بوش يطرح مباردة شرق أوسطية وسط جنوده
· يجب على العرب أن يدعموا قواهم الذاتية قبل الدخول في المشروع
· الرافضون: المشروع محاولة لتثبيت الهيمنة الأمريكية على المنطقة
طرح الرئيس الأمريكي جورج بوش أخيرا ما أسماه البيت الأبيض بـ “مبادرة الشرق الأوسط لتشجيع النمو الاقتصادي” في عملية تقوم على بناء منطقة تجارة حرة بين الولايات المتحدة ودول الشرق الأوسط خلال عشر سنوات، على غرار اتفاقات من هذا النوع بين واشنطن وكل من إسرائيل والأردن·
ويبدو المشروع عودة لمشروع وزير الخارجية الإسرائيلي السابق شيمون بيريس لـ “شرق أوسط جديد” تندرج فيه الدول العربية في إطار مؤسسي رسمي تحت الهيمنة الإسرائيلية والذي ظهر للوجود في أعقاب اتفاقية أوسلو للسلام حيث انعقد أول مؤتمر للشرق الأوسط في عام 1994 في مدينة الدار البيضاء بالمغرب وضم للمرة الأولى إسرائيل مع مجموعة من الدول العربية بالإضافة الى تركيا·
ولكن هذه المرة تأتي فكرة إنشاء منطقة تجارة حرة في الشرق الأوسط في ظل دعاية أمريكية رسمية بعد أن فرغت الولايات المتحدة من احتلالها للعراق·
ويقول بوش أن مبادرته تشمل تطوير المناهج التعليمية، والإصلاح السياسي والقضائي، وترسيخ حكم القانون والمساواة بين الرجل والمرأة، والسؤال المطروح على الساحة العربية الآن هو: هل يمكن لهذا المشروع أن ينطوي على منافع حقيقية للاقتصادات العربية وتطوير المجتمعات العربية؟ أم أنه مجرد مشروع لتكريس وترسيخ وتثبيت الهيمنة الأمريكية الإسرائيلية في المنطقة العربية·
ويؤكد بعض الاقتصاديين أنه لا مانع من ناحية المبدأ في دخول مثل هذه المنطقة التجارية الحرة، ولكن مع هذه الموافقة المبدئية لا بد من استيفاء شروط وظروف يجب تجاوزها قبل الشروع في الدخول·
ويرى هؤلاء أنه يجب على العرب في المرحلة الحالية أن يدعموا قواهم الذاتية وأن يوحدوا جهودهم في مشروع اقتصادي عربي مشترك فإذا ما توصلوا الى هذا المستوى حينئذ فقط يمكنهم الدخول فيما شاؤوا من مناطق أو اتحادات أو غير ذلك من إجراءات ومسميات اقتصادية، لذا لا بد من الاعتماد على الذات والسعي لرفع الإنتاجية العربية، وتطوير الاقتصادات العربية بما يؤدي لتكاملها، فالدخول في مشروع كالمشروع الذي طرحه الرئيس بوش لا يمكن أن يأتي بثمار إيجابية للعرب إلا إذا حققوا قدرا من الندية مع هذه الاقتصادات العالمية الضخمة·
أما الرافضون لمثل هذا المشروع فيؤكدون على أنه محاولة لتثبيت الهيمنة الأمريكية ومحاولة لفرض تصورها الاستراتيجي، فهذا المشروع هو دعوة لإقامة منطقة نفوذ للولايات المتحدة مثل مناطق النفوذ في القرن الماضي·
ويرى هؤلاء الرافضون أنه يجب على الدول العربية أن ترفض مثل هذا المشروع ويعددون أربعة أسباب لرفض المشروع·
أولها: أنه يخلق منطقة نفوذ أمريكي رسمي ومتبلور في المنطقة، ويكرس هيمنة الولايات المتحدة بما يعني تسخيرنا لخدمة المصالح الأمريكية·
السبب الثاني: أن هذه الشراكة في حال قيامها هي شراكة غير متكافئة وبالتالي سيفوز الأقوى بالمكاسب الأكبر ولن يتبقى سوى الفتات للدول العربية أو يصيبها الضرر·
السبب الثالث: هو أن منطقة التجارة الحرة التي تدعو إليها الولايات المتحدة تكرس نهجا خطأ يقوم على ما يسمى بـ “تحرير الاقتصاد” وتفكيك القطاع العام والعصف بالتشريعات التي تحمي حقوق العاملين·
السبب الرابع: هو إسرائيل فهذا المشروع يكرس هيمنة أمريكا وانتصار إسرائيل والتوصل لحل للصراع مع إسرائيل قائم على إضاعة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وربما لسورية ولبنان وضياع الهوية العربية ضمن كيان هلامي هو الشرق أوسطية·
ويرى المراقبون أن هذه المبادرة هي نفسها مشروع بيريس ولكن مع انضمام الولايات المتحدة، فمشروع بيريس كانت فكرته الأساسية وجود نوع من التكامل بين إسرائيل والدول العربية وإيجاد منطقة تكامل اقتصادي تشمل إسرائيل ودول الشرق الأوسط الأخرى، بما فيها الدول العربية، والسبب الأساسي الذي دفع شيمون بيريس لطرح مشروعه أوائل التسعينات أنه كان يرى أن التوسع العسكري الإسرائيلي يخلق مشاكل في المنطقة العربية ويخلق مشاكل لإسرائيل ذاتها، وهي غير قادرة على مواجهتها، وذلك على عكس التكامل الاقتصادي بين إسرائيل المتطورة اقتصاديا والدول العربية الأقل تطورا، بما يسمح لها بأن تكون لها سوق متسعة، ويسمح لها في الوقت ذاته بأن تكون مركزا لتلقي رؤوس الأموال من الشركات العالمية التي تريد أن تتوطن في منطقة الشرق الأوسط، فهذه الشركات قد ترى إسرائيل الموطن الأنسب لها لأسباب من بينها أن المجتمع الإسرائيلي مكون من جنسيات متعددة أغلبها من أوروبا وأمريكا·
وما يطرح اليوم بوساطة بوش هو إحياء لمشروع بيريس بعد إضافة أمريكا له، وهذا المشروع إذ يطرح اليوم فهو يقوم على أساس إيجاد منطقة للتجارة الحرة تضم دولا متقدمة هي أمريكا وإسرائيل ومجموعة من الدول العربية المتخلفة اقتصاديا واجتماعيا، ومن الطبيعي أن تكون مثل هذه المنطقة لصالح الأكثر تقدما، وأن تكون الدول العربية في إطارها في موقع الدول التابعة·
______________________________________________________________