الرئيس الجزائري يتفقد آثار الزلزال
· رئيس الحكومة الجديد أقل المسؤولين شعبية في الجزائر
· علي بن فليس يرفض الاستقالة متحديا الرئيس بإقالة الحكومة
عندما كان أحمد أويحيى رئيس الحكومة الجزائرية الجديد وزعيم حزب التجمع الوطني الديمقراطي وزيرا للعدل في حكومة يقودها بن فليس شهدت السجون الجزائرية ما عرف وقتها بمسلسل الحرائق وحالات الانتحار الجماعي داخل السجون، واعتبر أويحيى هذه الأحداث حين ذاك بأنها مؤامرة تستهدفه كسياسي مؤكدا على أنه لن يستقيل من منصبه مهما كلفه الأمر·
وبعد أن تسلم الرجل رئاسة الحكومة بعد أن تم تعيينه من قبل الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة وفي خلال أيام قليلة من ممارسة مهامه شهدت الجزائر أعنف زلزال في تاريخها ولم تشهده منذ 25 عاما حيث ضرب الجزائر العاصمة والمدن المحيطة زلزال بلغت قوته 6.7 درجة بمقياس ريختر وأدى الى 1750 قتيلا و7610 مصابين، إذا فالرجل موعود بالكوارث التي تلاحقه، ولكن هل سيتهم الطبيعة والقدر بالمؤامرة على مستقبله السياسي·
وقبل أن تهتز الجزائر بالزلزال المدمر اهتزت لزلزال من نوع آخر وهو قيام الرئيس الجزائري بتغيير وزاري وتعيين السيد أحمد أويحيى رئيسا للحكومة خلفا لعلي بن فليس، وأحمد أويحيى لا يختلف اثنان على أنه أقل المسؤولين والساسة شعبية في الجزائر، وبصرف النظر عن العوامل التي جعلت الشارع الجزائري يرفض أويحيى من الشمال الى الجنوب ومن الشرق الى الغرب بما فيها منطقة القبائل التي ينتمي إليها·
فإن أويحيى نفسه لا يتحرج من هذه المسألة، بل يكاد يكون فخورا بذلك ولا يتورع عن وصف نفسه بأنه صاحب المهمات القذرة، وقد سبق له أن ترأس الحكومة في فترة صعبة لم يتردد خلالها عن اتخاذ قرارات ما زال الجزائريون لم يتخلصوا من مرارتها خاصة أنه فجر أزمات خطيرة كانت السبب في كوارث حقيقية، ولعل عودته على رأس حكومة في قلب مناخ سياسي هائج تتلاطم أمواجه لتحطم كل شيء، لدليل دامغ على أن الرجل لا يحب أن يقول لا مهما كانت الإهانات التي يتعرض لها، لذلك وافق على أن يرأس حكومة من مقاعد الأقلية في البرلمان·
أما علي بن فليس رئيس الحكومة السابق فلم يتوقع أحد من المراقبين أن يتحول الى نجم سياسي وأن يصبح بين ليلة وضحاها من أبرز المعارضين - رغم أنه زعيم الأغلبية - للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، فالرجل الذي خاض صراعا حادا في الكواليس فجر قنبلة على المسرح السياسي بطريقة درامية غير مسبوقة في تاريخ العمل السياسي، خاصة أنه تمرد على تقاليد النظام، برفضه مغادرة مقعد رئيس الحكومة مستقيلا، ورفض أن تلصق به تهمة التراجع عن مواقفه لأنه سبق أن نفى نيته في الاستقالة قبل أيام قليلة من إقالته·
وبالرغم من أن بن فليس كان يملك الأغلبية حيث حصل على 199 مقعدا في البرلمان الذي يضم 389 مقعدا وذلك في الانتخابات التي جرت في 30 مايو 2002، لكن رئيس الحكومة السابق كان يدرك أن قدميه ليستا على أرض حلبة، لذا فقد رفض الدخول في مواجهة مبكرة مع الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة بإعلان نيته في الترشيح للانتخابات الرئاسية المقبلة·
ومنذ تلك اللحظة بدأ الحديث عن استقالة أو إقالة الحكومة والغريب أن أخبارا تسربت تؤكد على أن الرئيس طلب من رئيس الحكومة الاستقالة وأن بن فليس رفض متحديا إياه بإقالة الحكومة·
واستمرت لعبة الكواليس أكثر من شهرين حتى وإن بدت الأمور عادية حتى في الشكل، فلم يكن من الطبيعي أن مجلس الوزراء لم يجتمع لمدة تتجاوز الشهرين، والأغرب أن بن فليس أكد خلال زيارته الأخيرة الى موريتانيا على أنه لن يقدم استقالته بعد أن نفى وجود أي نوع من الخلاف مع الرئيس، وقد استنتج المراقبون من هذا التصريح أن الرجلين اتفقا على هدفه لتسوية المشكلات والخلافات القائمة بينهما، لكن العارفين بشخصية الرئيس بوتفليقة كانوا يقطعون بأنه لن يترك الأمور تمر بسهولة، وأنه سينتقم من ذراعه اليمنى ببترها في أقرب فرصة وقد كان، ولكن بن فليس الذي شعر بأن المعركة فرضت عليه أصر على تصعيد الموقف·
وفي إطار تصاعد الخلاف بين الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة ورئيس الحكومة السابق علي بن فليس بدأ حزب الأغلبية يتخذ مواقف أكثر استقلالية تجاه وزراء من الحكومة التي يرأسها أمينه العام، وفي هذا الوقت غير مسؤولو التجمع من لهجتهم وأصبحوا أكثر دعما ومساندة للرئيس بوتفليقة في جميع المجالات وبشأن كل الملفات دون قيد أو شرط، وبدا أن عودة الدفء في العلاقة بين بوتفليقة وأويحيى تخفي وراءها علامات استفهام كبيرة!! وبعد أن أصبح الخلاف بين الرئيس وبن فليس علنيا وخلال فترة الريبة التي سبقت الإعلان رسميا عن ذهاب الحكومة الى أويحيى تم طرح أسماء عدة لتولي رئاسة الحكومة وعلى رأسهم عبدالعزيز بلخادم وزير الخارجية وعبدالمالك سلال وزير النقل كما طرح اسم أحمد أويحيى ولكنه كان يبدو أقل المرشحين حظوظا في العودة على رأس الجهاز التنفيذي، وكان الإعلان رسميا عن تكليفه بهذه المهمة بمثابة صدمة للرأي العام والنخبة السياسية على حد سواء خاصة أنه أقل المسؤولين شعبية، كما أن علاقته متشنجة مع الأحزاب التي يختلف معها في التوجه وقد انفجرت أسئلة كثيرة حول تعيينه رئيسا للحكومة لاسيما أنه معروف بولائه للجناح الرافض لفوز الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة بدورة رئاسية ثانية فضلا عن عدم إيمانه بسياسة المصالحة التي يحاول الرئيس بوتفليقة تجسيدها·
______________________________________________________________