يحكى عن رجل كثير الذنوب نصحه صحبه بالحج للتكفير عنها والبدء بداية أكثر رشداً، وأثناء طوافه في الحرم الشريف أراد أن يأخذ مزيداً من الأجر بتقبيل الحجر الأسود فهمّ مسرعاً نحوه لكنه في اللحظة التي اقترب من تقبيل الحجر لاح له وجه امرأة جميلة يقبل الحجر فإذا بصاحبنا هذا يقبل الوجه· صاح به صحبه على فعلته وأخبروه بحجم الذنوب التي عليه حملها بعد هذا الفعل فأنشد بيتاً نبطياً أصبح مثلاً يضرب عندما يسعى الإنسان نحو فعل وإذا به يفعل عكسه· البيت يقول:

            يا ليتنا من حجنا سالمين

                        كان الذنوب اللي علينا قليلات

تذكرت هذا البيت وقصته عندما قرأت مشروع قانون الجزاء الحكومي فهو يجسد حال كل من توقع خيرا من الحكومة· فالناس استبشرت في تصريحات الشيخ صباح الأحمد عندما علق على عدم دستورية مشروع العقوبات الشرعية الذي قدمه الطبطبائي ومخلد العازمي نيابة عن الجماعات الدينية المتشددة التي انجرت وراءها الجماعات الأقل تشدداً خوفاً من اتهامها بعدم الرغبة في تطبيق الشريعة· تصريح الشيخ صباح كان مختصراً مفيداً، فقد ركز على المخالفة الأهم في ذلك القانون وتعارضه مع مواد الدستور الكويتي· لكن يبدو أن الحكومة اعتادت التصريحات وأدمنت لحسها والتخلي عنها تحت ظروف التحالفات الغريبة مع الجماعات الدينية· هذه التحالفات التي لا تخلو من حسابات شخصية لدى بعض أطراف الحكم يبدو أنها أربكت حسابات الحكومة والتزامها الدستوري والقسم الذي أقسمه أعضاؤها أمام سمو الأمير حفظه الله وأمام مجلس الأمة·
فأثناء مناقشة لجنة الشؤون التشريعية بالمجلس للاقتراح بقانون المقدم من الطبطبائي لتطبيق العقوبات الشرعية أرسلت الحكومة ممثلة بإدارة الفتوى والتشريع تعليقها على ذلك المشروع بقانون تمثل في إجراء تعديلات لغوية عليه، الأمر الذي فسر على أنه موافقة ضمنية، ثم أتى تصريح الشيخ صباح الذي أشرنا إليه ليشكل تغييرا كاملا في المسار، وفسر على أنه إشارة واضحة للنواب المقربين من الحكومة والوزراء بالوقوف في وجه القانون وإفشاله لمخالفته للدستور حسب قول الشيخ صباح، بل أخذ على أنه إشارة أكثر وضوحاً إلى مقدمي الاقتراح بقانون لسحبه· والآن تفاجئنا الحكومة مرة أخرى في ألعابها البهلوانية بالانقلاب مرة أخرى 180 درجة من موضوع العقوبات "غير الدستوري" إياه وتتقدم بمشروعها الخاص هي،  وهو نسخة منقحة من مشروع الطبطبائي·

الحكومة تزايد على القوى الدينية ليس في مشروع القانون المرعب هذا فحسب؛ ففي الوقت الذي يقف العالم أجمع مراجعاً للدور الذي تلعبه هذه الجماعات في خلق بيئة التطرف والعنف وفي هذا الوقت الذي يحاول العالم فك رموز العمليات الإرهابية وكشف خطوط الإمدادات التي تتمتع بها هذه الجماعات الإرهابية، وفي الوقت الذي يحاول الجميع تنظيم عمل الخير كي لا يصل أي جزء من أموال الخير هذه إلى أيدي أحد من الإرهابيين، في هذا الوقت تخرج لنا الحكومة بهذا القانون الذي خلنا أنه ولد ميتاً، و بدلا من الإشراف على عمل الجمعيات الدينية ولجانها المرخصة وغير المرخصة تطلب الحكومة من أصحاب اللجان غير المرخصة أنفسهم وضع الحلول لهذه اللجان! فهي تسميها غير مرخصة ثم تحتار فيما يجب عمله تجاهها، وتزداد حيرتها لدرجة تستعين بغير المرخصين لحل طلاسم هذا اللغز! الحكومة تعلن على لسان رئيسها بالنيابة أن حكومة إحدى الجمهوريات الإسلامية (السوفييتية) سابقاً أغلقت لجنة تابعة لجمعية إحياء التراث الإسلامي الكويتية بعد أن اكتشفت مبلغ 650 ألف دولار كاش محفوظة في حقائب، ثم تقول هذه الحكومة إن اللجان "الخيرية" الكويتية لا غبار عليها ولا شبهة!

الناس يتساءلون عن الأسباب الموضوعية والذاتية “لتدروش” الحكومة وتسليمها أمور البلاد والعباد إلى الجماعات الدينية في هذا الوقت بالذات، البعض يقول إنها حكمة لا يعرفها إلا أصحابها وستبين في وقتها المناسب، والبعض الآخر يقول إنها لا حكمة ولا هم يحزنون! إنما هي حسابات الربح والخسارة لفرد هنا وآخر هناك وما سيذهب نتيجة لهذا التحالف المريب سوى الأغلبية الصامتة من هذا المجتمع وقواه الحية التي ما لبثت تقرع الجرس لعل مستمعا يجيب·