رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 11 يوليو 2007
العدد 1782

الحروب (الهلالية)..
الدكتور محمد سلمان العبودي
dralaboodi@gmail.com

في الماضي أطلق على كواسر الأمواج التي أقيمت لصد المد الإسلامي على خرائط الجغرافيا العالمية اسم الحروب الصليبية، أو الحملات الصليبية· وقد استمرت كما نعلم لمائتي سنة ممتدة على شكل خط متقطع موزعة على 9 حملات منفصلة امتدت ما بين 1095 إلى 1291 ميلادية· وكان الهدف الظاهر من تلك الحملات استعادة القدس من يد المسلمين· والحقيقة أن القدس لم تكن هي المعنية بالأمر قدر ما هي محاولة يائسة لوقف هذا "التسونامي" العملاق الذي أصبح لا تستطيع أي قوة في الأرض إيقاف مده لا في الشرق ولا في الغرب· وهذا الصراع الديني - الدموي بين الإسلام والمسيحية سيطر بالتالي على كل أشكال الحروب الأخرى وعلى العقلية التي كانت تحكم المسيحية والإسلام· وإذا بالتاريخ يعيد كتابة نفسه من جديد، وإذا بالمسيحية تكتشف في العقيدة الجديدة التي برزت فجأة على سطح الكرة الأرضية منافسا صعبا وخطرا ما بعده خطر على هيمنتها الروحية العالمية وعلى مملكتها المسيحية (لذا أطلق عليها الكريستاندوم)· لقد نام بابوات الكنيسة أولا على حلم أن الإسلام مجرد ظاهرة طبيعية مؤقتة سوف تنحسر شيئا فشيئا وأنها ضعيفة إلى درجة أنها لن تكون قادرة على قلب موازين القوى في العالم لصالحها وبالتالي لا حاجة لإراقة الدماء من أجل القضاء عليها· وأثبت المسلمون خطأ هذا الاعتقاد وقلبوا موازين التاريخ المسيحي رأسا على عقب· وكان يعتقد وقتها أن مجرد حملة واحدة كانت كافية لدحر المسلمين واستعادة ما استولى عليه من المسلمين البدو - في اعتقادهم - الذين يقاتلون دون دروع أو خوذات· وإذا بهم يقضى عليهم عن بكرة أبيهم ومن بقي حيا منهم استسلم لقواد المسلمين· وربما كان هدف تلك الحملات الصليبية أبعد من وقف الامتداد والتوسع الإسلامي· فقد كانت المملكة المسيحية وقتها تعيش حالة من الانقسام والفوضى والفساد الأخلاقي  حتى في وسط الكنيسة نفسها· وكان يعتقد بأن هذه الحملات سوف توحد ما بينهم بعد أن فقدت الكنيسة إحكام السيطرة على المنتسبين إليها وتعيد للمسيحية هيمنتها وبريقها بعد تحلل الأخلاق والقيم التي ينادي بها الإنجيل وابتعاد المسيحيين عن تطبيق طقوسهم الدينية اليومية· والحقيقة أن هناك أكثر من 9 حملات صليبية متواصلة شنت ضد المسلمين على مدى قرنين من الزمان· فنادرا ما نسمع عن حملة (الأطفال الصليبية) عام 1212· وإن لم يتفق المؤرخون بعد على تصنيفها كحملة حربية بالمعنى الحقيقي فهي على الأقل (انتفاضة) مسيحية شابة كانت ترمي إلى الذهاب إلى الأراضي المقدسة لتحويل المسلمين (سلميا) إلى مسيحيين·

ما نريد أن نصل إليه هنا هو أن نظرية (التاريخ يعيد نفسه) أمر لا نقاش فيه إذا ما عادت له نفس الظروف السابقة· ولكن في تاريخنا المعاصر، فإن عودة التاريخ حاصلة ولكن على النقيض تماما عما حصل في الماضي· فالاقتتال (اليدوي والشفوي) موجود اليوم على أرفع المستويات بين المسيحيين والمسلمين وباعتراف من يدعو إلى تنظيمه من الطرفين، إلا أن المسلمين في هذه الحرب هم الآن تماما في موقف المسيحيين قبل 900 سنة مضت· فهم الذين يقومون بحملاتهم (الهلالية) إذا سلمنا بأن الهلال يمثل رمز المسلمين في مقابل الصليب الذي هو رمز المسيحية· فهم الذين يحاولون استعادة الأراضي المقدسة من يد اليهود والمسيحيين الذي يدعمونهم في كل أرجاء الأرض من الولايات المتحدة إلى بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وبالطبع الفاتيكان على رأس هذه الحملات خاصة بعد وفاة جان بول الثاني· وكذلك فإن توسع الرقعة الجغرافية الإسلامية في السابق يقابله اليوم توسع الرقعة الجغرافية المسيحية التي استغلت انشغال المسلمين في حروبهم بشتى أشكالها لكي تبث مبشريها في قارات العالم الست وصولا إلى القطب الشمالي والجنوبي بل حتى إلى القمر والمشتري! وضعف المسيحيين في السابق وابتعادهم عن الدين والأخلاق يقابله اليوم ضعف المسلمين وابتعادهم شيئا فشيئا عن تعاليم الدين الإسلامي الحنيف· والهيمنة الإسلامية في العصر الأموي والعباسي على العالم يقابلها اليوم هيمنة مسيحية - يهودية (مسيسة) على العالم بأجمعه بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية التي انتقلت إليها راية الحرب على الإسلام· وفتح المسلمين لأسبانيا عام 92 هجرية يقابله اليوم احتلال التحالف الأمريكي البريطاني للعراق عام 2003 ميلادي، وإلى آخره من المتناقضات التاريخية في الحرب الدائرة بين المسيحية والإسلام على مر العصور·

فهل ستنقلب الآية مرة أخرى ويصبح المسيحيون بعد عدة قرون في حالة العرب هذه الأيام؟

لم لا إذا سلمنا بنظرية أن (التاريخ يعيد نفسه)· أو بالأحرى يناقض نفسه كما هو في حالنا·

على أية حال، لا يعلم ما سيأتي به  الغيب إلا المدبر الأعظم، ونحن اليوم لسوء حظ هذا الجيل نعيش حربا شرسة ومعلنة بين دين سماوي هو الإسلام ضد دين سماوي ثان هو المسيحية، وهي حرب تصب في النهاية في صالح دين سماوي ثالث: اليهودية· والخطأ الفادح الذي ارتكبته الأنظمة الغربية المسيحية في تقطيع الدولة الإسلامية إلى دويلات متفرقة (وهو خطأ تكتيكي لم يقع المسلمون فيه في يوم من الأيام) لكي يسهل التهامها تحول إلى مصدر إزعاج لها ولمصالحها ولأهداف كنيستها· فقد نتج عن ذلك تشكل أكثر من جبهة إسلامية واحدة لمحاربتها· فبدلا من أن تحارب المسيحية دولة إسلامية واحدة وجيشا واحدا ومعسكرا واحدا، أصبحت اليوم تحارب على عدة جبهات تتوزع على عدد الدول الإسلامية الموجودة على الخارطة، من اندونيسيا إلى الفلبين إلى أفغانستان إلى باكستان إلى إيران إلى العراق إلى لبنان إلى مصر إلى اليمن إلى السودان والمغرب وتركيا (التي أخطأ الغرب مرة ثانية بعدم احتضانه لها في مجموعته الأوروبية)، والبقية ستأتي عاجلا أم آجلا في دول مجاورة أخرى· وقد أثبتت الأحداث بأن أي قوة فوق الأرض لم تستطع حتى الآن وقف توسع وتكاثر أو انقسام هذه الجبهات أو وقف زيادة عدد أرقام أعضائها يوما بعد يوم· وإذا قضي على جبهة انفجر عدد آخر من الجبهات في محلها أو في مكان قريب أو بعيد منها· وقد سمح التقدم العلمي والتكنولوجي لهذه الجبهات بتطوير أجهزتها من خلال استخدام وسائل حديثة ومتطورة في حربها ("الهلالية" - حيث إن شكل الهلال يشير أيضا إلى شكل السيف المقوس الذي طالما انتصر به الإسلام على أعدائه على مدى قرون من الزمن)· فهناك المتفجرات المتطورة والانترنت والإعلام الفضائي والأسلحة الفتاكة والحسابات المالية الخاصة والاستثمارات الدولية وغيرها من الوسائل التي تسخر جميعها لتلك الحرب (الهلالية) إن صح التعبير· إضافة إلى قدراتهم على التنظيم والتدريب الجيدين· كما أنها جبهات تتشكل بسرعة ودون ضجيج إعلامي وفجأة يكتشف العالم بأنها أصبحت موجودة وفي مراحلها المتطورة التي يصعب القضاء عليها بسهولة· فما كدنا ننتهي من جبهة مصعب الزرقاوي حتى برزت لنا جبهة "فتح الإسلام" ثم "جيش الإسلام" ثم هناك أصلا جبهات في طور التشكيل وأخرى كامنة أو نائمة وأخرى عالمية بارزة كالقاعدة التي يبدو أنها تطورت مع الزمن والتجارب أكثر مما ينبغي في حربها التي لم تكتف بمحاربة الكفار بل حتى المسلمين ممن لا يسيرون على نهجها، إضافة إلى جبهات على مستوى تنظيمي معترف بها دوليا كحزب  الله وحماس (اللتين فشلت الولايات المتحدة الأمريكية في تصنيفها كأحزاب إرهابية) وهاتان جبهتان مباشرتان محيطتان بدولة اليهود من فوق ومن تحت!

قبل يومين كنا نتابع أخبار تفجير باص سياحي في اليمن بمن فيه من السياح الأسبان (باعتبار أنهم مسيحيين) وقتل من قتل، وقبل يوم أحداث مطارات لندن وغلاسكو والقبض على خلية من بينها 8 أطباء يعملون في مستشفيات بريطانية (وهذه نقلة متطورة في مسيرة التنظيم الجهادي) متورطين في هذه العمليات، وبعده جلسنا أمام شاشات التلفزيون نتابع أحداث المسجد الأحمر المحاصر في إسلام آباد الذي كان يأوي آلاف الطلاب المسلمين من الجنسين بعد أن استسلم أكثر من 700 منهم، وهذا الحدث بالتأكيد ستكون له ردة فعل متوقعة في الأيام أو الأشهر أو حتى السنوات القادمة على أبعد تقدير· وربما غدا أو بعده نسمع عن حادثة مشابهة أبطالها مسلمون وقضيتهم محاربة الصليبيين المتسلطين على مقدرات الشعوب المسلمة· صحيح أن هناك قتل بالجملة في جانب هذه الجبهات، إلا أن الغرب (وحكام بعض الأنظمة) لم تستوعب بعد الدرس بأن معظم هؤلاء باعوا كل شيء بدءا من أنفسهم إلى أبسط متطلبات الحياة في سبيل قتال أعدائهم الذين يقاتلون ويقتلون المسلمين ويستبيحون حرماتهم وبفتوى الدفاع عن الدين الإسلامي ومقدساته وعلى رأسها (المسجد الأقصى)، وأن قتل مجموعة منهم لم يغير شيئا بل زاد من أعدادهم· لذا استغرب العديد من متابعي نشرات الأخبار في العالم المكافأة التي عرضتها الحكومة الباكستانية وقدرها (83 دولارا فقط لا غير) لكل من يسلم نفسه للسلطات! وهذا يدل على مدى ضعف استخبارات بعض الأنظمة لمعرفة متى وكيف وممن تتشكل هذه التنظيمات الإسلامية ولأي هدف·

نحن لا نناقش إن كانت هذه الجبهات الإسلامية على حق أم على باطل أو إن كان عملها مشروعا أم محرما، وإنما لنقول باختصار أن الصراع بين الديانتين المسيحية والإسلام أخذ في غضون 6 سنوات فقط بعدا خطيرا يصعب تحجيمه في مساره التاريخي الطبيعي وأن الجبهات الإسلامية التي تتفجر هنا وهناك هي في ازدياد مستمر ومخيف ودون رقابة، وأن للتاريخ بقية··· تأتي···

* جامعة الإمارات

 dralaboodi@gmail.com

�����
   
�������   ������ �����
بين العصر الحجري والعصر الدموي
الحكيم الصيني وسوبرمان وغونو
يبدو أن الموضوع أصبح جديا
نحن لانستحق صفة الإنسانية
عندما غضبت سيغولين رويال
بين الأحد الماضي والأحد القادم: حظنا العاثر!
هيكل ولكن بضخامة جبل
حيلة كليوباترا...
الأدوار الجديدة.. من الداخل
تسمم صحافي!!
ماذا اكتشفت ناسا؟
الإعلام والضمير المباع بالدولارات
بيني وبين ذلك الفرنسي...
هؤلاء الذين غيروا موازين القوى
المنطقة والقادم... ماذا ننتظر؟
من سيمسك بالعصا من وسطها؟
المحاكمة...الظالمة
الموت بالجملة والمفرق
وماذا بعد نهر الليطاني؟
  Next Page

استجوابات قد لا تكتمل:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
إحنا ما عندنا مشكلة:
على محمود خاجه
"تخاريف صيف":
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
بس!!؟:
د. بهيجة بهبهاني
فاقد الشيء لا يعطيه:
فيصل عبدالله عبدالنبي
سمو الرئيس...
الإصلاح ثم الإصلاح:
محمد بو شهري
التقرير الفاضح والتنفيذ الواضح:
أحمد سعود المطرود
الحروب (الهلالية).. :
الدكتور محمد سلمان العبودي
ترشيد أم تبديد؟!:
المهندس محمد فهد الظفيري
إسرائيل إلى زوال!!:
عبدالله عيسى الموسوي
الحملة الإيمانية وآليّة الانتحار الجماعي:
حسن حمود الفرطوسي*
رقاقة أشد قسوة من الحجر:
عبد العزيز خليل المطوع
بوتين وبوش.... المصلحة أولاً:
د. محمد عبدالله المطوع