كتب محرر الشؤون السياسية:
كشف الخلاف بين السلف والأخوان حول وكيل وزارة الأوقاف (الإخوانجي) الذي رفض التجديد له وزيره (السلفي)، كشف عن حالة اختطاف البلد التي تمت على أيدي جماعات الإسلام السياسي على امتداد السنوات الماضية ومنذ بدايات التحالف بين هذه الجماعات وبين الحكم في منتصف السبعينات· فقد كتب كثير من المهتمين بالشأن الوطني حول خطورة هذا التحالف على المجتمع والدولة ولم يستمع لنداءاتهم أحد، بل حذر الكثيرون منهم من أن النتائج السلبية الحتمية لهذا التحالف المصلحي لن تقف عند حدود القوى الوطنية التي هي الهدف الرئيس له بل ستصل النتائج يوماً إلى الطرف الآخر من التحالف ذاته، وهذا ما يحدث هذه الأيام· فقد تجاوزت جماعات الإسلام السياسي دورها لتتحول إلى قوة اقتصادية وسياسية واجتماعية مهيمنة على الدولة ومؤسساتها لدرجة أضحت معها دولة داخل الدولة وربما أقوى منها· شعور قيادات هذه الجماعات بقوتها هذه دفعها للتصرف على هذا النحو والأدلة على ذلك كثيرة، فقد مارست أنواعاً متعددة من الضغوط المباشرة وغير المباشرة على صانع القرار لتمرير مآربها في الاستحواذ على مناصب عليا في الدولة وفي وزارات بعينها كأولوية لهذه الجماعات، وعندما لايمكنها ذلك تسعى جاهدة لتمكين أناس يمكنها التأثير عليهم أو على الأقل تمنع تعيين الأشخاص غير المحسوبين عليها، والذين يمكن أن ينتموا إلى مجموعات سياسية مناوئة لها· ونذكر أحداثاً بعينها على سبيل الأمثلة فلا يمكن حصر جميع ممارسات هذه الجماعات على مر السنوات الماضية·
فعندما كلّف الدكتور حسن الإبراهيم وزيراً للتربية والتعليم العالي، جن جنون هذه الجماعات وأصبح همها الأكبر "تطفيش" الوزير بدءا من الصراع حول تثبيت وكيل وزارة التربية المحسوب على تلك الجماعات آنذاك وحرمان الوزير من تعيين من يرى فيه انسجاماً أكثر مع تصوره الإداري والسياسي للوزارة، وحدث الأمر ذاته مع الدكتور أحمد الربعي والدكتور يوسف الإبراهيم، حيث ركزت هذه الجماعات جل اهتمامها على وزارة التربية وما يجري فيها لدرجة كانت تعبر عن مدى استنفارهم كي لا يخسروا المواقع التي احتلوها في هذه الوزارة على مر سنين سيطرتهم عليها بشكل مباشر وغير مباشر· كما بذلوا قصارى جهدهم في الضغط المباشر على رئيس الحكومة المفوض لعدم إعادة تكليف يوسف الابراهيم وزيراً للتربية وهو ما رضخ له بالفعل· وتشير كثير من الدلائل على مدى إصرار جماعات الإسلام السياسي هذه في أسلوبها الذي يرتكز على الهيمنة و السيطرة على وزارات بعينها نظراً لأهميتها في انتشار كودار هذه الجماعات فيها، ومن ثم التأثير على المجتمع وكسب مزيد من الأنصار من جهة وللهيمنة على الموارد المالية لتلك المؤسسات واستخدامها لتسهيل مهام هذه الأحزاب في الداخل والخارج من جهة أخرى· وليس أدل على هذا الاستثمار من حالات الانتداب من الوزارات التي تسيطر عليها هذه الجماعات إلى لجانها المرخصة وغير المرخصة بحيث يعمل المنتدب في اللجان، وتدفع الحكومة مرتبه الشهري حتى وصلت قيمة هذه الانتدابات في إحدى الوزارات نحو أربعة ملايين دينار كويتي كشفها وزير وقفت هذه الجماعات ضده منذ اليوم الأول·
لقد كشف هذا التناحر الأخير أن هذه الجماعات التي كانت تتصرف بحرية مطلقة في وزارات الدولة أصبحت الآن تتناحر فيما بينها بعد أن أصبحت إمكانات التنافس محدودة جداً فكل منها حصل على ما يريد ولم يبق مجال إلا بإزاحة بعض العناصر وإحلال آخرين مكانهم· هذه الظاهرة الأخيرة بينت إلى أي درجة تمت استباحة مؤسسات الدولة ليس من قبل الجماعات الدينية فحسب، بل من قبل القوى المستفيدة الأخرى من “خدمات” الحكومة لأصحابها ومؤيديها، بعد أن وزّر الحكم نواب خدمات وسلمهم وزارات خدمات عاثوا فيها فساداً وإفساداً وحولوها إلى مقاطعات خاصة بهم وبأقاربهم·
الآن والوضع على ما هو عليه اقتسمت الكويت وجزأتها الجماعات الدينية المتنافسة ونواب ووزراء الخدمات وأصحاب النفوذ والحظوة الذين حصلوا على أراضي الكويت بأسعار بخسة وبدعم وتواطؤ من مؤسسات الحكم ولم يبق لهذا الشعب شيء سوى البكاء على أطلال الماضي عندما كانت الكويت في بداياتها الأولى لبناء دولة المؤسسات· فالمؤسسات عادت إلى الوراء لتحكم عشائرياً والدستور أصبح حبراً على ورق بعد أن تم تجاوزه بقوانين الأمر الواقع·
_____________________________________________________________