· تحالف حزب الإخوان والسلطة ابتدأ بضرب الدستور عام 1976 وسعى إلى الهيمنة على عقول الشباب بتفريغها·· وصرف اهتماماتها
بقلم: عبدالكريم جاسم حيدر
لقد قام القائد الشيخ عبدالله السالم وحلفاؤه من خيرة أبناء الكويت ومستشاروه الصدوقون من التربويين بوضع سياسة تربوية تهدف الى التنمية الكاملة لشخصية الإنسان الكويتي والى خلق شعب ديمقراطي متعلم ومثقف ومتحضر·
“وأفلح من زكاها” ونجحت هذه الاستراتيجية في صناعة شعب ودولة كانت تسمى “جوهرة الخليج”، ولننظر الى ما وصلنا إليه اليوم!!
تخريب التربية يؤكد ما قاله الدكتور أحمد الخطيب عن تحالف السوء بين السلطة والأحزاب الدينية·
إذا كان من المسلم به أن سيطرة هذا التحالف المدمر بين القوى المتدثرة بالدين والسلطة على البلد هو أمر في حد ذاته، فإن الأسوأ منه أن يكون هدفه الأول تدمير الركائز الأساسية التي قامت عليها المؤسسة التربوية في الدولة والتي تتعامل أصلا مع الأطفال والفتيان مما يعني تدمير الإنسان الكويتي لأجيال عدة قادمة· وأهمية التربية وخصوصا عنصر التعليم في خلق نوعية البشر أمر مسلم به أيضا·
- يقول جل شأنه “ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها” سورة الشمس·
- ونصت المادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن: “يجب أن يستهدف التعليم التنمية الكاملة لشخصية الإنسان، وتعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية· كما يجب أن يعزز التفاهم بين جميع الأمم وجميع الفئات العنصرية أو الدينية وأن يؤيد الأنشطة التي تضطلع بها الأمم المتحدة لحفظ السلام”·
- أما الدستور الكويتي فقد حدد مقومات الأهداف التربوية بتحديد المقومات الأساسية للمجتمع الكويتي في الباب الثاني من الدستور (الذي كان)· ولا تفصل التربية عن السياسة، فالسلطة السياسية تشيع التربية التي هي في حاجة إليها· وهي تلك التي تقود الشعب في دقة وصلابة الى الهدف الذي وضعه· وقد بين الفلاسفة الإغريق تلك الصلة في قوة·هذا شأن أفلاطون الذي يحتوي كتابه “الجمهورية” بحثا في التربية، وأرسطو الذي ينتهي كتابه “السياسة” بتحليل للتربية·
إن التربية والتعليم يحددان مجتمع الغد الذي يتكون بالمدرسة - أو لن يتكون - كما تشاء السلطة السياسية، والخطورة أنها تستمر بنتائجها سواء الحميدة أو الخبيثة لأجيال عدة· إن أخطر وأهم هدف لأي سلطة سياسية وفي كل زمان ومكان هو وضع استراتيجية تربوية وأهداف واضحة ودقيقة ومحددة، ولكن هذه الأهداف ليست دائما تسعى الى خلق الشعب المثالي، لذلك تختلف الأهداف التربوية بحسب نوعية النظام السياسي وما تسعى إليه· فالأهداف التربوية للنظم الديمقراطية تختلف عن النظم الديكتاتورية، فالتربية تخلق نوعية الشعب الذي ترغب السلطة السياسية في صناعته، فالسلطة السياسية التي تحتم عليها الظروف المحيطة لخلق شعب محارب توجه تربيتها للنشء الى هذا الاتجاه كما في “اسبرطه” في الماضي وإسرائيل في الحاضر·
والسلطة السياسية التي ترغب في خلق شعب صناعي توجه أهدافها التربوية الى هذا الاتجاه كما فعلت اليابان·· الخ·
بعد هذه المقدمة لنعود الى بيتنا الكويتي·· حيث لا يخفى على أحد بأن المرحوم القائد الشيخ عبدالله السالم طيب الله ثراه وحلفاءه من خيرة أفراد الشعب ومستشاري الخير من التربويين وضعوا سياسة تربوية، لخلق شعب ديمقراطي، متعلم، مثقف، متحضر، استراتيجية تربوية تهدف التنمية الكاملة لشخصية الإنسان الكويتي، وتعزيز الحريات الأساسية واحترام حقوق الإنسان، قبل بدء الحياة الديمقراطية وصدور الدستور·
“وأفلح من زكاها” ونجحت هذه الاستراتيجية التربوية في صناعة شعب ودولة كانت تسمى “جوهرة الخليج” وشعب متحضر، متعلم، ذكي، وطني، يقاتل دفاعا عن حرياته الأساسية وحقوقه· وأصبحت الكويت مثلا أعلى للدول الأخرى المجاورة والبعيدة، ودفعت هذه السياسة التربوية الكويت وشعبها في طريقها الى القمة بتحريره من أغلال الجهل والتخلف وتوسيع بحثه عن الحقيقة والحرية، وإتاحة الفرص أمام الموهوبين لاستخدام طاقاته على نحو أفضل·
ولكن سعادة الشعوب وكما في الحب لا تكتمل دائما· وجاء الزمن الرديء الذي يذكرنا بما قاله الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام حين تنبأ بهذا “يأتي على الناس زمان لا يقرب فيه إلا الماحل ولا يظرف فيه إلا الفاجر، ولا يضعف فيه إلا المنصف، يتخذون الفيء مغنما، والصدقة مغرما، والعبادة استطالة على الناس··” وضاق الصدر بهذا الشعب المشاغب ولم تتمكن السلطة من مجاراته وأرادت سرجه ولجمه بجميع الوسائل فلم تتحمل الدور النشط للقوى الوطنية المخلصة ولا هذه الديمقراطية التي خلقهاالقائد الراحل والآباء المؤسسون للدستور· وبدأت حربها الشعواء ضدهم· ولكنها أي السلطة كانت تحتاج الى حلف استراتيجي يسعى الى الهدف نفسه، فوجدت في تلاميذ حسن البنا وسيد قطب اللذين خرجا معظم التنظيمات الإرهابية الحاضرة بما فيها تنظيم بن لادن وضالته بعد أن فروا من مصر بعد ما حاولوا اغتيال جمال عبدالناصر·
فاستضافت الكويت الكثير منهم في البيت الهادي المضياف وتحالفت السلطة مع تلاميذهم من الكويتيين·
وانتشروا وبائيا في جميع مناحي الحياة·
وفي منتصف السبعينيات بدأت هيمنة تحالف السلطة والأحزاب الدينية على الحياة التربوية بشكل عام والتعليم بشكل خاص، بعد أن أدخلت، السلطة “حصان طروادة” الى القلعة التربوية بهدف إعادة صياغة ذهنية هذا الشعب المتمرد، واستشرى هذا التحالف مثل السرطان ليقتل الخلايا الحية في قلعتنا التربوية وبدأ عصر الانحطاط التربوي·
ولقد خطط مستشارو السوء لتدمير جميع عناصر العملية التربوية وبدأ التنفيذ:
أولا: الوزير
وأكتفي بما ذكر الدكتور أحمد الخطيب في محاضرته القيمة عن دوره كما باقي الوزراء كموظفين كبار على أحسن الأحوال·
ثانيا: القيادات التربوية
وبدأت المجزرة في القلعة التربوية وقام التحالف سيئ الذكر بالقضاء على القيادات التربوية الكفؤة والمواطنين الذين قضوا سنوات طويلة واكتسبوا خبرة هائلة، ولهم الباع الطويل في التربية والتعليم، وقيادات البلاد حاليا كانوا من تلاميذهم وطلابهم·
واستبدلوهم بقيادات لا علاقة لهم بالتعليم من أعوانهم تم جلبهم من وزارات وهيئات حكومية لا علاقة لها بالتعليم أو من أتباعهم المطيعين من داخل الوزارة من متوسطي الكفاءة أو عديميها·
وعلى سبيل المثال لا الحصر· قاموا بإبعاد المربي الفاضل الأستاذ/ مبارك التورة مدير التعليم الثانوي، الذي كان أستاذا في ثانوية الشويخ ثم وكيلا ثم ناظرا ثم مديرا للتعليم الثانوي، كما تخلصوا من المربي الفاضل الأستاذ/ فيصل الصانع (فك الله أسره) مراقب التعليم الثانوي، كما تخلصوا من المربي الفاضل الأستاذ/ عبدالمحسن رشيد البدر والأستاذ المربي الفاضل/ عداللطيف الخميس وآخرين لا يسع المجال لذكرهم وقاموا بإحلال المطيعين من جماعات الأحزاب الدينية أو السلطة مكانهم، وكانت التعيينات والتخطيط لتخريب التربية يتم في إحدى الديوانيات في الفيحاء وبكل جرأة ووقاحة، وأصبحت المراكز القيادية في يد أعوان هذا التحالف المدمر· أناس مات لديهم الإحساس الوطني يرسمون التربية لبلدنا ولأجيالنا القادمة! يقول برتراند راسل “لا شيء يقف في سبيل رفاهية العالم وسعادته إلا الجهل والغباء”·
ثالثا : المناهج التعليمية
يؤكد علماء التربية مثل مونتاني· كنت، وروسو، ديووي على أن حشد المناهج الدراسية بما لا يطيقه التلاميذ بحسب أعمارهم وعدم مراعاة تحديد مناهج تناسب أعمارهم، يصيب هؤلاء بالإحباط الذي ينتهي بالفشل·
ويقول عالم التربية “جون بياجيه” (قدم الى أي إنسان معلومات أكثر مما يستوعبه أو معلومات أعلى من مستوى عمره أو قدمها له مشوهة، أو ناقصة، أو محشوة بالزيف، تدمر كل جهاز تفكيره وتنزل به الى ما دون مستوى الإنسان، وحيث إن أهداف التربية انقلبت رأسا على عقب بعد دخول حصان طروادة التحالف المدمر الى القلعة التربوية، وأصبح الهدف الرئيسي صناعة شعب يتكون من كائنات صبيانية وبالتالي مستعبدة، غير قادرة على التفكير لا تنهي إمكانية الإبداع العظيمة بل تخنقها، لجأ التحالف الى كثافة المناهج كمّا وكيفا، أي زيادة عدد المواد وزيادة كثافة كل مادة بمعلومات أعلى من عمر المتعلم الزمني، أي تدريس مواد يفترض أن تدرس للمرحلة الجامعية، تدرس للمرحلة المتوسطة وبالتالي لا يستطيع المتعلم الاستيعاب، ولا يتمكن المدرس من الانتهاء من المنهج خلال العام الدراسي القصير ولا وقت لديه لممارسة دوره التربوي بتعليم وتعويد تلاميذه على النقاش والحوار الديمقراطي، ويضطر الى إسكاتهم بمفردات اسكت، اخرس ولا كلمة· حتى يتمكن من الانتهاء من المنهج الضخم والتلاميذ يكملون دراستهم دون أن ينطقوا جملة واحدة، وهذا يحقق هدفا غاليا للتحالف بتعويد الأفراد على الاستماع وعدم النقاش أو الرد، والنتيجة أن التمليذ لا يستوعب شيئا والمدرس يضطر لإنجاحهم، لأنه إذا زادت نسبة الرسوب لديه مهدد بعقوبات قاسية، وهكذا يتخرج الطالب من المرحلة الثانوية إنسانا بليدا، جاهلا، ساذجا رغم حصوله على الشهادة الثانوية·
وبالإضافة الى ذلك فلقد نتج عن تدمير المناهج تخريج إنسان تتضاءل لديه القيم الوطنية والانتماء العربي، فهذان الانتماءان ينافسان برأيهم انتماءه للأمة الإسلامية وأصبح مواطنا معزولا عن محيطه تتملكه عقدة العظمة والشعور بأنه مميز عن سواه من أبناء جلدته مما خلق الإنسان الكويتي المتغطرس والمتباهي بجنسيته لا بآدميته وإبداعه·
رابعا: طرق التدريس
قام هذا التحالف بنشر فوضى بين المدرسين والنظار
والتلاميذ وأولياء الأمور منذ تسلمهم لزمام أمور التعليم وذلك بتغيير أسلوب التعليم بين فترة وأخرى فمن النظام التقليدي تحول فجأة الى نظام الفصلين، وبعد فترة وجيزة الى نظام المقررات وكل طريقة لها أسلوبها في التعليم والتعلم والمنهج والوسائل التعليمية وكان يتعثر التعليم بسبب إعداد المعلمين لطريقة تدريس كل نظام جديد يختلف عن الآخر وأصاب المدرسون والمتعلمون وأولياء الأمور “عقر بقر” لا يعلمون بما يحدث بينما كان التحالف المدمر يضحك ملء فيه وهو يخطط لتدمير التعليم في بلدنا·
خامسا: الوسائل التعليمية
وهي العمود الفقري لجميع عناصر العملية التعليمية فالتلميذ يحتاج الى الوسيلة التعليمية لاستيعاب الدرس والمدرس يحتاجها لشرح المادة، ولا منهج دراسيا من دون وسيلة تعليمية· لذلك قام مربو السوء الجديد بتدمير هذه الإدارة والتخلص من مديرها المربي الفاضل عبدالمحسن البدر والقضاء على أروع تجربة تعليمية في العالم ألا وهي “التفزيون التعليمي” الذي كان يبث بداية من تلفزيون الكويت ويلتقط برامجه دول الخليج والبصرة، وكانت كل مادة دراسية تحول الى برنامج تلفزيوني، جميع برامج مادة الكيمياء، الأحياء، الرياضيات، اللغات·· الخ حتى أنتجت الإدارة مئات البرامج، وفجأة يصدر الوكيل المساعد (الذي تم جلبه من هيئة حكومية لا علاقة لها بالتربية وليس لديه أي خبرة في التعليم) قرارا بوقف التلفزيون التعليمي· وتم تجميد نشاط الوسائل التعليمية وإنتاجها وتجميد المتخصصين من حملة الدراسات العليا فيها والتخلص منهم، وأصبحت مخازنها خاوية والمدارس من دون وسائل تعليمية مما دفع المدرسين الطلب من التلاميذ لشراء الوسائل التعليمية من المحلات التجارية وبأسعار ترهق أولياء الأمور، ثم انتشرت ظاهرة صناعة الوسائل التعليمية وتجهيزها تجاريا بدل قيام الطالب نفسه بإعداها تحت إشراف المدرسين ورقابتهم، وأغلب هذه المحلات تعود ملكيتها للجماعة إياهم·
سادسا: المباني الدراسية
في الوقت الذي ينهب سراق المال العام مليارات الدنانير وتتبرع السلطة بمئات الملايين لبناء المدارس والجامعات في الخارج، تمتنع عن التوسع في بناء المدارس في الكويت وتمتنع من بناء جامعة أخرى تستوعب آلاف الطلبة الذين تسربوا مضطرين لعدم وجود مقاعد لهم، امتلأت المدارس بالفصول الخشبية وامتلأت الفصول الدراسية بأعداد لا يتمكن المدرس من التعرف عليهم وهذا يؤكد ما نقوله عن تدمير التعليم كهدف أساسي لتحالف السوء لم يكن مستغربا عندما قام مجلس الأمة بتوجيه 55 مليون دينار أخيرا لتطبيق قانون منع التعليم المشترك ولم يوجهها لتطوير التعليم وأخيرا، أنا على ثقة بأن الوضع التربوي أصبح “فالج لايعالج” ولن تفيد الفزعة لمواجهتهم فقد تم تخريب التربية لأجيال عدة قادمة وقد منع الرجال ذوي العقول الراجحة من الوصول الى الصدارة، والتربية تسير على حصان كسيح· أما باقي عناصر العملية التربوية كأجهزة الإعلام من إذاعة وتلفزيون وصحف ووزارة الأوقاف والمسرح·· الخ· من ضمن الخطة التربوية المدمرة للبلد وانتشرت طبقة من صعاليك هذا التحالف في كل مكان· ولسان حال التحالف الحكومي، والأحزاب الدينية يذكرني بقول الكاتب الروسي الشهير تولستوي الذي قال “أجلس على ظهر إنسان، وأنخسه وأجعله يحملني، ومع ذلك أؤكد له وللآخرين أنني آسف لذلك وأرغب في تخفيف عبئه بجميع الوسائل - ما عدا - أن أنزل عن ظهره”·