بقلم : إيرن خان
الأمين العام لمنظمة العفو الدولية
صور مدهشة للخوف والأمل ما فتئت تصل إلينا من أفغانستان منذ استيلاء الجبهة المتحدة على العاصمة كابول: فهذه جثث مضروبة ودامية لباكستانيين وعرب تم إعدامهم، وتلك مذيعة سعيدة بعودتها إلى العمل، وهذا طفل مجند من الهزارا في التاسعة من عمره عاقد العزم على إلحاق الجريمة بطالبان، وهي صورة ربما كانت من أكثر الصور إثارة للمشاعر·
وفي هذا الإطار الجديد بالذات من الخوف والأمل يتحدث الجميع عن مستقبل أفغانستان· فبعد فشل عملية السلام قبل عشر سنوات، أدار العالم ظهره إلى أفغانستان· أما هذه المرة فيجب ألا يترك هذا البلد مطمورا تحت الغبار· إن الجهود الدولية الرامية إلى تحقيق السلام إنما تشير الى أن الدول أخذت تدرك أن من مصلحتها على المدى البعيد أن تضمن الاستقرار السياسي في أفغانستان، بيد أن المفاوضات يجب ألا تبقى عند مستوى تقاسم السلطة·
وينبغي أن تتمحور هذه المناقشات حول الحقوق الإنسانية لشعب أفغانستان· إن حماية حقوق الإنسان ليست ضربا من المثالية الرومانسية، وإنما هي براغماتية عنيدة، إنها مفتاح المستقبل· وإذا لم توضع حقوق الإنسان في صلب المفاوضات السياسية، فإن دورة العنف يرجح أن تستمر·
فأولا وقبل كل شيء، من الضروري توفير الحماية على الأرض، وينبغي منح الأمم المتحدة صلاحيات مراقبة انتهاكات حقوق الإنسان·
ويجب أن تقطع عملية مراقبة حقوق الإنسان شوطا في طريق التحقق من الأنباء الواردة عن اهتهاكات القانون الإنساني الدولي· كما أن نقل الأنباء بصورة محايدة من شأنه أن يسهم في بناء ثقة الشعب في العملية السلمية، وفي إبلاغ رسالة الى جميع أطراف النزاع مفادها أنهم تحت المراقبة·
وثمة ضرورة ملحة لتقييد عمليات نقل الأسلحة من الحكومات الأجنبية· فقد أذكت الحكومات الأجنبية، على مدى سنوات، نار انتهاكات حقوق الإنسان بواسطة عمليات نقل الأسلحة بشكل غزير· وعلى عاتق هذه الحكومات تقع مسؤولية ضمان عدم استخدام أي من عمليات نقل الأسلحة وتقديم المساعدات العسكرية لارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان· وينبغي أن تتضمن التسوية السياسية عمليات نزع الأسلحة وإزالة الألغام، كما ينبغي توفير الموارد الكافية لهذه العمليات من جانب المجتمع الدولي·
والقضية الثانية هي: من الذي سيشكل الحكومة الانتقالية؟ إن هذه الحكومة يجب ألا تضم مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان· فقصر النظر هذا سيؤدي الى خلق مشاكل في مسار الحل· ويجب أن يخضع المسؤولون عن الانتهاكات السابقة الى المساءلة· فالأشخاص الذين أصدروا الأوامر باقتراف المجازر وعمليات التعذيب غير جديرين بالثقة ولا يمكن أن يؤتمنوا على قيادة البلاد·
إن تجاهل تاريخ من انتهاكات حقوق الإنسان لاعتبارات المصالح السياسية ذو سجل سيئ· فمن كمبوديا الى سيراليون، ومن أنغولا الى شيلي، أدى إرث الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان إلى إعاقة العملية السلمية، وألحق الضرر بمجتمعات بأسرها، حتى بعد مرور عقود على وقوع تلك الانتهاكات·
إن الحاجة الى تحقيق المصالحة الوطنية في المجتمعات التي كابدت الحروب والقمع لا يعلو عليها شيء آخر، غير أن التغاضي عن الإفلات من العقاب كجزء من التسوية السياسية اليوم، لن يفضي الى الاستقرار غدا·
أما القضية الثالثة فتتمثل في أن الذين يتفاوضون من أجل التوصل إلى تسوية سلمية يجب أن يصروا على الحصول على ضمانات لحقوق الإنسان من الفرقاء الأفغان· ويجب ألا تكون هذه الضمانات حبرا على ورق، وإنما يجب أن تكون مدعومة بعملية المراقبة على المدى القريب، وبمؤسسات فعالة للقضاء الجنائي، تقوم على أساس حقوق الإنسان وحكم القانون، على المدى البعيد·
وأخيرا، يدور الحديث حاليا حول تشكيل “حكومة ذات قاعدة عريضة ومتعددة الأعراق”، وهذا الحديث يجب أن يصبح حقيقة واقعة، كما يجب أن يشمل النساء·
فعلى مدار 23 عاما من النزاع، كانت معاناة المرأة تفوق الوصف· لكنها لعبت في السبعينات دورا مهما في المجتمع الأفغاني، ولا سيما في مجالي الطب والتعليم· وإن هذا التاريخ يرسي أساسا ذا قيمة كبرى للمشاركة الحقيقية للمرأة الأفغانية في إعادة بناء بلدها في الوقت الراهن·
ليس ثمة وصفات سريعة للسلم والاستقرار في أفغانستان، فبناء السلام عملية طويلة الأجل تقتضي التزام المجتمع الدولي، والشعب الأفغاني أساسا، وثمة أمر لا بد أن يكون واضحا منذ البداية، ألا وهو أن حقوق الإنسان يجب ألا تكون على جدول الأعمال فحسب، وإنما هي التي يجب أن تشكل جدول الأعمال برمته·