاك اللباس يعلمني بمدى تزمت صاحبه أو تفتحه"·

إذن يتسع حقل السيميائيات ليشمل كل الوقائع الثقافية، وهو لا يجد غضاضة في استعارة مفاهيم علم اللسان لدارساتها في بحوثه التطبيقية·

 

نمط حياة

 

وبعيدا عن التفصيل في فروع السيميائيات واتجاهاتها التأصيلية التي لا نرى لها مجالا هنا، نعود إلى المجمعات التجارية ومتعة التجول فيها· إن ما نراه حولنا بحسب السيمائيات الحديثة، إشارة دالة فإلامَ يمكن أن يحيلنا نمط الحياة الجديد الذي بدأنا نلمسه في هذا المجمع وغيره من المجمعات التجارية الحديثة في الكويت؟

ولكي نكون، أكثر تحديدا فإننا يمكن أن نقسم العلامات أو الإشارات الدالة الى فروع، فهناك علامات بصرية لا يمكن تجاوزها دون قراءة، أو هي تكشف عن نفسها دون جهد من المتلقي، إن الشاب الذي يقود سيارة تتجاوز قيمتها 30 ألف دينار كويتي (حوالي 95 ألف دولار أمريكي)، ويمر من أمامك، هو بلا شك يتيح لك أن تضعه في خانة اجتماعية محددة، حتى وإن لم يفصح عن هويته·

فالعلامة الدالة هنا تفصح عن نفسها·

وأما الموسيقى التي تصدر عن مكبرات الصوت في السيارة فتلك إشارة سمعية أخرى تحيلك الى نمط تفكير هؤلاء الشباب من الذين يستمعون إليها، فمن يتباهى ويتراقص في سيارته خلف أنغام موسيقى "البوب" الأمريكية لا يمكنك أن تضعه في خانة واحدة من حيث السلوك ونمط التفكير مع من يتباهى بالصوت العالي لأغاني المطرب السعودي خالد عبدالرحمن، فهناك تجاوز غريب لأنماط من التفكير وأسلوب لحياة يمنحه هذا المبنى أو ذاك من المجمعات التجارية المكتظة بالشباب·

 

مقاه ومطاعم

 

وعدا عن العلامات السمعية والبصرية، فهناك إشارات دالة تتعلق بالمطاعم ومسمياتها أو صنوف الطعام الذي يمكن أن يقدم فيها، وإلا ما الذي يأتي بمقهى من أقاصي إيطاليا ليقدم عروضه هنا في أطراف الخليج العربي؟!

والشيء ذاته يمكن أن ينطبق على المقاهي والمطاعم الأمريكية والفرنسية الشهيرة! إن من يرتاد هذه المقاهي يعطي إشارة دالة لمن حوله تحيل على طبقة اجتماعية معنية، وطريقة معنية في أسلوب الحياة، لها أبعادها التاريخية ومرجعياتها الثقافية المحدودة·

تقول مي غصوب في كتابها "ما بعد الحداثة - العرب في لقطة فيديو": "في هذه المدينة الموصوفة، تفوح رائحة الطعام الصيني قريبا من سندويشات ماكدونالدز التي تضمها اللعب الكرتونية الصفراء والبيضاء يترك لك أن تقرر ما إذا كنت تريد أن تتناول وجبتك في خمس دقائق من ماكدونالدز أو أن تذهب الى مطعم فرنسي حيث تتذوق الأطباق التي تفور أسماؤها في لغة فرنسية عتيقة، ثم تدفع خمسة عشر ضعف ما كنت ستدفعه مقابل الوجبة السريعة الأولى، ويمكنك كذلك أن تلبس "الجينز" كما يمكنك أن تلبس طقما من ثلاث قطع، هندسة أحد ألمع المصممين"·

إن مي غصوب هنا تتحدث عن التجاور الثقافي والإثني في مجتمعات ما بعد الحداثة، ونحن نميل إلى استكشاف أبعاد الإشارات الدالة لكل علامة من الحياة الحديثة في الكويت·

ويمكن للباحث في مجال علم الاجتماع أن يفيد مما تقدمه السيميائيات الحديثة، ولا سيما تلك الدراسات التي ستتناول تطور المجتمع الكويتي في ثورة ما بعد النفط، حيث انتقل المجتمع الى المدينة الحديثة ودخل الحداثة من أوسع أبوابها·

 

الكويت علامة

 

إن الكويت في مجملها علامة دالة، والمجمعات التجارية فيها علامة دالة، والشباب الذي يبتاع ملابسه من المحلات ذات الأسماء الأمريكية والأوروبية هو أيضا علامة دالة·· وكذلك الفتاة التي تقود سيارة رياضية يتخطى ثمنها مئة ألف دولار أمريكي، وهي علامة دالة، وكذلك الشاب الذي يصر أن يرتدي كامل لباسه الوطني (غترة وعقالا ودشداشة) ويتمشى في السوق، هو علامة دالة، وبائع الملابس الذي يصر أن يحدثك بالإنجليزية هو علامة دالة·· كل ما حولك في "مارينامول" و"سوق شرق" هو إشارة دالة، إيماءات الشباب، البنية الجسدية المحكمة، طريقة الوقوف والحركة والنظرة·· كلها إيماءات دالة·

فإلامَ يمكن أن تقود تلك التواصلية والإشارات المجتمعية الدالة، فالمرجعية الثقافية هنا حاضرة بكل قوة؟! إنه الصراع بين القديم والحديث، أو الأصالة والمعاصرة، كما يحب القدماء تسميتها· وبالطبع دون إغفال الطريقة المبتكرة لأساليب الدعاية والإعلان التي تنتهجها الشركات الكبرى "لاصطياد" زبائنها، وهي مسألة لا يمكن إغفالها، إذ أن تطور ونمو شركات الإعلان في مجتمع ما هو إلا دلالة على تغير في سلوك ونمط تفكير هذا المجتمع، وهذا ما يمكن أن ينطبق على المجتمع الكويتي مؤخرا، وإلا كيف يمكن أن نفسر اللوحات الإعلانية، الزاهية بحجمها الكبير·· إنها إشارات دالة لمجتمع آخذ في النمو والتطور بطريقة لا يمكن إدارك أبعادها الحقيقية بسهولة·

طباعة  

توزع جوائزها في احتفالية "شوقي - لامارتين" في باريس
مؤسسة البابطين للإبداع الشعري تعلن أسماء الفائزين بدورتها العاشرة

 
إنفلونزا الطيور في "التقدم العلمي"
 
تداعيات