رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 11 يوليو 2007
العدد 1782

استخباريا وعسكريا وسياسيا
كيف هُزمت إسرائيل في جنوبي لبنان(1)

الستير كروك ومارك بيري*:

نشر الخبير العسكري الأمريكي "أنطوني جوردسمان"، وهو يكتب بعد خمس سنوات مرت على هجمات 11 سبتمبر 2001 موضوعا عن النزاع بين حزب الله وإسرائيل· تحت عنوان "الدروس الأولية للحرب بين حزب الله وإسرائيل"، وقد خلق هذا المقال اهتماما واسعا في البنتاغون (وزارة الحرب الأمريكية) حيث درسه مخططو هيئة الأركان، وتداولته أيدي الخبراء العسكريين في واشنطن· جوردسمان لم يخف تواضع دراسته، فقد اعترف أن دراسته لم تكن "أولية" فقط، بل هي لم تأخذ في اعتبارها كيف خاض حزب الله النزاع أو حكم على نتائجه· فهو يلاحظ "أن هذا التحليل تجعله محدودا واقعة أنه لم تتم زيارة للبنان ولحزب الله"· ولكن دراسة جوردسمان، مع عدم اكتمالها، حققت هدفين: الأول أنها وضعت أساسا لفهم الحرب من وجهة النظر الإسرائيلية، والثاني أنها أثارت أسئلة عن الكيفية التي أحسن فيها حزب الله القتال· وبعد مرور شهرين تقريبا على انتهاء الحرب، أصبح ممكنا الآن ملء بعض الفراغات التي تركها تحليل جوردسمان·

الصورة التي نقدمها هنا، هي أيضا محدودة، فمسؤولو حزب الله لا يتحدثون علنا أو يسجلون كيف خاضوا النزاع، ولن يقدموا تفاصيل تشكيلاتهم، أو يناقشوا استراتيجيهم المستقبلية· ومع هذا، فإن دروس الحرب، من منظور حزب الله، بدأت الآن بالظهور، ويستمد المخططون الاستراتيجيون الأمريكيون والإسرائيليون منها بعض الدروس الصغيرة· وتعتمد استنتاجاتنا على تقييم ما تم على الأرض من خلال مسار الحرب، وعلى محادثات مع خبراء عسكريين إسرائيليين وأمريكيين وأوروبيين، وعلى فهم النزاع الذي يبرز في النقاش مع الاستراتيجيين العسكريين، وعلى شبكة من كبار المسؤولين في الشرق الأوسط الذين اهتموا اهتماماً شديداً بنتائج الحرب وبمن تحدثنا معهم·

إن الحصيلة النهائية الكلية التي توصلنا إليها تتناقض مع وجهة النظر الراهنة التي يقولها بعض المسؤولين الإسرائيليين ومسؤولي البيت الأبيض، من أن العدوان الإسرائيلي على لبنان قد دمر تدميرا مؤثرا قدرة حزب الله على شن حرب، وأن إسرائيل نجحت في تخفيض قدرة حزب الله العسكرية على الانتصار في نزاع قادم، وأن الجيش الإسرائيلي، لو انتشر بأعداد كبيرة في جنوبي لبنان، لكان قادرا على الانتصار على خصومه وإملاء تسوية ملائمة للمؤسسة السياسية الإسرائيلية·

العكس هو الصحيح تماما· فمنذ بداية النزاع وحتى آخر عملياته، اخترق قادة حزب الله اختراقا ناجحا دائرة صنع القرار الاستراتيجي والتكتيكي الإسرائيلية عبر طيف من عمليات استخبارية وعسكرية وسياسية، كان من نتيجتها أن حزب الله حقق نصرا مؤثرا وكاملا في حربه مع إسرائيل·

 

(1) حرب الاستخبارات:

بعد اندلاع النزاع بوقت قصير، اعترف أمين عام حزب الله حسن نصرالله بأن رد الفعل العسكري الإسرائيلي على اختطاف جنديين من جنوده، وقتل ثمانية آخرين في الساعة التاسعة و4 دقائق من صباح 12 يوليو كان مفاجأة لقيادة الحزب· ووضع كلام نصرالله هذا حدا للتقارير الصحافية التي ذهبت إلى أن حزب الله تحرك بقصد استثارة حرب مع إسرائيل، وكان الاختطاف جزءا من خطة وضعها حزب الله وإيران· ومع أن حزب الله قد أوضح طيلة سنوات أنه ينوي خطف جنود إسرائيليين، فقد كان هناك سبب وجيه لافتراض أنه لن يفعل ذلك في منتصف شهور الصيف، حيث تتوافد أعداد كبيرة من اللبنانيين من الخارج لزيارة أهاليهم في لبنان، ويتوقع توافد أعداد كبيرة من السياح الخليجيين على لبنان·

ولم تكن القضية أيضا، كما قيل في البداية في وسائل الإعلام، ان حزب الله نسق نشاطاته مع حماس· فقد فوجئت حماس بالاختطاف، ومع أن قيادة حماس دافعت عن أعمال حزب الله، فقد كان من السهل بعد وقوع الحادث رؤية لماذا لم تكن حماس مسرورة به: فطيلة مسار النزاع شنت إسرائيل عمليات عسكرية متعددة ضد حماس في غزة، وقتلت عشرات من المقاتلين وأعدادا كبيرة من المدنيين، ومر هذا العدوان دون أن يلاحظ على نطاق واسع في الغرب، مما أعاد إلى الأذهان القول المشهور: "حين يحترق الشرق الأوسط يسقط الفلسطينيون في هوة النسيان"·

الحقيقة هي أن اختطاف جنديين إسرائيليين وقتل ثمانية آخرين فاجأ قيادة حزب الله، ولم يتم إلا لأن وحدات مقاتلي حزب الله على الحدود لديها أوامر باستغلال أي نقطة ضعف عسكرية إسرائيلية·

وأشار نصر الله بنفسه دائما إلى نية الحزب باختطاف جنود إسرائيليين بعد أن نقض رئيس الوزراء السابق أرئيل شارون موافقته على إطلاق سراح كل سجناء حزب الله، وهم ثلاثة، خلال تبادل الأسرى الأخير بين الجانبين·

لقد كان الاختطاف في الحقيقة بالغ السهولة، فالواضح أن الجنود الإسرائيليين بالقرب من الحدود انتهكوا الإجراءات العملية المتبعة، فهبطوا من مركباتهم أمام أنظار مواقع حزب الله، وفعلوا هذا وهم بلااتصال مع القيادة العليا، وهم بعيدون عن التغطية النارية·

ويلاحظ أنه في الوقت الذي لم تقدم فيه وسائط الإعلام الغربية تقارير صحيحة عن الأحداث على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية فإن صحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية أكدت هذه الرواية تأكيدا جوهريا: "أرسلت فورا إلى داخل الأراضي اللبنانية قوة دبابات وحاملات جنود مدرعة في مطاردة ساخنة، وخلال هذه المطاردة، في حوالي الحادية عشرة ليلا، مرت دبابة ميركافا على لغم ذي قوة تدميرية عالية، يحتوي على ما بين 200 إلى 300 كيلو غرام من المتفجرات، على بعد 70 مترا شمال خط الحدود· ودمرت الدبابة بالكامل تقريبا، وقتل أفراد طاقمها الأربعة فورا· وطيلة بضع ساعات لاحقة خاض الجنود الإسرائيليون حربا ضارية ضد مسلحي حزب الله··· وخلال هذه المعركة، في حوالي الساعة الثالثة قتل جندي آخر وجرح اثنان جراحا خفيفة"·

على الرغم من أن مقاتلي حزب الله فوجئوا بهذا الرد الإسرائيلي، فقد كانوا في حالة إنذار كامل بعد دقائق من الاختطاف، وتم تنبيه القادة الميدانيين من قبل قيادتهم العليا· وكانت دفاعات حزب الله القوية والصلبة نتاج ست سنوات من العمل الدؤوب الذي بدأ مع الانسحاب الإسرائيلي من المنطقة في العام 2000· والكثير من مراكز القيادة تحت الأرض التي صممها وأنشأها مهندسو الحزب تم تحصينها، بل وكان بعضها مكيف الهواء·

وترافق حفر المراكز والاستحكامات طيلة السنوات السابقة مع برنامج للخداع، إذ أنشأت بعض المخابىء المحصنة علنا وتحت عيون المركبات الإسرائيلية، أو تحت أعين لبنانيين ذوي علاقات وثيقة بالإسرائيليين· وكانت هذه المخابىء المحصنة مع استثناءات قليلة ليست حقيقية· وتواصل بناء المخابىء المحصنة الأخرى في مناطق سرية بعيدة عن العيون· وبنيت أكثر مخابىء القيادة المحصنة ومخازن الأسلحة أهمية في أعماق التلال اللبنانية الصخرية، ووصلت إلى عمق 40 مترا· وأقيم ما يقارب 600 مخزن ذخائر وأسلحة منفصلة في مواقع استراتيجية في منطقة جنوبي نهر الليطاني·

ولأسباب أمنية، لم يعرف قائد واحد موقع كل مخبأ، ووضعت في متناول كل وحدة من وحدات الحزب ثلاثة مخابىء فقط، مخبأ ذخيرة رئيس، واثنان للاحتياط في حالة تدمير المخبأ الرئيس· ولم يمتلك عضو من أعضاء الحزب وحده معرفة ببنية المخابىء الكلية· فقد خضعت لكل وحدة نقاط إسناد وإمداد، بحيث تتسلح كل وحدة وتقاتل في منطقة محددة·

وقد استهدفت القوات الجوية الإسرائيلية ترسانات حزب الله الرئيسة ونقط الإمداد خلال 72 ساعة الأولى من الحرب· وقد تعرف القادة الإسرائيليون على هذه المخابىء المحصنة بوساطة تقارير استخبارية متنوعة مثل اعتراض اتصالات حزب الله، وصور الأقمار الصناعية بالتعاون مع العسكريين الأمريكيين، وتحليل صور الاستطلاع الجوي للمنطقة، والأكثر أهمية، ما جاء عن طريق شبكة من العناصر الاستخبارية التي جندها ضباط المخابرات الإسرائيلية، بما فيها عدد كبير من الجنسيات الأجنبية المسجلين كعمال في لبنان· وفشل هذا الهجوم الأولي خلال الاثنين والسبعين ساعة على نقط الإسناد وشبكة المخابىء المحصنة· وفي 15 يوليو استهدفت الطائرات الإسرائيلية قيادة حزب الله في بيروت· وفشل هذا الهجوم أيضا· ولم تقتل أي شخصية سياسية من كبار شخصيات حزب الله خلال الحرب، رغم الإصرار الإسرائيلي المتواصل على أن القيادة العليا للحزب منيت بخسائر· ووفقا لأحد المسؤولين الأمريكيين الذي راقب مجريات الحرب عن كثب، فإن القوات الجوية الإسرائيلية ربما أضعفت %7 من مجمل الموارد العسكرية وأصولها المتوفرة لدى مقاتلي الحزب في الأيام الثلاثة الأولى، وأضاف، إنه يرى أن الهجمات الجوية الإسرائيلية على قيادة الحزب كانت "غير مجدية مطلقا"·

ولم تكن صحيحة التقارير الصحافية عن أن قيادة حزب الله العليا لجأت إلى السفارة الإيرانية في بيروت "التي لم تلمس خلال الهجمات الجوية" رغم أنه لم يعرف تحديدا أين كانت تحتمي قيادة الحزب·

لقد أخبر أمين حزب الله أحد مساعديه "أنه هو ذاته لم يكن يعرف أين كان"· وحتى مع كل هذا، فليس صحيحا أن خطط الجيش الإسرائيلي لتدمير البنية التحتية اللبنانية نجمت عن عجز طيرانه عن إضعاف قدرات حزب الله العسكرية في الأيام الأولى للحرب· فقد وضعت الخطط العسكرية الإسرائيلية لقصف مبكر ومتواصل لطرق لبنان السريعة والموانىء بالإضافة إلى خططه لتدمير مؤسسات حزب الله العسكرية والسياسية· ولم تخف الحكومة الإسرائيلية نياتها في قطع الدعم الذي يلقاه حزب الله بين الطوائف السنية والدرزية والمسيحية، لقد كانت فكرة معاقبة لبنان لاحتضانه لحزب الله، ومن ثم تحويل الناس ضد مقاتليه، جزءا من خطة إسرائيل منذ انسحابها من جنوبي لبنان في العام 2000·

وبينما كان مسؤولو الجيش الإسرائيلي يعلنون سرا وعلنا نجاح عدوانهم، أو حتى قادتهم أن يوافق رئيس الوزراء إيهود أولمرت على زيادة الهجمات الجوية على مخابىء حزب الله المحتملة في مناطق أهداف هامشية في نهاية الأسبوع الأول من القصف· ووافق أولمرت على هذه الجماعات وهو يعرف أن ضباطه الكبار بتقديمهم مثل هذا الطلب لا يعترفون إلا بأن تقييمهم الأولى للتدمير الذي حل بحزب الله كان مبالغا، وكانت "قانا" نتاج موافقة أولمرت على "توسيع مدى الأهداف"· ولدى أحد الخبراء العسكريين الأمريكيين الذي تابع الحرب متابعة وثيقة ما يقوله عن قصف "قانا": "تفسير هذا الأمر ليس مقصدا، فبعد فشل الحملة منذ البداية، عاد مخططو الحرب الجوية إلى ملفات أهدافهم لرؤية ما إذا كانوا قد أهملوا هدفا· وحين قرروا أنهم لم يهملوا هدفا، ربما وقف أحدهم ومضى إلى الغرفة المجاورة وعاد بملف مجموعة أهداف جديدة في مناطق ذات كثافة سكانية، وقال: "··· ماذا عن ملف الأهداف هذا؟" وهكذا فعلوها"· هذا كل ما في الأمر، إن قصف أهداف "قريبة" من سكان جنوبي لبنان كان نتيجة فشل إسرائيل في الحرب، وليس نجاحها·

وفي الحقيقة "توسيع الأهداف" تصاعد خلال أيام النزاع كلها، وبدأ الطيران الإسرائيلي المحبط بسبب عجزه عن التعرف على منشآت حزب الله العسكرية وتدميرها، باستهداف المدارس والمراكز المدنية والمساجد، اعتقادا من قادته أن عجزه عن التعرف على مخابىء حزب الله ودكها، يشير إلى أن الحزب يخبىء منشآته ومراكزه العسكرية الكبرى في المراكز المدنية·

وحاجج ضباط الطيران أن قدرة حزب الله على مواصلة هجماته الصاروخية على إسرائيل تعني أن قواته يتواصل إمدادها· و"قانا" تقع على مفترق طرق، وهي المفصل بين خمسة طرق سريعة منفصلة، وتقع في قلب منطقة حزب الله· ويوفر قصف حلقات إمداد "قانا" لقادة الطيران الفرصة لإثبات أن حزب الله لم يكن قادرا على مواصلة عملياته إلا بسبب اعتماد امداداته على المدينة الواقعة عند تقاطع الطرق· ولكن قادة الطيران الإسرائيلي عرفوا في الحقيقة أن توسيع عدد الأهداف في لبنان لربما أحدث أثرا ضئيلا في إخفاق قدرات حزب الله لأن الحزب كان يواصل هجماته من دون انتظار لأي إمدادات جديدة، واعتماده على مخازن أسلحة وصواريخ محصنة ضد القصف الإسرائيلي·

في أعقاب قصف "قانا" التي قتل فيها 28 مدنيا، وافقت إسرائيل على إيقاف إطلاق النار لمدة 48 ساعة·

وقدم إيقاف إطلاق النار أول دليل على أن حزب الله صمد بنجاح أمام الهجمات الجوية الإسرائيلية، وكان يخطط لدفاع متواصل وطويل عن جنوبي لبنان· واحترم قادة الحزب إيقاف إطلاق النار بناء على أوامر قيادتهم السياسية· وباستثناء واحد أو اثنين، لم يطلق أي صاروخ على إسرائيل خلال هذه الفترة من وقف إطلاق النار· وبينما تجاهل خبراء المخابرات الإسرائيلية والغربية قدرة حزب الله على "إيقاف إطلاق النار فعلا، فإن قدرة الحزب على فرض الانضباط على قادته الميدانيين جاءت صدمة غير مرغوب فيها لقادة سلاح الطيران الإسرائيلي، الذين استنتجوا أن قدرات الحزب على الحفاظ على شبكة اتصالاته قد خرجت سلمية من هجمات الطيران الإسرائيلي، وأن قيادة الحزب على اتصال بقادتها على الأرض، وأن هؤلاء القادة كانوا قادرين على المحافظة على شبكة اتصالات منيعة رغم القصف الإسرائيلي·

التفسير الأبسط، هو أن قدرة حزب الله على إيقاف إطلاق النار كان معناها أن هدف إسرائيل في فصل مقاتلي الحزب عن بنيتهم القيادية (وهو الهدف الذي يعد ضرورة من قبل الجيوش المعاصرة في شنها لحرب ميدان معركة عالية التقنية) قد فشل· ولايمكن أن يصل قادة الطيران الإسرائيلي إلا إلى استنتاج واحد، وهو أن معلوماتهم التي سبقت الحرب حول قدرات حزب الله العسكرية كانت في أفضل الأحوال، ناقصة نقصا مريعا، أو خطأ قاتلا في أسوأ الأحوال·

الحقيقة أن مسؤولي مخابرات حزب الله طيلة فترة سنتين، أنشأوا قدرات استخبارية مضادة· وخلال الحرب، كان قادة الحزب قادرين على التنبؤ بمكان وزمان الضربات الجوية· أكثر من ذلك، تعرف حزب الله على عناصر الاستخبارات الإسرائيلية الرئيسية المجندة في لبنان· وقبل شهر من اختطاف دورية الجنود الإسرائيليين على الحدود والهجوم الإسرائيلي اللاحق، حطم مسؤولو المخابرات اللبنانية حلقة تجسس إسرائيلية تعمل داخل لبنان· واعتقل حزب الله والمخابرات اللبنانية 16 جاسوسا إسرائيليا على الأقل في لبنان، رغم أنهم أخفقوا في اعتقال رئيس الحلقة· علاوة على أنه خلال السنوات من 2004 وحتى الحرب نجح حزب الله في "تحويل" ولاء عدد من المدنيين اللبنانيين إليه، بعد أن كانوا يرسلون التقارير عن مواقع حزب الله في جنوبي لبنان إلى المخابرات الإسرائيلية·

وعن طريق هؤلاء وفي عدد من الحالات ذات الأهمية القصوى، تمكن مسؤولو استخبارات الحزب من "تزويد" إسرائيل بمعلومات زائفة عن مواقعهم، مما جعل إسرائيل تستهدف مواقع تعدها رئيسية لا وجود لها في الحقيقة·

وأخيرا، قدرة حزب على اختراق و"قراءة" الأفعال الإسرائيلية كان لها تأثير حاسم على مجريات الحررب البرية· وامتلك مسؤولو استخبارات الحزب قدرات كاملة على اعتراض الاتصالات إلى درجة أنهم كانوا قادرين على اختراق الاتصالات الإسرائيلية الأرضية بين القادة الإسرائيليين، وكانت إسرائيل التي تعتمد على منظومة عالية من تقنية موجات الاتصال تسمح لقادتها بالاتصال ببعضهم البعض بلاتدخل، قد استخفت بإمكانيات حزب الله في التمكن من تقنية اختراق الاتصالات· ومن هنا كانت النتيجة ذات تأثير حاسم على حسابات إسرائيل التي اعتبرت المفاجأة مجرد هامش على أطراف انتصار جنودها·

من الواضح الآن أن المؤسسة السياسية الإسرائيلية أصيبت بالصدمة جراء إخفاق قواتها في إنجاز أول أهدافها العسكرية من الحرب، بما في ذلك تحطيم عدد مهم من ترسانات حزب الله وتدمير قدرات الحزب القيادية·

ولكن القيادة السياسية الإسرائيلية لم تفعل شيئا لإعداد نفسها للأسوأ: فأول اجتماع للوزارة الأمنية الإسرائيلية في أعقاب اختطاف الجنود في 12 يوليو استمر لمدة ثلاث ساعات· وبينما كان أولمرت، ووزارته الأمنية يطلب تفاصيل دقيقة عن خطة القوات الجوية في الأيام الثلاثة الأولى من الحرب، أخفقوا في تحديد أهداف سياسية واضحة بعد النزاع أو وضع خطاطة لمخرج سياسي  في حالة إخفاق العدوان· وانتهك أولمرت ووزارته الأمنية أول مبدأ من مبادىء الحرب، فقد استهانوا بعدوهم· لقد كان أولمرت ووزارته، من عدة جوانب، أسرى معتقد غير قابل للنقاش في كفاءة قوة الردع الإسرائيلية· وشأنهم شأن الجمهور الإسرائيلي رأوا أن أي تساؤل حول قدراته جيشهم يعد كفرا·

وكان إخفاق المخابرات الإسرائيلية خلال النزاع كارثيا· وكان معناه، بعد إخفاق الحملة الجوية في هامش إحداث تأثير كبير خلال الأيام الثلاثة الأولى، إن فرصة إسرائيل لتحقيق انتصار حاسم على حزب الله أصبح بعيد الاحتمال·

قال أحد الخبراء العسكريين الأمريكيين: "لقد خسرت إسرائيل الحرب في الأيام الثلاثة الأولى· فإذا كانت لديك هذه القوة النارية، وهذا النوع من المفاجأة، ولم تربح، فمعنى ذلك أنك ماض في مسار لاوقفة فيه"· وتوصل كبار ضباط الجيش الإسرائيلي، في ضوء إخفاق الحملة الجوية، وأنه لم تعد لديهم سوى فرصة وحيدة، هي غزو لبنان بقوات أرضية على أمل تدمير إرادة حزب الله على النصر· وهذا هو موضوع الحلقة التالية·

عن موقع:

 www.ntimes.com

طباعة  

تدمير الديمقراطية