”عن غموض النص الشعري ورموزه” في رابطة الأدباء
قطوس: النص المتمنع يمنحنا قراءات متعددة
كتب المحرر الثقافي:
“والشعر من نفس الرحمة مقتبس/ والشاعر الفذ بين الناس رحمة” بهذا البيت الشعري قدمت الكاتبة ليلى محمد صالح ضيف أمسية الأربعاء د· بسام قطوس “رئيس قسم اللغة العربية في جامعة الكويت”، ليتحدث عن خبايا النص في الشعر الحديث· وقالت صالح في تقديمها للمحاضر: “الشعر في الوقت الحاضر لم يعد ديوان العرب بالمعنى اللفظي، بل أضحى ديوان العرب دلاليا وجماليا، إنه اختراق ورموز واختفاء للغة ذاتها، ولذا فإن نقاده غالبا ما يبحثون عن النص وأبعاده، وعمق التشكيل في ألوان المعاني والصور، والناقد الفذ هو الذي يكتشف جمالية وعمق التشكيل في ألوان المعاني والصور، وما دار ويدور فيها من وهج الانفعالات للشوق والفراق والرحيل والحنين والحلم والبوح في قصاصات الزمان التي تخبئ الذكرى، والقصة والبسمة للفرح الآتي”·
بدأ د· بسام قطوس محاضرته بالحديث عن الغموض في النص الشعري قائلا: إن تمنع النص لا يعني استغلاقه، كما لا يعني البحث عن النص الغائب نفي النص الحاضر، فالنص الغائب ليس نقيضا للنص الحاضر، بل هو مبني منه وعليه، ولكنه بحث دائم ودائب عما يكمن خلف النص الحاضر، أو ما يكمن في لا وعي النص الحاضر، أو في لا وعي اللغة بحثا عن المسكوت عنه·
وأضاف د· قطوس: حتى تكون قراءتنا ناجحة وبمستوى النص المقروء يجب أن يتحول القارئ من حالة الرصد المستعجل لاقتناص صورة هنا أو استعارة هناك الى مرحلة استكشاف خبايا النص أو كشف الحجب التي تمنع بعض القراء من التعامل معه، وهذا الكشف هو فعل القراءة وفعل النفاذ الى ما يختبئ وراءه أو فوقه أو تحته بحثا عما لاذ بأصقاعه وأغواره المتحجبة من أبعاد شعرية متكتمة على نفسها في أقاصيه·
إن التعامل مع لغة الشعر الحقيقي الذي يتصف بتكثيف الحمولة التعبيرية يحتاج الى هذا النوع من القراءة التي لا تكتفي بالبحث عن معنى محدد، وكيف له ذلك، والشاعر نفسه يقتصد في رموزه ويتسع في دلالاته، مذكرا أن المبدع الحقيقي هو الذي يخلق قارئه النموذجي·
وقال: حين يكون نصه غنيا ومتكتما على نفسه، سواء في لغته أو في صوره أو في إعداده بعض الحيل الدلالية والتداولية، أو في كل هذه الأشياء مجتمعة، فإنه يؤسس لشعرية من درجة عالية يصعب اختراقها إلا من قبل متلق ماكر، بمعنى يملك هو الآخر حيلا تكتيكية وأخرى تداولية تمكنه من كشف أسرار ما تخفى وراء النص الحاضر، أو ما لاذ بأصقاعه من أبعاد شعرية ممتنعة عن قول حقيقتها لأي قارئ·
وعن وظائف النص الشعري وفضائه قال قطوس لا شك في أن النص الشعري فضاء سينمائي لا ينحصر بمهمة التوصيل ولا يقتصر عليها، وإنما يتعداها ليمثل عدولا أو انزياحا عن المعيار السائد في بعض الخطابات غير الشعرية، أو النصوص الشعرية المكشوفة التي تسلم نفسها بسهولة·
أما التمنع فتتأسس شعريته، أول ما تأسس، على تحرير النص من سلطة الظرف أو المناسبة متجاوزة ذلك الى سلطة التشكل والتشكيل الفني والجمالي عبر اللغة التي تغدو هي المنتجة للفكرة وهي الدليل عليها والعلامة لها، فتمحي الذات من فضاء القصيدة أو تنسحب مفسحة المجال للذات اللغوية لكي تتمشهد فتفتح النص على القارئ العارف وتزيح المؤلف موقتا الى أن يمتلئ النص بقارئه، والقارئ بالنص·
مستنتجا أن سلطة التمنع، تتأسس على الانفتاح على القارئ العارف، ولكنها تضمر وتذبل مع الإغلاق، لأن الأخير ينتج “واحدية القراءة” في حين يمنح النص المتمنع القارئ العارف إمكانات قرائية متعددة، مرونة تكشف عن أهمية البعد التداولي القائم على تعدد المظاهر الأسلوبية، وهنا يمكن ربط التمنع في جزء منه بالعدول أو الانزياح الأسلوب القائم على الاختيار من متعدد في اللغة من حيث إن كليهما لا يباشر القول، كما أن في كليهما تقبع خصوصية اللغة التي تمنحنا الشعرية الناتجة عن كيفيات لغوية خاصة، ناهيك عن أن كليهما يعيد تشكيل اللغة وفق نظام تركيبي أو بلاغي أو تداولي أو كل هذه الأمور مجتمعة، ليضع المتلقي في وضع لا يبحث فيه عن المعنى الحرفي للنص، وإنما يدعوه الى تفتيق دلالات ذلك النص بمقدار ما يمتلك من ثقافة ودربة ومرجعية، إن التمنع والانزياح يطمحان الى التجاوز بتأسيس كل منهما دلالات جديدة، وتأرجح كل منهما بين الممكن والمستحيل أو المستحيل المحتمل الوقوع، وذلك لعدم كشف هويتهما النهائية لكل قارئ·
أما على مستوى العلاقات فإن كلا من التمنع والانزياح يخلق علاقات جديدة للأشياء أو الظواهر المألوفة تدفع المتلقي الى أن يرى الأشياء التي اعتادها بطريقة جديدة ومختلفة عن السابق، تبعا للجدة التي خلقها المبدع من حيث تشكيل علاقات جديدة، وهي ثابتة، ومدلولاتها، متغيرة·
_____________________________________________________________