رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الاربعاء 25 يوليو 2007
العدد 1784

المسجد الأحمر: هل هو نهاية اللعبة بالنسبة لمشرف؟

                                  

 

* كان المسجد منذ البداية أداة سياسية بيد الحكومة·· ثم انقلب على صانعيه!

 

غراهام أشير*:

في الأسبوع الماضي سيطرت قوات الجيش الباكستاني الخاصة على مجمع المسجد الأحمر في إسلام أباد لإجبار بضعة مئات من رجال الدين والمسلحين والطلبة المتحصنين فيه على الاستسلام· وقتل أكثر من مئة، بما في ذلك إمام المسجد المعروف عبدالرشيد غازي، واستسلم ألف وثلاثمئة، وبينهم شقيق عبدالرشيد· وكانت هذه أكثر المعارك دموية في باكستان منذ أن أعلن الحاكم العسكري لباكستان الجنرال برفيز مشرف، الحرب على "المتطرفين والإرهاب" بعد هجمات 11/9 في أمريكا·

ما دلالة اقتحام المسجد الأحمر؟ بالنسبة للبعض يشير هذا الاقتحام إلى تمزق في شبكة العلاقات بين الجيش والأحزاب الإسلامية، أو ما يدعى تحالف "الملالي والعسكر" الذي حكم باكستان طيلة 30 عاما· ويقول آخرون إنه ليس أكثر من هجوم مخادع من قبل مشرف جاء بتحريض من غازي وعزيز وضغط من الأمريكيين· ويظل الحلف بالنسبة لهؤلاء في مكانه· هنالك أيضا وجهة نظر ثالثة تنبع في الحقيقة، من الأولى· أي أنه بوساطة المواجهة في المسجد الأحمر، فإن الحركات الطالبانية الباكستانية تتحدى الدولة الباكستانية، وتوقعها في الشرك نفسه الذي وقعت فيه الحكومات الموالية للأمريكيين في العراق وأفغانستان وسلطة محمود عباس الفلسطينية في الضفة الغربية·

في الأيام الخمسة الماضية قتل أكثر من 120 شخصا بهجمات انتحارية، معظمهم في مناطق باكستان القبلية المدارة فيدراليا، والمقاطعة الشمالية الغربية، ولكن في إسلام آباد أيضا في 17 يوليو، حيث قتل 17 شخصا في تجمع للمعارضة من أجل القاضي افتخار محمد شودري· العملة الرائجة المأمونة هي أن طالبان أو أنصارها كانوا وراء هذه الهجمات، رغم أن التفجيرات في إسلام أباد لايمكن أن تستبعد الشكوك أن المخابرات الباكستانية ربما تكون تحاول تخليص زعيمها من قاض برهن على مهارته في استنفار الأمة ضده·

في الوقت نفسه، أعلنت طالبان أنها أنهت اتفاق عشرة أشهر من السلام مع الحكومة الباكستانية في شمالي مقاطعة وزيرستان القبلية المحاذية لأفغانستان، مثيرة بذلك شبح تمرد واسع النطاق· ومع اندفاع الكثير من الجنود إلى المنطقة بدأ آلاف من رجال القبائل بالفرار· ولم يحدث إلا نادرا أن شعرت باكستان أنها تشبه العراق أو أفغانستان مثلما يحدث اليوم، فهل تسير على الطريق نفسه؟

 

تفكك التحالف

إذا كان ما انفجر هو تحالف الملالي والعسكر، فلن يكون هناك تذكار مناسب له أفضل من المسجد الأحمر·

لقد برزت شهرة هذا المسجد قبل 20 سنة على ظهر حملة الأسلمة للدكتاتور العسكري الباكستاني آنذاك الجنرال ضياء الحق· وكان المسجد الأحمر، مدعوما من قبل وكالة المخابرات الباكستانية الداخلية (ISI) والأموال الأمريكية والسعودية أداة لسياستين رئيسيتين للدولة· فقد حشد مجاهدين للقتال في حرب باكستان بالوكالة ضد الاتحاد السوفييتي في أفغانستان، وضد الهند في كشمير، ودعى الإسلاميين السنة الذين ترعاهم السعودية، والذين انخرطوا في معارك طائفية ضد الجماعات الشيعية الحليفة لإيران·

وسيطر عبدالرشيد غازي وعبدالعزيز على المسجد في العام 1991  بعد أن قتل والدهما عبدالله مؤسس المسجد اغتيالا على يد شيعي· وورثا مدارس الإناث والذكور التي أنشأها، وكذلك الشبكة التي تربط المخابرات الباكستانية بالطائفة الجهادية السنية، رعاية ونفوذا· والتقيا في الوقت نفسه بأسامة بن لادن، رغم أنه لا يوجد دليل أنهما كانا جزءا من شبكة "القاعدة"·

بعد 11/9 كبح مشرف نشاط الشبكة، ولكنها لم تنشط إلا في العام 2003، حين اجتاح الجيش الباكستاني تحت ضغط أمريكي مناطق القبائل مثل شمال وزيرستان لطرد طالبان وحليفتها القاعدة·

واستمرت الحملات على القبائل طيلة ثلاث سنوات، قتل فيها 700 جندي، وتدعمت قوة طالبان التي شنت حرب عصابات ناجحة ضد الجيش· وفي العامين 2005 و2006 ، سعت الحكومة إلى عقد اتفاقية سلام، وفي المقابل أعطت طالبان وجودا حرا في منطقة القبائل· وحظي المسجد الأحمر بعلاقات صلبة بطالبان، تلك الحركة التي قال عبدالعزيز إنه "أحبها"، والتي أراد محاكاة دورها في أفغانستان ونقله إلى باكستان· وتنتمي نسبة %70 من طلبة المسجد الأحمر البالغ عددهم 10 آلاف طالب، إلى المناطق القبلية، بما فيهم مقاتلون خاضوا عدة حروب أفغانية· ولكن طالبان ليست مجرد طموح فكري· فهي تقدم استراتيجية سياسية حولت المسجد الأحمر من أداة سياسية بيد الدولة إلى حصن مستقل مسلح يقف ضد حكومة مشرف· وشأنها في ذلك طالبان الأفغانية تحولت من حليف إلى منافس·

في شمال وزيرستان، استخدمت طالبان اتفاقية سلام العام 2006، ليس فقط لتجنيد وتوفير ملجأ للقاعدة والمقاتلين الأجانب الآخرين الذين يشنون الحرب ضد نظام حامد كرزاي، بل وأعطتهم سلطة على مناطق أبعد من المناطق القبلية، بما في ذلك الإقامة في مدن وقرى شمال غربي باكستان· ووصف هذا الامتداد بمصطلح "طلبنة" المناطق·

وأنشئت مجموعات من طلبة "المدرسة" مسلحة تقوم بدوريات ضد المنكر، وتمنع عزف الموسيقى، وتتلف أفلام محلات الفيديو، وتفرض "الشريعة" وأحكامها "حسب مزاعمها"· وسار المسجد الأحمر على المنهج نفسه، وجدته الوحيدة هي أنه لم يفعل ذلك في مناطق القبائل البدائية ولكن في الشوارع العريضة ودارات إسلام أباد الفخمة، أكثر مدن باكستان حداثة·

وفي يناير احتلت مجموعة من الطالبات مكتبة عامة احتجاجا على خطط الحكومة لهدم وتوسعة غير قانونية لمجمع "المدرسة"· وفي شهر مارس، أنشئت محكومة شرعية لديها فرق نهي عن المنكر تستهدف حوانيت الفيديو وأماكن متهمة بالدعارة· وفي السابع من شهر يونيو اختطف مواطنون صينيون، بتهمة إدارة ملهى (وهو في الحقيقة عيادة علاج بالإبر الصينية)· وبضغط من بكين، أمر مشرف الشرطة بمحاصرة المسجد· وفي الثالث من يوليو أطلق طلبة النار· والبقية معروفة·

ما هو غير معروف هو ما إذا كان التصعيد مخططا له، أو أن رجال الدين فقدوا السيطرة على حراسهم· الجيش ومصر على أن الهدف كان دائما إثارة انتفاضة مسلحة· يقول أحد كبار المسؤولين الأمنيين "تحليلنا لإخفاق المفاوضات "لإنهاء حصار المسجد" لا يشير إلا إلى اتجاه واحد، وهو أن المسلحين كانوا مصممين على خوض معركة واسعة"· وقال عبدالعزيز في آخر مقابلة صحفية أجراها قبل أن يفر في 4 يوليو ويعتقل، إن التصعيد كان أمرا ظرفيا، وستشن طالبان في مناطق القبائل حملة عسكرية إذا هوجمت مدرستنا الدينية"·

ما هو واضح أن المسجد الأحمر لم يكن فكرة خاصة برجلي دين مخبولين، لقد كان، في السياسة، والممارسة والطموح، جزء من حملة طلبنة أوسع تنطلق من المناطق القبلية ولا تهدد  الدولة فقط، بل كل القوى الملتزمة بالسياسة الانتخابية، بما في ذلك أحزاب باكستان الإسلامية الواسعة النفوذ·

 

الحلف العسكري المعتدل

كيف سيتصرف مشرف تجاه هذه الحملة بعيدا عن إرسال المزيد من الجنود للانضمام إلى 90 ألفا هم الآن في مناطق القبائل؟ ما الخيارات السياسية التي لديه؟

يرى المحللون أن أمامه ثلاثة خيارات· الأول هو إعلان حالة طوارىء· وليس واضحا رد فعل واشنطن على هذا، رغم سرورها أن حليفها قد تخلى عن سياسة "مسالمة" طالبان·

معظم الباكستانيين سيرى في فرض الأحكام العرفية وسيلة ليتفادى مشرف الانتخابات المخطط أن تكون في السنة القادمة· إذ ليس لدى مشرف إلا القليل من المصداقية: فقد زاد من عزلته قراره بتعليق عمل رئيس المحكمة العليا، تحت زعم إساءة "التصرف"، بينما الحقيقة لأن شودري كان سيحكم بعدم دستورية رغبة مشرف في البقاء رئيسا للدولة وقائدا للجيش لمدة خمس سنوات أخرى· وزاد من عدم شعبية نظامه وصار في أضعف حالاته·

لهذا السبب، من المحتمل أن يتردد الجيش في دعم حالة "طوارىء"· في 18 يوليو استبعد مشرف بوضوح أي إعلان لحالة الطوارىء، وفي 20 يوليو حكمت المحكمة العليا الباكستانية بأن قرار تعليق عمل رئيسها كان "غير قانوني"، وأمرت بإعادته إلى منصبه في ضربة أخرى لسلطة مشرف "ولكن كانتصار كبير لشودري والقضاء" وقال مشرف إنه سيقبل حكم المحكمة·

الخيار الثاني هو المضي إلى الانتخابات والتلاعب بها لصالحه كما فعل في العام 2002· ولكن ذلك كان منذ زمن طويل· وتعليق عمل شودري لم يكلف مشرف مكانته فقط، بل أطلق حركة احتجاج مدنية وسياسية لم تشهدها باكستان من قبل منذ سنوات· وكان الحشد من أجل القاضي شودري في 17 يوليو، والذي ألقيت عليه القنابل، الأخير في سلسلة تظاهرات أنزلت الآلاف إلى الشوارع· وليس من المحتمل أن تعتم مجزرة المسجد الأحمر على مطالبات المحامين بإعادة تشودري، ووضع نهاية للحكم العسكري، وإقامة حكومة مدنية على أساس انتخابات حرة وعادلة· ولم يعد الشعب يستطيع مسايرة حكومة مدنية ملفقة، كما حذر الصحافي الباكستاني والمعلق السياسي "أياز أمير": إذا حاول مشرف التلاعب بالانتخابات كما فعل في العام 2002 فستكون هناك احتجاجات في كل باكستان· لن يستطيع"·

الخيار الثالث أمام مشرف هو تأليف تحالف مع الأحزاب الوطنية والعلمانية وغيرها، على أساس إجماع سياسي مشترك· وسيحتاج هذا إلى تحديد "الطلبنة" كتهديد لوجود دولة باكستان، سواء كان مدنيا أو عسكريا· ولكن سيكون مطلوبا الاتفاق أيضا على أن الطريق لعزل طالبان لا يمكن أن تكون بالقوة وحدها، بل ببرنامج تحقيق العدالة الاجتماعية في كل باكستان، مع أولوية التربية والتعليم العام المجاني والشامل والمناسب· وإلا فإن طالبان ستواصل تجنيد وأدلجة وتسليح الفقراء والعاطلين عن العمل بوساطة المساجد والمدارس الدينية، وبالتحديد كما حدث في المسجد الأحمر·

ومع ذلك من الواضح أنه لن يتحقق إجماع ما لم يبدأ مشرف والجيش الانتقال من الحكم العسكري إلى الحكم الديمقراطي· وسيكون أفضل مكان للبداية هو انتخابات حرة وعادلة خلال هذه السنة، والعودة إلى قادة موثوق بهم مثل رئيسة الوزراء السابقة بنازير بوتو، زعيمة حزب الشعب الباكستاني، أكثر الأحزاب شعبية حسب استطلاعات الرأي·

 

* عن مجلة: The Nation(19 يوليو 2007)

طباعة  

استخبارياً وعسكرياً وسياسيا
كيف هزمت إسرائيل في جنوبي لبنان (1)