رمضان·· “لا تصالح”
نشمي مهنا
حضر أحمد عبدالمعطي حجازي، ومحمود درويش، وقاسم حداد، وصلاح فضل، وصبحي الحديدي، وكمال أبو ديب، وفخري صالح، وسيد البحراوي، وفيصل دراج، وممدوح عدوان، وبول شاوول، وحلمي سالم، وعبدالمنعم رمضان، وجمهرة من النقاد والشعراء والكتاب في الندوة التي أقامها المجلس الأعلى للثقافة في القاهرة بمناسبة مرور عشرين عاما على رحيل الشاعر أمل دنقل·
فكانت إحياء لذكرى صديق راحل، أو إعادة نظر في ماضي علاقة مرتبكة، أو عرسا - بأثر رجعي - لوجه غائب، أجاد أبو العريس د· جابر عصفور تنظيمه، والهمس في آذان ضيوفه كي لا تزعج أصواتهم العالية قبر المحتفى به·
ولا تكاد تفرق بين ملامح الحضور حتى أصدقائك الذين تعرفهم جيدا·· يذوبون في الكل، ففي مثل هذه المناسبات المبللة بالحنين، تتشابه وجوه الضيوف، وتتوحد البدل السوداء، وتتهدج الكلمات وتتطابق، وكأن كلا منهم يقرأ فقرة خصصت له من خطاب أعد بحبر جماعي·
هل أرعبهم شبح الموت المعلق في سقف القاعة؟ أم منعتهم هالة شاعر قدير، غرس حبه في نفوسهم؟ أم هي علتنا العربية القديمة في الخوف من كسر المقدس، والمكرس، والرمز؟!
تتعدد وجوه الرمز في حياتنا، فمرة نقابله سياسيا، وهذا الأعم الأشمل، والأكثر خداعا، ومرات أخرى دينيا، وفكريا، وثقافيا و·· و·· وأخيرا نقابله شاعرا نبيا، لا نقوى على تشجيع وساوسنا للشك في نبوءته، أو لا نحتمل أن يرمينا أحد بتهمة الإلحاد·
جميعهم آباء، لا نجرؤ على رفع أنظارنا - أعلى - الى عيونهم، فما بالك في مناقشة تعاليمهم، أو محاولة فهم حكمتهم السماوية!
كان أمل دنقل شاعر الرفض، والصوت السياسي الجريء، الذي ترجم آهات الشعب المكتومة، وقلبها الى “فاعلات” شعرية، فتعرض - أيامها - الى تهميش ودفع بأيد رسمية الى زاوية النسيان والإهمال، بعيدا عن المنصات الشعرية الإعلامية التي تحسن السلطات إعدادها لأبنائها القنوعين والمهادنين·
فكان أن انفجر هذا الكبت المشحون والغضب المكتظ في صدر الشاعر، الى فضاءات رحبة في قلوب الجماهير· وبذا كان لدنقل دور تحريضي، صادق، ورائد في قضية الرفض·
لكن ماذا بشأن الشعر؟!
تلك هي القضية الأُولى والأَوْلى أن يعاد فتح ملفاتها في تلك المناسبة·· وهذا ما لم يحدث!
أين دنقل من التجديد وحداثة النص، شكلا ومضمونا؟! ماذا أضاف في حشده وتكثيفه لأطنان القصص والأساطير التراثية حتى كسّرت بعضها أضلاع بعض، فبهتت وظائفها!
في كل ذلك الحفل لم نسمع إلا “نشيد” الشاعر عبدالمنعم رمضان، عندما أثار - أيام الاحتفالية - تساؤلات في مقالته المنشورة في جريدة “الحياة” “أمل دنقل تقديم الغضب·· تأخير الشعر”، رافضا أن تمر المناسبة بسلام، وهدوء، ومحبة، وتنتهي بقبلات على خد ذكرى عطرة·
فيقول متأملا في قصيدة دنقل الشهيرة “لا تصالح”: “لم تستطع القصيدة أن تفتح ثقوبا في سور الزمن الذي يحاصرها، لتطل على أزمنة أخرى· “لا تصالح” قصيدة أفقية مشابهة تماما لمعارف الراوية التي تقوم على الأسّ ذاته”·
كأن مقالة عبدالمنعم رمضان تريد أن تدين الحداثيين لتقول لهم “إن بعض أصدقائنا الشعراء المغموسين ببحر الحداثة يحملون روحا تقليدية ثقيلة”، وإلا كيف يرتضون أن تنتحر كلماتهم التأبينية من فوق المنصة، هيبة لرمز، أو حبا لشخصه، أو حفظا لود، ووفاء لذكرى؟!
nashmi@taleea.com
_____________________________________________________________