كون هالينان*:
إعلان الرئيس الأمريكي جورج بوش تشكيل قيادة عسكرية لأفريقيا (أفريكوم) في فبراير الماضي لم يفاجىء مؤسسة الميراث، تلك المنظمة اليمينية القوية التي وضعت مخطط تشكيل هذه القيادة· فلهذه المؤسسة التي أنشأها في العام 1973 المحافظان المتطرفان "بول ويرتش" و"جوزيف كورز" ومولتها مؤسسات يمينية مثل "سكيفي" حضور قوي في حكومة بوش· ومع أنها ليست بثراء وقدم ونفوذ معهد انتبرايز الأمريكي، إلا أن لها مكانة أعلى حين يتعلق الأمر بسياسية إفريقيا·
وبالعودة إلى أكتوبر 2003، نجد اثنين من هذه المؤسسة هما "جيمس جاي كارافانو" و"نايل جاردتر" يضعان مخططا أوليا لكيفية استخدام القوة العسكرية للهيمنة على تلك القارة الشاسعة·
كتب هذان المحللان في دراسة عنوانها "المساعدة العسكرية الأمريكية لإفريقيا: حل أفضل"، إن "خلق قيادة إفريقية ستتخذ طريقا طويلا نحو تحويل أولويات حكومة بوش الاستراتيجية تجاه إفريقيا إلى واقع"·
وفي الوقت الذي تقول فيه حكومة بوش على لسان الوكيل أول لوزارة الدفاع "ريان هنري" إن هدف "الأفريكوم" سيكون تقديم المساعدات الإنسانية و"التعاون الأمني" وليس "القتال"، يتحدث المحللان من مؤسسة الميراث صاحبة الفكرة بفظاظة صبيانية عن استخدام القوة العسكرية، فيكتبان: "إن الضربات الاستباقية مبررة على أساس الدفاع عن النفس، ويجب أن لا تخشى أمريكا من استخدام قواتها بحسم حين تتهدد المصالح القومية الحيوية"·
وكان "كارافانو" و"جاردنر" واضحين أيضا وضوحا تاما في تحديد ما هي "المصالح الحيوية": "من المحتمل أن تسحب الولايات المتحدة %25 من نفطها من غربي إفريقيا بحدود العام 2015، متجاوزة حجم ما تستورده من الخليج الفارسي"·
ومن المعروف أن "كارافانو" أحد خريجي الأكاديمية العسكرية الأمريكية، وكولونيل سابق في الجيش الأمريكي، وعضو بارز في مؤسسة الميراث لشؤون الأمن والدفاع الوطني، وكان "جاردنر" باحث في السياسة الخارجية عند رئيسة الوزراء البريطانية مارجريت تاتشر، وهو الآن المدير الحالي لمركز مارجريت تاتشر من أجل الحرية· واقترح الاثنان أيضا زيادة المساعدة العسكرية لأنظمة إفريقية صديقة للولايات المتحدة، وباستخدامها للغة النفسية الشعبية، مواجهة الدول "المتهربة من الخدمة" والدول "المتمكنة" التي تهدد أمن الولايات المتحدة· الدول "المتهربة" حسب واضعي خطة "الأفريكوم" هي الدول الفاشلة، مثل الصومال، حيث يمكن أن يجعلها الإرهابيون قاعدة لعملياتهم، والدول "المتمكنة"، فهي الدول المشابهة لليبيا التي تدعم الإرهابيين مباشرة· وتوصيات هذين المحللين هي بالتحديد ما استقرت عليه حكومة بوش، رغم أن البيت الأبيض غطى أفكارهما بكلمات ناعمة مثل "التعاون و"المساعدات الإنسانية" و"الاستقرار"·
"الأفريكوم"، في أحد معانيها مجرد صياغة للوجود العسكري الأمريكي المتنامي في القارة الإفريقية· فالولايات المتحدة تستخدم حاليا 1800 جندي في "جيبوتي" كجزء من "قوات مهمة القرن الإفريقي" التابعة لها· وكانت القوات الخاصة والوحدات الجوية العاملة في جيبوتي أدوات مساعدة للغزو الأثيوبي الأخير للصومال· ووفق تقرير قسم البحوث في الكونغرس، فإن لدى الولايات المتحدة قواعد في "الجابون" و"كينيا" و"مالي" و"المغرب" و"ناميبيا" و"ساوتومي" و"السنغال" و"تونس" و"أوغندا" و"زاميا"· وتقع قاعدة "ساوتومي" على مبعدة 124 ميلا من ساحل "غينيا" وحقول نفط "أنجولا" و"نيجيريا" و"الكاميرون" و"الجابون" و"غينيا الاستوائية"·
وبوساطة مبادرة عبر الساحل وهدفها الجماعات الإرهابية المفترضة التي تعمل في الصحراء، ربطت الولايات المتحدة "مالي" و"تشاد" و"النيجر" و"موريتانيا" بحبال تحالف· وتمتلك "تشاد" و"موريتانيا" مكامن غاز ونفط مهمة·
وأخيرا، فإن برنامج وزارة الدفاع الأمريكية المسمى "برنامج إفريقيا للعمليات الطارئة للتدريب والمساعدة يقدم الأسلحة والتدريب لدول مثل "بنين" و"بوتسوانا" و"الكاميرون" و"إثيوبيا" و"الجابون" و"غانا" و"كينيا" و"مالاوي" و"موزامبيق" و"نيجيريا" و"السنغال" و"جنوب إفريقيا" و"أوغندا" و"زامبيا"·
وكما توصي مقترحات مؤسسة الميراث بالضبط، جندت الولايات المتحدة أنظمة وكيلة مثل إثيوبيا وتشاد وأوغندا راغبة في دعم أهداف السياسة الأمريكية· وإحدى القضايا الماثلة هي غزو الصومال برعاية أمريكية، حيث أطاحت القوات الإثيوبية بنظام المحاكم الإسلامية، وساهم جنود أوغندا في احتلال البلد·
إن السيطرة على الموارد لصالح الشركات الأمريكية هي الدافع الأكبر وراء "الأفريكوم"، ولكنها أيضا جزء من الانتباه المركز على الصين· فقد كان ما يدعى "التهديد" الصيني في إفريقيا موضع تركيز خاص من قبل مؤسسة والانتبرايز على حد سواء، وعقد الأخير مؤتمرا في السنة الماضية عنوانه "سفاري بكين": تحدي روابط الصين المتنامية بإفريقيا·
واعتبر أحد باحثي الميراث، أن بكين في تطلعها إلى عولمة قوتها ركزت نظرها بثبات على توسيع نفوذها في الصين· وما مصالحها في القارة الإفريقية إلا "عودة إلى أيام ماو الثورية في الستينيات والسبعينيات"·
لا ريب أن الصين نشطة في إفريقيا، ويأتيها ما مقداره %30 من نفطها من القارة الإفريقية، وتستثمر بكين في صناعة الطاقة في نيجيريا وأنجولا والسودان· وفتحت الصين أيضا صمام التجارة· في العام 2006، قدمت مساعدات بقيمة 8 بلايين دولار لأنجولا ونيجريا وموزمبيق وحدها· مقارنة بما قدمه البنك الدولي، 3.2 بليون دولار مساعدة لكل الدول الإفريقية مادون الصحراء·
القوة العسكرية ليست هي السهم الوحيد في جعبة الولايات المتحدة، وهنا لعبت مؤسسة الميراث مرة أخرى دورا رئيسا في تعزيز استراتيجية حكومة بوش الأخرى في السيطرة على إفريقيا:
- التجارة الحرة·
جاء في محاضرة رئيسة للميراث عنوانها كيف أن الحرية الاقتصادية مركزية في التنمية في إفريقيا ما دون الصحراء"· ان على البلدان النامية أن تخفض حواجزها التجارية من أجل أن تنمو، وتربط حكومة بوش المساعدت بمثل هذا التخفيض· ولكن، كما يشير عالم الاجتماع من جامعة الفلبين "والدن بيلو"، في تحليل قدمه خلال محادثات الدولة الفاشلة حول التجارة العالمية: "التجارة الحرة هي حصان طروادة الذي يؤدي في النهاية إلى التغلب على اقتصاديات البلدان النامية، فمنذ البداية كان هدف البلدان الصناعية في محادثات الدوحة الدفع في اتجاه المزيد من فتح أسواق البلدان النامية، بينما تقدم من جانبها الحد الأدنى من التنازلات"· وقد انهارت محادثات الدوحة الأخيرة في بوتسدام في ألمانيا حين رفضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي المساومة حول التعريفات الجمركية!
ويقدر البنك الدولي ومنظمة أوكسفام، أنه بسبب الهبات الأمريكية، مبيعات القمح بسعر %46 أقل من تكاليف الإنتاج، والذرة بسعر %20 أقل، فإن الحوافز التجارية التي تضعها الدول الصناعية تكلف الدول النامية 100 بليون دولار سنويا، أي ضعف ما تتسلمه هذه الأخيرة من مساعدات اقتصادية·
وتأثير حرية تجارة مثل هذه ذات اتجاه واحد تدمر الاقتصاديات الريفية· وقد اقتلعت "هبات" الذرة الأمريكية حوالي مليوني مزارع مكسيكي من أراضيهم، وعجلت بالمجاعات، وغذت الهجرة إلى الولايات المتحدة· وتسيطر "هبات" فول الصويا والرز على التوالي نحو %99 و%80 من السوق المكسيكي، ولهذا النوع من "الهبات" تأثير مخرب خاصة من إفريقيا، حيث %50 من الدخل القومي في بلدانها يعتمد على الزراعة· وقدرت دراسة أخيرة لأوكسفام بأن تخفيض مساعدات القطن الأمريكي سيرفع الأسعار العالمية بنسبة %10·
وفي دراسة في العام 2005 للبنك الدولي، وجد أنه بينما سيزيد تأثير إزالة الدول النامية للحواجز التجارية دخلها بمقدار 16 بليون دولار خلال 10 سنوات، فسيترجم هذا إلى دولارين سنويا لكل واحد من بليون فقير في العالم· وربما ستكون هناك خسارة صافية·
* محلل للسياسة الخارجية من إيرلندا