وليد خدّوري
ينشر الدكتور وليد خدوري عدداً من المقالات في الزميلة "الحياة" حول المستجدات المتعلقة بمسودة قانون النفط العراقي والخلافات الجديدة بين العراقيين حولها، و"الطليعة" تعيد نشرها تعميماً للفائدة ولما لرأي الدكتور خدوري من أهمية في المجال النفطي لكونه من أهم الخبراء النفطيين في المنطقة·
المحرر
تثير مسودة قانون النفط خلافات جديدة بين العراقيين، هم في غنى عنها في ظل الأوضاع الأمنية والسياسية المزرية في البلاد· وهناك ثلاثة أنواع من الاعتراضات على المشروع: القانونية - الدستورية، والسياسية، والمهنية النفطية·
ويشدد المعترضون على أنه كان على البرلمان التعامل أولاً مع التعديلات الدستورية، التي تشمل المواد الهيدروكربونية، قبل البت في مسودة قانون النفط· وذلك للتناقض والغموض في البنود الدستورية حول صلاحية الأقاليم والمحافظات في رسم قوانين وسياسات نفطية تعلو قوانين الدولة عن القطاع·
كما تختلف المجموعات الحزبية المشاركة في العملية السياسية، أكثر من أي وقت مضى، حول جدية مسودة القانون، ومدى منفعته للعراق· ويشير الكثير منها الى الضغوط الأمريكية، العلنية والخفية، من اجل إقرار القانون في أسرع وقت ممكن· وبالفعل، كان من المفروض، بحسب الأجندة الأمريكية العلنية، أن يتم إقراره في أواخر (مايو) الماضي· والجدال اليوم في واشنطن يدور على تصويت البرلمان العراقي على مسودة القانون، قبل إجازته الصيفية أو بعدها، خصوصاً أن واشنطن تعتبره من الأمور الأساسية، من ضمن 18 هدفاً أساسياً يجب ان توافق عليها الحكومة العراقية· وبالفعل، فقد وافقت حكومة نوري المالكي على مسودة قانون النفط في الثالث من الشهر الجاري، وأحالتها على البرلمان، فانتقل الضغط الأمريكي من الضغط على الحكومة الى المجموعات والكتل السياسية في البرلمان للحصول على موافقتها عليه·
وتعارض الأغلبية الساحقة من خبراء النفط العراقيين مسودة القانون لأنهم يرون فيها وثيقة تعكس حال السياسة الداخلية في البلد هذه الأيام، المبنية على المحاصصة والفئوية أكثر منها على نظام عصري للنهوض بالصناعة النفطية، ومضرة بمركز العراق النفطي على الصعيد العالمي، إذ يمكن أن تكون إيراداته النفطية أعلى بكثير وبتكاليف أقل مما هو ممكن ضمن القانون المقترح، وتنتقد هذه الأغلبية ميله الى مساندة مصالح الشركات النفطية الأجنبية على حساب مصلحة البلد· كما يتخوف الخبراء النفطيون والقانونيون العراقيون من التناقض والغموض في دور الحكومة الفدرالية في رسم السياسة النفطية، واحتمالات التناقض والخلاف مع سياسات الأقاليم والمحافظات، ومدى تأثيرها السلبي في النمو الطبيعي للصناعة النفطية مستقبلاً، خصوصاً في الوضع العام الذي يسود البلاد من فساد ورشاوى وسرقات· والمثال على الغموض والتناقضات في كل من الدستور ومسودة قانون النفط، هو عدم تحديد المسؤولية في التفاوض مع الشركات الأجنبية والتعاقد معها· فهل المسؤول الأخير عن ذلك هو الأقاليم أم المحافظات، أم وزارة النفط، أم شركة النفط الوطنية، أم المجلس الاتحادي؟
ولم تسلم من الغموض مسودة قانون النفط حول طبيعة العقود التي ستوقع مع الشركات الأجنبية ونوعيتها· مما أدى الى انتقاد اتفاقات المشاركة في الإنتاج، على رغم عدم ذكرها في مسودة القانون، التي هي وسيلة من وسائل التعاقد في المناطق التي لم تكتشف حقول نفطية فيها بعد، والغرض منها أن تساهم الشركة الأجنبية في عنصر المخاطرة· وفي حال اكتشاف حقل جديد يحق لها نسبة معينة من الاحتياط، ناهيك عن نسبة محددة مسبقاً من الأرباح· وهذا النوع من الاتفاقات منتشر في الكثير من الدول النفطية· لكن ما آثار مخاوف حوله في العراق، على رغم عدم الإشارة الى هذا النوع من العقود بالذات، إمكان توقيع اتفاقات من هذا النوع نحو 80 حقلاً مكتشفاً لكن غير مطور أو منتج· ومن ثم تحصل الشركات الأجنبية على أرباح عالية جداً لحقول اكتشفت في الماضي· ويكمن التخوف في عدم استثناء هذه الحقول من اتفاقات المشاركة في الإنتاج· وكان ممكناً تفادي هذا السجال الدائر حالياً لو كانت مسودة القانون واضحة بالنسبة الى الحقول المكتشفة، والتي يعتبر بعضها حقولاً عملاقة تختزن احتياطات تقدر بعشرات البلايين من البراميل· ويتوقع أن يستمر هذا الجدال مستقبلاً في غياب القوانين الواضحة·
ومن الغريب كذلك سبب الاهتمام المتزايد من جانب واشنطن في تمرير قانون النفط هذا بأسرع وقت ممكن، في الوقت الذي يغيب فيه الأمن في البلاد، وتحول العراق الى ساحة صراع أساسية في الحرب بين الولايات المتحدة الأمريكية وحركة القاعدة (هذه الحرب العالمية التي زج بها العراق قسراً، من دون دراية أو استشارة، بل بعد أن تم تفكيك مؤسساته العسكرية والأمنية)· ونتج من هذه الحرب الصراع الطائفي الدموي، كما نتج منها عشرات القتلى من المواطنين يومياً، وهجرة أكثر من مليوني مواطن ونزوحهم، أو نحو 10 في المئة من سكان البلاد· و يتوقع الأمريكيون أن تستمر هذه الحرب سنوات طويلة، مما يعني احتمال مزيد من الخراب والدمار على أهل العراق والمنشآت النفطية فيه· وفي حال بدء استثمار الشركات الأجنبية، زيادة عمليات الخطف والابتزاز، ناهيك عن محاولات القتل والتدمير· ومن ثم التساؤل عن نوعية الصناعة النفطية التي يمكن إنشاؤها، والاستثمارات الأجنبية التي يمكن استقطابها في ظل استمرار هذه الحرب، وفي حال غياب الأمن في العراق·
لا شك في أن العراق في حاجة ماسة الى قانون نفطي عصري، يحقق للبلاد الاستغلال الأمثل للاحتياط النفطي الضخم المتوافر لديها، وتضخيم عائداتها المالية من هذه المادة الحيوية بعد ربع قرن من الحروب والدمار وغياب الاستثمارات النفطية· الا أن استعجال الولايات المتحدة في التعامل مع مسودة القانون النفطي وفي الوقت ذاته زج البلاد كساحة رئيسة في حرب عالمية، لا يسمح البتة بتطوير الصناعة النفطية على أسس حديثة وبكلفة معقولة· و يذكرنا هذا القرار بمسلسل أخطاء ارتكبت منذ الاحتلال في ربيع عام 2003، الذي بدأ بحل الجيش العراقي، وأوصل البلاد الى الحالة الأمنية المأسوية الحالية، وألحق هزيمة بالسياسة الأمريكية في العراق خصوصاً والشرق الأوسط عموماً·
" الحياة 22 يوليو 2007
* كاتب متخصص في شؤون الطاقة·