رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 السبت 23-29 رمضان 1422هـ الموافق 8-14 ديسمبر 2001
العدد 1506

سيرة فنية ترسم تطور الحركة التشكيلية في الكويت
طارق السيد رجب·· والرسم بالكلمات على جدران “الفريج”

كتب المحرر الثقافي:

يروي الفنان التشكيلي الكويتي طارق السيد رجب سيرة حياته، بالألوان، بدءا من ولادات الفن التشكيلي في أربعينات وخمسينات الكويت، كأحد رواد هذا الفن وأبرز شهود عصره الذين رسموا بريشتهم لوحة التشكيل في بيئة كانت تفتقد لمثل هذا الفن·

فقد صدر للفنان طارق السيد رجب كتاب أنيق يحكي تطور الحركة الفنية التشكيلية في الكويت من خلال المرور على محطات من سيرته الذاتية، مخصصا جزأه الأكبر للوحات تمثل تطور تلك المراحل·

ويبدأ حكايته من الفصل المدرسي، حينما أدخلت المدارس النظامية مادة الرسم في المناهج التعليمية، حيث كانت البدايات تعتمد على اجتهادات مدرس الرسم في اختيار الموضوع، وتوجيه الطلبة في فن اختيار الألوان·

خارج المدرسة··

يروي السيد رجب عن اختلاف الأجواء الفنية بين المدرسة والبيت والمجتمع، في عصر لم يول أهمية لمثل هذا الفن الجديد فـ “لم يكن في الكويت تراث فني أو متاحف أو صالات فنية، وحتى التصوير الفوتوغرافي كان محدودا جدا· وكل ما نعرفه عن الفن هو ذاك الموجود في المجلات العربية المستوردة التي بدأت تغزو أسواق الكويت”·

ويتوقف السيد رجب عند طبيعة البيئة الكويتية ودورها في تحديد ملامح هذا الفن، فقد كانت المحاولات الأولى “تدور في المحيط الضيق الذي غلبت عليه طبيعة المجتمع الصحراوي القاسي وحياة البحر الشاقة· لقد كنت أشاهد بعض الرسومات للسفن الشراعية· يقوم برسمها البحارة على الجدران بوساطة الفحم· تلك السفن التي كانت تشكل جزءا مهما من حياتهم، كالبوم والبغلة”·

المشاهدات الأولى

يعود السيد رجب إلى النشأة الأولى في بيئته حينما لفتت انتباهه بعض الرسومات البسيطة بالإضافة الى مكتبة جده “كان في بيتنا، كما هي الحال في بعض البيوت الكويتية القديمة، خزانة خشبية مستوردة من الهند تعرف بـ (الكبت)، على زجاجها رسومات لبعض الطيور الرشيقة كالطاووس، ومناظر للحدائق والزهور· وقد كنت أقضي وقتا طويلا، أحاول تقليدها ومعرفة كيفية رسمها· ولعل المخطوطات الأولى التي شاهدتها كانت في مكتبة جدي الصغيرة (وهو السيد/ عمر عاصم، أول ناظر للمدرسة المباركية في الكويت)، ومعظمها للمصحف الشريف، وبعض الكتب الدينية، وكلها خالية من الزخارف”·

ويظل يتجول في ماضي الكويت، يتتبع مشاهدها الفنية التي كانت ترصدها عيناه بالمصادفة، في مجتمع كان يعتبر الرسم والتصوير من مظاهر الترف الاجتماعي، الى أن حدثت النقلة في مناهج ونظم التعليم بعد استقدام مدرسين من بلاد عربية، بالإضافة الى استفادته الشخصية من مراسلة بعض الطلبة الأوروبيين، ومتابعته لكتب القصص الإنجليزية، التي تضم رسومات في غاية الدقة استحوذت على اهتمامه· ويشير الى دور مكتبة الطالب التي أنشأها عبدالرحمن الخرجي بالقرب من المدرسة المباركية والتي مكنته من المتابعة والتمعن ومحاولة التقليد·

الدوسري·· وأثره الفني

ثم يتذكر طارق السيد رجب محاولته الفنية الأولى حينما رسم على غلاف إحدى تلك القصص الإنجليزية (تراجر آيلند)·

وعن الرائد معجب الدوسري، يقول طارق السيد رجب “بدأ بتدريبنا على الرسم بالزيت، وهي مادة صعبة للغاية، خصوصا بالنسبة للطلبة من أمثالنا، وقمنا برسم الطبيعة الصامتة”·

ويضيف متذكرا أستاذه الأول “في اعتقادي أن معجب الدوسري كان يلاقي صعوبة كبيرة في تدريسنا الرسم، ولم يكن متأكدا من طريقة تدريسنا·· كان، رحمه الله، يشجعني كثيرا في تنمية موهبتي الفنية عن طريق إطلاعي على المجلات الفنية التي كانت في مكتبته الخاصة في منزله”·

البعثة الى بريطانيا

وعن بداية التعليم الفني الأكاديمي يقول: “قرر مجلس دائرة المعارف إرسالي في بعثة دراسية، ولحسن حظي كانت الى بريطانيا· وكنت أول طالب كويتي، يرسل الى بريطانيا في دراسة فنية منتظمة، استغرقت خمس سنوات، كانت السنة الأخيرة منها في جامعة برستول للحصول على دبلوما في التعليم، وشهادة في التربية”·

ثم يفرد السيد رجب جانبا كبيرا لدراسته ومرحلة تحصيله الفني في بريطانيا متوقفا عند أهم محطات ذكرياته في تلك السنوات، وتأثره بالمدارس الفنية التي رآها هناك، مازجا تلك الذكريات بلغة شعرية أقرب الى الرسم بالكلمات لمشاهد حية، تنبض بالحياة والحنين لخمسينات بداياته “لقد اكتشفت أن ذلك النوع من الحياة مثير للغاية، ولا زلت أتذكر كيف كنت أهيم في الغابات الكثيفة المحيطة بالمنزل الكبير، الذي أقطنه، لقد كنت أسبح في الأمطار المنهمرة، أرشف قطراتها بنهم، وأقبل الأنسام الباردة بنشوة وحبور وسعادة، لقد انتابني تغيير سحري، لقد كنت أشعر، وكأنني أغرق في ذلك البحر المتلاطم من المروج المترامية الخضراء في الريف البريطاني الساحر، وكنت أجري في حقول القمح الذهبية التي تمتد الى اللا نهاية، تداعبها الأنسام فتتحرك وكأنها أمواج البحر”·

طباعة  

إضاءات